|
الثورة
فقد تغدو سورية بين ليلةٍ وضحاها من المنتجين للأرز، وحتى من المكتفين ذاتياً من إنتاجه، لنستريح بعد ذلك أيضاً من فاتورة استيراده الباهظة. الشيء المضحك والمؤسف بآنٍ واحد هو أنّ بعض المغرضين في الخارج جنّ جنونهم من نجاح الكوادر البحثية الزراعية السورية في استنباط أربعة أصناف للرز الهوائي واعتمادها كأصنافٍ صالحة للزراعة في سهل عكار بشكل أوليّ وتجريبي، وراحوا يتهمون وزارة زراعة ، بأنها تعمل على استنزاف مياه السدود وبالتالي تصحّر الأراضي، وتلف ويباس الزراعات الأخرى، وهذا كله - على حدّ زعمهم وغبائهم وربما تغابيهم - بسبب اعتماد أصناف الأرز وإقرار زراعتها في الأراضي السورية لأن المعروف - كما يقولون - بأن الأرز يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه حتى يقوى على النمو والإنتاج. صحيح أن الأرز يحتاج إلى كميات كبيرة وبأضعاف مضاعفة بالنسبة للزراعات الأخرى، ولكن ليس الأرز الهوائي الذي جرت البحوث عليه وتم اعتماده بأصنافه الأربعة، فهذه الأصناف جرى البحث من أجلها كي لا تحتاج إلى كمياتٍ إضافية من المياه، ونجحت البحوث في ذلك، وأصدرت وزارة الزراعة قراراً رسمياً بتسجيل واعتماد الأصناف الأربعة من الأرز الهوائي كأصنافٍ مخصصة للزراعة في منطقة سهل عكار بمحافظة طرطوس، وهي الصنف (GZ 8450) يُعتمد في الجمهورية العربية السورية، ويُتداول تحت اسم (زاهد 1) والصنف (LUXOr) يعتمد أيضاً، ويُتداول تحت اسم (زاهد 2) وكذلك الصنف (LB 469 PB 08) يُعتمدُ ويُتداول تحت اسم (زاهد 3) أما الصنف الرابع (Nericall) فيُعتمد أيضاً ويُتداول تحت اسم (زاهد 4) وكانت البحوث العلمية الزراعية قد بدأت استعداداتها لتطبيق زراعة الرز السوري الهوائي «غير المغمور» في بعض المناطق بعد أن عملت واشتغلت عليه خلال سنوات الأزمة التي سببت في ارتفاع أسعار المستوردات. فالأرز الهوائي وغير المغمور، يؤكد الباحثون والزراعيون المتخصصون بأنه لا يحتاج بالفعل إلى أي كميات مياه غير طبيعية، حيث جرى استنباط هذه الأصناف لكي تكون مقاومة للجفاف، ومثلها مثل القمح كأبعد تقدير، ولهذا قيل عنه بأنه أرز هوائي وغير مغمور، وهذا ما يحاول المغرضين إخفاءه كي يقنعوا أنفسهم بخبثهم ويضللوا الآخرين، ولكن هذه الأبواب باتت مغلقة، وأكثر ما أغلقها صدأ أكاذيبهم العفن. وكانت التجارب على استنباط هذه الأنواع من الأرز قد جرت على مدى ثلاث سنوات في سهل عكار وفي محطة بحوث زاهد بالتزامن مع قيام بعض الفلاحين بالتجربة كتجارب محطة دبا في اللاذقية وكانت النتائج مبشرة حيث يصل إنتاج الرز في الهكتار إلى 6 طن باحتياج مائي من 8 آلاف إلى 9 آلاف متر مكعب مياه في الهكتار، إذ تجري الاستفادة من الرطوبة الجوية والأرضية في زراعة هذا النوع من الرز، وتشير بعض المعطيات إلى أن عدد الأصناف التي نجحت بلغت 19 صنفاً على أن يتم اختيار أفضل صنف من النوع القصير، كما نجحت زراعته في محافظة الرقة قبل الأزمة وتم تأمين المياه من نهر الفرات. وتُقدّر تكلفة كيلو الرز الهوائي السوري الواحد بنحو 70 ليرة في حين يباع حالياً في السوق بـ 500 إلى 650 ليرة، وأحياناً بأكثر. وعلى الرغم من أن الخطة الزراعية الحالية لم تحدد مساحات مخصصة لزراعة الأرز، ولم تضع أي تقديرات لإنتاجه، فإن زراعته سوف تتم ضمن مساحات بسيطة في سهل عكار ومنطقة الغاب على ما يبدو، وذلك على نحوٍ تجريبي مبدئيا، حيث تتم زراعته في نهاية الشهر الخامس ويحصد في بداية الشهر التاسع وينصح بالأصناف المبكرة كون الاحتياج المائي أقل وقبل هطول الأمطار، وينجح في التربة الطينية كتربة سهل عكار، لأنها تختزن المياه فيها لفترة أطول، ما يؤخّر عملية العطش والضرورة للسقاية. والمعروف أن الرز الطبيعي يزرع مروياً ويحتاج إلى الغمر المستمر، ولكن نظراً لوجود مشكلة نقص المياه ومحدودية مصادرها التي تعاني منها دول العالم، فقد بدأت مراكز أبحاث الأرز بالاتجاه إلى استنباط أصناف أرز جديدة، مبكرة في النضج ومقاومة للآفات وأكثر تحملاً للجفاف وذلك بالتهجين بين الأرز المروي عالي الإنتاج وأرز الأراضي المرتفعة المتحمل للجفاف، مع الاحتفاظ بمواصفات جودة الطهو والتخلص من الأمراض الناجمة عن زراعة الأرز المروي. وكان الدكتور بسام السليمان مدير عام مؤسسة إكثار البذار، قد أوضح لنا أن المؤسسة هي عضو في لجنة تقييم الأصناف على مستوى سورية، فهي كانت مشاركة في تقييم هذه الأصناف الأربعة من الأرز الهوائي، موضحاً أنها أصناف هجينة تعتمد على مياه الأمطار وعلى الري أيضاً، ولم تعد بحاجة إلى الغمر الدائم، فقد هجّنت هذه الأصناف الأربعة بطريقة تجعلها تتحمّل مياه الأمطار الغزيرة حتى ولو غُمرت الأراضي بالأمطار، وتتحمل الجفاف أيضاً - كما يتحمّل القمح - وعندها يُكتفى بريها مرة أو مرتين أو ثلاثا تبعاً لشدة الجفاف. وبيّن أن المؤسسة ستعمد مستقبلاً وبشكل طبيعي على تأمين البذار اللازمة من أجل زراعة هذه الأصناف الأربعة، لافتاً إلى أنه كان لدى المؤسسة بعض الملاحظات عند تقييم هذه الأصناف، التي تعتمد في زراعتها على سلسلة إنتاجية، فهي تحتاج إلى مكنات خاصة للحصاد، ومن ثم إلى تقشير وتجفيف، سلسلة ما قبل الحصاد وما بعده، وقد تم الاهتمام بهذه الملاحظات واعتمادها. كل الدلائل المحيطة بهذه الخطوة الزراعية السورية مبشّرة بالخير، وتشير إلى أن سورية ستغدو منتجة للأرز وبأقل التكاليف، ومن يدري فقد تكتفي ذاتياً من حاجتها لهذا الصنف الغذائي الهام الذي يعتبر من أهم أنواع الغذاء المستورد حتى الساعة. |
|