تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إن جُنّ القوم ..وتخلوا عن مسؤولياتهم

مجتمع
الأحد 12-5-2013
دارين جوهرة

أعيش في مدينة متعددة الأديان والأعراق نتقاسم فيها العيش في السراء والضراء والمحبة وننعم بالسلام والأمن والأمان إلى أن تبدلت الأحوال وأصبح السلام في خبر كان والشغب والقتل عنواناً , حتى الوجوه أصبحت غريبة بعضهم من أبناء مدينتي والبعض الآخر من البلدان الأخرى.

عرفت أستاذاً في الجامعة حيث درست ولم أكن حتى لأصدق أن يشارك رجل مثله بحرق أيقونة تاريخية في مدينتي , كان لطيفاً ذا تحصيل علمي عال ومثقفاً بدرجة كبيرة ، بينما كنت أراقب أحداث شغب على طرف الطريق كان بعض الشبان يحرقون معلماً يؤمه الناس ورأيت الأستاذ مع الحشود التي كانت تحرق ، فسحبته خارج الجمهرة وسألته: ماذا تفعل؟ بدا عليه الخجل الشديد وهو يجيبني :تهت في الحشد ، الكل متورط هنا، نسيت مسؤوليتي في خضم ما يجرى، الكل مسؤولون للمرة الأولى في حياتي أشعر بهذا الانعتاق من المسؤولية , ليس لأحد أن يلومني، تجمع لقومي، وأنا مجرد جزء منه.. أنا آسف.‏

وفي مناسبة أخرى حيث كان يجري تخريب وسرقة لمتجر ساعاتي بعد قتل صاحبه فيه من قبل مجموعة من الإرهابيين (والمتجر كان يحوي على أثمن وأرقى أنواع الساعات)، وقف شيخ على مقربة من الأحداث وكان يصيح بنبرة غضب على الناس:‏

ماذا تفعلون؟ هذا ضد ديننا، وثقافتنا وأخلاقنا.. ما تقومون به خطأ، راقبت المشهد كاملاً من متجر كتب يقع على الطرف المقابل من الطريق لمتجر الساعات, ومن ثم أتت المفاجأة، عندما أخذ الناس كل الأغراض الثمينة من المتجر لم يتبق سوى ساعة جدارية ، كبيرة جداً وعتيقة , وبمجرد انفضاضهم من المكان اقترب الشيخ منها وحملها على ظهره، الحمل كان صعباً عليه لثقلها.‏

لم أصدق عيني، كان يحاول منع الناس وهذه الساعة كانت آخر ما بقي في المحل تركت متجر الكتب واستوقفته، وقلت له: غريب، كنت تصيح بالناس، هذا ضد أخلاقنا وديننا، توقفوا، والآن تأخذ أكبر ساعة في المحل.‏

فأجاب: صرخت كفاية ولم يصغ لي أحد، كل واحد منهم أخذ شيئاً. لهذا الأفضل لي أخذ هذه الساعة قبل أن يحظى بها أحد غيري‏

سألته: وماذا عن ندائك بالأخلاقيات والدين والحضارة‏

فأجابني بوجه خجل: عندما لا يكلف أحد نفسه التفكير بهذه الأمور، لم علي أن أكون الضحية الوحيدة هنا؟ أنا واحد منهم حاولت جهدي إقناعهم ، لكن إن لم يتبع أحد تعاليم دينه وأخلاقه والدرب الصحيح ، فلن أكون الخاسر ذا الموقف الغبي الواقف هناك، لم يسمعني أحد وربما لم ينتبه لوجودي أحد.... ( أخذ الساعة ورحل) .‏

أما صدمتي الكبرى كانت عندما كنت أشاهد نشرة الأخبار ورأيت صديقة قديمة لي تدعى (سلمى) تحتل الخبر الأهم في النشرة مع شريط فيديو لعملياتها الإرهابية كقناصة تقنص رجال الحق الذين يدافعون عن بلدي ضد الإرهابيين والخونة , لقد كانت فتاة طيبة اجتماعية ومن غير المتوقع أن تصبح ماهي عليه , ماذا فعل الإرهاب بها , بماذا غسلوا دماغها , ما الذي زرعوه بأفكارها لكي تصبح منهم وتقتل حماة الديار من أبناء شعبنا , تقتل من يحافظ على أمننا وأماننا , على أهلنا وأولادنا , تقتل مابداخلها من طيبة وبراءة ألا تدري انها تؤذي وتقتل نفسها قبل أن تقتل ماخلق الله.‏

شهدت الكثير من تجمعات الشغب في المدينة، وسألت أفراداً شاركوا في اغتصاب أو جريمة أو تخريب ممتلكات , هل يمكنك فعلها لوحدك؟.... فأجابوا بدون استثناء لن أفعلها وحدي ، فعلتها بسبب وجود هذا العدد من الناس التائهين المغفلين العابثين الذين لا يقدرون قيمة الوطن وماتقدمه الدولة لأبنائها ، إذ لا مسؤولية تلقى علي في ذلك ؟!! ، لا أؤاخذ على هذا، بل الكل هم المؤاخذون (هذا ماقاله أحد النماذج ممن يدّعون فعل الثورجية .‏

وبالتالي يمكن القول هنا إن الجهالة وعدم المسؤولية هي سبب كل الحروب وحوادث الشغب والأزمات والجرائم ,ولكن قد يكون فقط الوقود الذي أشعلته أعواد الثقاب الآتية من الخارج , والإرهابيون المصدرون الى مدينتي ليعيثوا فسادا بجمالها وسلامها وبعقول شبابها الذين مارسوا أعمال القتل والتنكيل بأفظع ما يمكن تخيله , وكل مسؤول عن أفعاله ولا مبرر لأعمال القتل والإرهاب.‏

لكن كيف سيصبح حالنا إذا تخلى الجميع عن مسؤولياتهم ؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية