تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


صناعة الإسمنت بين الحلول الإسعافية والبعد الاستراتيجي...(الخاص) أحجم و(العام ) ينتظر.. وتوفر المادة الأولية ميزة نسبية

اقتصاد
الأربعاء 14/9/2005
مرشد ملوك

أبرزت التحركات الحكومية الأخيرة الاشكالية الحقيقية الناتجة عن عدم توفر مادة الإسمنت

في السوق السوري,وهي بذلك عكست اهتماماً حكومياً لافتاً لمعالجة هذه المسألة. ضمن جهود تخفيف العبء المباشر عن المواطن السوري وكان نقص مادة الإسمنت أحد تجلياته.‏

فكان صدور المرسوم التشريعي 362 حلاً اسعافياً أعطى المزيد من التسهيلات لدعم الحل الممكن حالياً بالاستيراد لتغطية حاجة السوق المحلية من خلال توحيد الرسوم المفروضة على مادة الاسمنت وتخفيضها حتى 3%.‏

وتمثل الاهتمام الثاني بالمشكلة بتأكيد المهندس محمد ناجي عطري رئيس مجلس الوزراء في جلسة 7/9/2005 على العمل على توفير مادة الإسمنت واعتماد التدابير اللازمة لإنهاء ظاهرة الاتجار بها في السوق السوداء وبالطرق غير المشروعة.‏

وبهذا يأتي تأكيد السيد رئيس مجلس الوزراء بأن أحد أوجه المشكلة يتمثل في خلل توزيع هذه المادة في مؤسسة عمران, التي يجب أن تراعي الحاجات الصغيرة من هذه المادة, وهي هنا مطالبة بطرح برنامج توزيعي يحقق عدالة توزيع ويقضي على ظاهرة الإتجار في السوق السوداء,ضمن الكميات المتوفرة ,مع الإقرار بأن الكمية المتوفرة أقل من الحاجة بكثير.‏

إحجام (الخاص)‏

حتى الآن كانت الجهود السابقة ضمن الحلول المباشرة والمطلوبة حالياً,لكن يأتي تشكيل لجنة برئاسة السيد عبد الله الدردري نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية للوقوف على حال المشاريع التي رخصتها الحكومة على قانون الاستثمار رقم 10 والبحث عن الأسباب الحقيقية التي حالت دون اقلاع هذه المشاريع,وبالتالي الانتقال إلى الشق الاستراتيجي التصنيعي في هذا المجال.‏

ضمن هذا المنطق تبرز مجموعة من الحقائق يجب أن تعلن وتناقش أولها ماهي نظرة الحكومة لحال الاستثمار العام في مجال صناعة الإسمنت ? لاسيما وأن الدراسات الجيولوجية السورية تشير إلى توفر المادة الأولية لهذه الصناعة, وهي بذلك تحقق ميزات نسبية سورية في هذا المجال,وهذا الأمر يمكّن سورية أن تكون مستقبلاً مركز إنتاج يكفي الحاجة المحلية. والفائض يصدر إلى الخارج إضافة إلى إعداد دراسات التوسع في المصانع القائمة أو إقامة مصانع جديدة.‏

توفر المادة الأولية‏

في هذا المجال ,وضمن رؤية إقامة صناعة الإسمنت في سورية أعدت المؤسسة العامة للجيولوجيا دراسة علمية عن أماكن توضع مناطق الإسمنت في سورية ,إضافة إلى تطوير أماكن الإنتاج الحالية,وإجراء دراسة جيولوجية لكافة أراضي القطر,لإيجاد مواقع أمل جديدة للمواد الأولية اللازمة لصناعة الإسمنت وهي:‏

1- المنطقة الممتدة ما بين أبو الشامات ومنطقة السبع بيار,وتمتد لمسافة تتراوح ما بين 50-60 كم جنوب الطريق الدولي دمشق-بغداد,وبينت الدراسات الجيولوجية توفر الصخور الكلسية النقية,والمناسبة لصناعة الإسمنت وباحتياطي جيولوجي حوالي 450 مليون طن, وتتوفر أيضاً الصخور البازلتية المناسبة للصناعة وباحتياطي جيولوجي حوالي 150 مليون طن.‏

وهذه الاحتياطات يمكن أن تنتج 10 ملايين طن من الإسمنت سنوياً,ولمدة لا تقل عن 60 سنة.‏

علماً أن المنطقة تحوي احتياطات تزيد عن المقدرة بعدة أضعاف,ويمكن تأمين المواد الإضافية,اللازمة من منطقة الزبيدة (للغضاريات) والجص من مقالع جيرود العائدة لشركة الرخام والإسفلت.‏

وبررت دراسة مؤسسة الجيولوجيا إقامة صناعة الإسمنت في المنطقة المذكورة بقربها من الحدود مع العراق ودول الخليج والسعودية ,التي تعتبر المستهلك الأكبر للإسمنت في منطقة الشرق الأوسط,إضافة إلى وقوع المنطقة على الطريق الذي يربط العاصمة بالمحافظات الشمالية الشرقية والتي لاتتوفر فيها صناعة الإسمنت,كما أن إقامة هذه الصناعة في المنطقة لا تؤثر على البيئة,ولاتؤدي إلى تلوث هواء المدن نظراً لخلو المنطقة من العمران,وتشير الدراسات الهيدروجيولوجية إلى توفر مستويات ستاتيكية هامة من المياه الجوفية.‏

لكن المنطقة تحتاج إلى خطوط نقل للتيار الكهربائي بسبب عدم توفر الكهرباء في المنطقة,لكن يمكن مد الكهرباء من محطة وديان الربيع.‏

المنطقة الثانية حسب دراسة المؤسسة العامة للجيولوجيا متوضعة في منطقة جبل سيس, وتقع هذه المنطقة جنوب مفرق السبع بيار بحوالي 60-70كم وقد بينت أعمال المسح الجيولوجي توفر كمية 300 مليون طن من الكلس النقي (الجويف) وأيضاً السكوري البازلتية الجيدة للصناعة في مخاريط مكحول وسليمان وغيرها إضافة للانتشار الكبير للصخور البازلتية ويقدر الاحتياطي بحوالي 100 مليون طن وهذه المواد كافية لإقامة صناعة للإسمنت بطاقة سنوية 5 ملايين طن وباحتياطات كافية لحوالي 75 سنة, والمنطقة قريبة من منطقة أبو الشامات والسبع بيار السابقة وبالتالي ينطبق عليها الشروط السابقة.‏

والمنطقة الثالثة التي حددتها مؤسسة الجيولوجيا تسمى منطقة تلال المكحل وتقع هذه المنطقة جنوب مفرق البصيري,وتحديداً مقابل جبل رماح غرب طريق دمشق-تدمر ,وهي عبارة عن تلال متوسطة الارتفاع تتألف من صخور كلسية نقية يقدر احتياطها الجيولوجي بحوالي 180 مليون طن, ويتوضع فوقها مباشرة صخور بازلتية يقدر احتياطيها بحوالي 60 مليون طن,وهذه الاحتياطات كافية لإقامة صناعة الإسمنت بطاقة 3 ملايين طن سنوياً ولمدة لا تقل عن 75 سنة. علماً بأنه يمكن تأمين المواد الإضافية اللازمة للصناعة من منطقة جبل رماح (للغضاريات) والجص من مقالع جيرود العائدة للشركة العامة للرخام والإسفلت.‏

وتتمثل مبررات إقامة صناعة الإسمنت في هذه المنطقة لضرورة تأمين الإسمنت للمنطقة الوسطى والشرقية من سورية, كما أنها لا تؤثر على البيئة وتوفر المياه الجوفية في المنطقة وقريبة من مدينة القريتين.‏

ومناجم الفوسفات في خنيفس مع وجود خطوط حديدية في منطقة البصيري ووقوعها بالقرب من خط الغاز الطبيعي وتوضعت المنطقة الثالثة لتوفير المواد الأولية لصناعة الإسمنت في منطقة جسر الشغور وتقع المنطقة بالقرب من قرية جنة القرى ويمكن إقامة صناعة إسمنت بطاقة 3 ملايين طن سنويا ولمدة لا تقل عن 75 سنة.‏

ويمكن إقامة تجمعات صناعية لإنتاج الإسمنت الأسود البورتلاندي في مناطق متعددة من سورية وخاصة مناطق ريف دمشق الشرقي وشرق حمص, بطاقة سنوية 19,5 مليون طن سنوياً.‏

الدراسات جاهزة‏

ومن جانب آخر وفي الشق التصنيعي يقول المهندس زياد كلش مدير عام المؤسسة العامة للإسمنت :إن إنتاج المؤسسة سيكون 6 ملايين طن عام 2007 ولذلك فإن الفجوة حسب الإحصائيات بين الإنتاج المحلي والاستهلاك ستكون من 8-9 ملايين طن.‏

ويتساءل المهندس كلش كيف ستغطي الدولة هذه الفجوة من الإسمنت ,هل بتلك التراخيص التي أعطيت ولم يباشر أحد بتنفيذها أم على الحكومة اتخاذ الإجراءات السريعة للسماح للقطاع العام بالمباشرة بمشاريعه المقترحة كمشروع ال¯ 3 ملايين طن في الشامات ومشروع المليون طن في عدرا,وأكد كلش أن دراسات الجدوى الاقتصادية جاهزة لهذه المشاريع إضافة إلى مشروع اعادة تأهيل الشركات القائمة وتطويرها من أجل رفع طاقتها الإنتاجية بما لايقل عن 100% من إنتاجها الحالي.‏

ويقر مدير عام المؤسسة العامة للإسمنت بأن الحلول ماثلة أمامنا لزيادة الطاقات الإنتاجية,ويعود للتساؤل فهل سيبدأ القطاع الخاص بتنفيذ بعض مشاريع الإسمنت لسد الفجوة من الإسمنت,أم ستستمر الحكومة بإعطاء التراخيص التي اثبت أصحابها عدم جديتهم في تنفيذ مشاريعهم المقدمة.‏

وتحرم بذلك شركات القطاع العام الإسمنتية حقهم بتنفيذ المشاريع بحجة فسح المجال أمام القطاع الخاص.‏

وذكر المهندس زياد كلش أن أرباح المؤسسة عام 2004 وصلت إلى مليار ونصف المليار ليرة سورية والبيع بأسعار الكلفة.‏

هل ننتظر‏

والآن إن مهمة اللجنة المشكلة برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء الوقوف على جدية التراخيص للعمل بإقامة صناعة اسمنت مطلوبة في سورية? لكن إذا لم تكن هذه الجدية متوفرة هل نبقى ننتظر?‏

ولا سيما أن دراسات المؤسسة العامة للإسمنت جاهزة,يجب أن نحدد فترة ومن ثم نتخذ موقفاً من الاستثمار العام في هذا المجال ,لأننا نتحدث عن صناعة استراتيجية,تعتبر استثماراً ومهماً بحد ذاتها,وهي حاجة ضرورية لإقامة البنى التحتية لمشاريع استثمارية أخرى في القطاعين العام والخاص, إضافة إلى حاجة المواطن السوري الدائمة لها, لأنها سلعة تمس حياته بشكل مباشر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية