تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحرب المفتوحة والثقافة

ملحق ثقافي
2018/9/11
سلام الفاضل

فُتحت علينا حرب شاملة منذ الاقتسام الاستعماري بين فرنسا وبريطانيا وخروج الولايات المتحدة من قارتها، أثمرت الانتداب وإسرائيل ونهب النفط والانقلابات والحروب التفصيلية،

وتُوجت بمشروع الشرق الأوسط الكبير. كانت هذه الحرب متنوعة الأداء، عسكرية دموية على لبنان وفلسطين والعراق والجزائر والسودان، وناعمة دون صواريخ خلال العقود الماضية على سورية استهدفت ثقافتها وعمارتها ونهجها التربوي والأخلاقي وأمنها الغذائي والعمل السياسي، بيد أن هذه الحرب الناعمة على سورية ما لبثت لاحقاً أن تحولت إلى دموية تنظم المذابح، وتنسف الكنائس والمساجد والجسور، وتمارس عصاباتها وحشية بربرية لا مثيل لهمجيتها.‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

وكتاب (الحرب المفتوحة)، تأليف: د. ناديا خوست، والصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، تلامس نصوصه مرحلتي الحرب المفتوحة: المرحلة العسكرية الوحشية، والمرحلة الناعمة التي سبقتها. وتذكر بدور الثقافة في الدفاع الوطني، كما تذكر بالأحداث التي عشناها في العقد الماضي، وما زلنا نعيشها حتى اليوم.‏

تحدثت د. ناديا خوست عن الحرب المفتوحة مجزئةً حديثها في خمسة فصول، هي: (الحرب على الثقافة – دفاعاً عن العقل في مواجهة الإرهاب – الحرب السياسية العسكرية – محاولة لكشف الحقيقة – الحرب الإعلامية على سورية)، وقد اندرج ضمن هذه الفصول جملة من الأبواب فصلت عبرها د. خوست العنوان العريض الذي وسم كل فصل من الفصول. ونحن في هذه الإطلالة على الكتاب سنتناول في حديثنا الحرب التي مورست على الثقافة.‏

صياغة نخبة ثقافية شرق أوسطية‏

لا يكفي المستعمر بالطبع احتلال ثروات العرب وأسواقهم وبحارهم وأنهارهم، فاكتمال الاستعباد يشترط احتلال أرواحهم وعقولهم، وكنس ثقافتهم، وإلغاء إرادتهم، ونسف عبارات من مثل (مقاومة، شرف، شهامة، ثقافة وطنية، أدب رفيع، علاقات إنسانية) من قاموس مفرداتهم اليومي. وعليه ينبغي أن يختفي من مساحة النظر الأدباء العمالقة الذين يتناولون مسائل الإنسان الكبرى، وألا تحتضن دول العالم الثالث، وتقدر العمل الفكري، فنهاية مشروع التحرر الوطني والتنمية يعني نهاية المشروع الذي واكبه. وأمام هذا الانحسار لأدباء عمالقة ممن يتناولون في أعمالهم القضايا الكبرى التي تعمل على رفد الإنسان العربي فكرياً وثقافياً، تتم صياغة نخب ثقافية بديلة، يساهم في إعدادها مستشارون دوليون وأموال عربية، من شخصيات ذات ملامح يسارية أو مستقلة، ومهاجرين عرب ممن انفصلوا عن أرضهم الوطنية، وشخصيات تميل في الاتجاه الذي يطلبه منها موقعها الوظيفي، وشبان يريدون الطيران إلى مراكز لا تؤهلهم لها مواهبهم، وانتهازيين ينخرطون في أي مشروع يستأجرهم. وبناء على ذلك إذاً نستنتج خطر انسحاب المؤسسة الرسمية من دعم الثقافة، ونرى في هذه اللحظة أنه ينبغي على المؤسسات الثقافية أن تكون حاملة مشروع واسع يجذب المؤسسات الخاصة، والشخصيات الثقافية إلى مسار الحاجات الوطنية العليا.‏

اختراق الثقافة الوطنية‏

يقول أنطونيو غالا: «الثقافة هي سيدة البيت وحاميته، الدين والاقتصاد والسياسة ليست إلا خدمها». هذه المقولة تفرز أمامنا سؤالاً جوهرياً هل يمكن أن يوجد مشروع سياسي وطني دون مشروع ثقافي وطني يسنده؟‏

في ظروفنا العربية الثقافة هي الحصن والحصانة، هي المقاتلة التي تواجه الخطر الصهيوني، والمؤهلة لكشفه. وعليه ينبغي ألا يغيب المشروع الثقافي عن الواقع، وألا تنجر النخب الثقافية، المخضرمة والجديدة، مبتعدة عن واقعنا الدامي في وهم أنها في روح العصر الجديد الذي تجاوز الالتزام في الفن وعلاقة الفكر بالمجتمع، وأنها ترتفع فوق الواقع المحلي إلى آفاق العولمة، وتنساب بتسامحها في تهويد التراث والفكر الذي تسعى فيه الصهيونية، فتعترف حتى بعمارة يهودية، وتصبح المسألة أن تعترف للآخر اليهودي بحضارته وعراقته وهو المحتل الذي لا يعترف بالشعب الفلسطيني وحقوقه. وعليه حين يقدم موضوع «صورة الآخر» بديلاً عن صورتنا نحن، ينبغي التساؤل من هو الآخر المقصود؟ كما ينبغي الانتباه للتمييز بين الرحابة الثقافية التي تتسع للتراث الإنساني، وبين إلغاء الثوابت التي تؤسس البنية الروحية العربية.‏

العولمة والنساء‏

عند الحديث عن الثقافة المجتمعية لا يمكننا تحييد المرأة عن هذا الموضوع على اعتبار أنها جزء من النسيج الاجتماعي لأي مجتمع يريد الاستفادة من أبنائه كافة في صراعه مع عدو يجير جميع إمكانته وموارده. وعند النظر إلى المرأة النموذج التي قدمها العقد الأخير من القرن العشرين، نرى أنها كانت المرأة العالمة والطيارة والمبدعة والمقاومة، بيد أن العولمة قدمت نموذجاً آخر للمرأة وهي المرأة الغانية. فقد ساقت الطفيلية والفساد حاجات جديدة وصاغت معايير جديدة في مواصفات المرأة، فوقعت المرأة العربية بين جائحتين، إحداهما حجب النساء كمجموعة كبيرة تتجاوز نصف الشعب عن المحاور العامة باسم الخصوصية النسوية، والأخرى حجب النساء عن المحاور الكبرى الوطنية والاجتماعية باسم الدين.‏

وفي ظل هذا الهيجان العام، وما أفرزه القرن الحادي والعشرون من مسائل معقدة لا يمكن أن ننحاز للنساء كجنس، وأن نستبعد زملاءنا الذين نجتمع معهم في ظروف الحياة والرؤية، ولكن تقع هنا ضرورة الدعوة إلى أن تعدل قوانين الأحوال الشخصية، وقوانين الإرث والتقاعد والعمل والضمان الصحي، وحماية النساء، والفتيات الصغيرات خاصة، من الدعارة، بالأمان الاجتماعي، والقوانين الصارمة، كي نستطيع مواجهة هذا القرن وما تمخض عنه من مفرزات.‏

الثقافة التي نحتاجها‏

إن من مهمات الثقافة اليوم مقاومة الاجتياح المادي والروحي، واستعادة المثل والفضائل التي تربي على الكرامة الوطنية والشخصية. فالثقافة هي حصن وطني يمكن أن يسقي البنية الروحية في عالم ارتد إلى مرحلة متخلفة من تاريخ الإنسانية مع وسائل تكنولوجية متطورة تبيح للوحشية التدمير والإبادة. كما أن الثقافة مسؤولة عن مشروع يقابل خريطة الشرق الأوسط الكبير النفطية، باستعادة خريطة حضارة الشرق الكبرى، وتعارف جديد بين الشعوب يذكّر بما شيدته الحضارة من فنون معمارية وآثار تاريخية، وينبه إلى تشابه البنية الروحية والتربية والمشاكل المعاصرة، ويقاوم التفكيك بالتواصل. فالحياة إذاً ضيقة دون الثقافة، والبصر دونها حسير.‏

يقع هذا الكتاب في 552 صفحة من القطع الكبير.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية