|
ثقافة وهو بذلك يوفر فرصة للقراء للتلصص على حياة بعض عظماء الأدب والفن من زاوية مختلفة، «قد تبدو مجنونة أو تتنافى مع الصورة الذهنية للأديب، إلا أنها في النهاية تثبت أننا لا نزال مهووسين بكل ما يفعله الأدباء ربما بدافع الغرور ولكي نثبت لأنفسنا أنهم لا يختلفون عنا، أو بغرض التماهي مع شخصياتهم ومحاولة تقليدهم، أو حتى لمجرد الإحساس بالراحة لنزولهم إلى مستوى عامة الناس، فحتى العباقرة يحتاجون للطعام والنوم ويصابون بخيبة الأمل».. كما يرد في تعريف بمضمون الكتاب. في مكان آخر ثمة خبر يقول: إن ما بقي من عائلة الكاتبة الأشهر «جين أوستن» لم يرضوا عن صورتها التي زيّنت مؤخراً ورقة العشر جنيهات في بريطانيا, حتى إن بولا بايرن صاحبة كتاب «حقيقة جين أوستن» أيدت ذلك قائلة: «إن جين أوستن هي أكثر الأدباء مرحاً على الأرض، وقد حولوها إلى مادة للسخرية والاستهزاء، ولا أستطيع تصديق استعانتهم بتلك الصورة....». في زمن ندرت فيه الصور الشخصية, كيف استطاع الجمهور المتابع والمعجب تكوين صورة ذهنية للكتّاب والفنانين المبدعين في تلك العصور؟ لربما كانت صور «البورتريه» هي المرجع, لكن ثمة كثير من الفوارق بالتأكيد بين الصورة الحقيقية والواقعية لكاتب ما أو فنان ما, وبين الصورة التي راجت أو رُوّجَ لها في أذهان الناس. ربما ارتاح الجمهور سابقاً للصورة الملائكية المترفعة لعظماء الأدب والفن, وكأنهم مخلوقات غير قابلة للملامسة والمحايثة الزمانية والمكانية, فبقي كثير منهم مجرد صور وأيقونات. أما اليوم وفي عصر يلاحق كل تفصيل في الحياة ويضبطه بالصورة كيف ستكون صورة هؤلاء العظماء؟ ثمة تطابق على ما يبدو بين غياب صورةٍ مؤكدة للعظماء, وبين الدور التبشيري والرسولي- إن جاز لي التعبير- الذي وسمهم ووسم كتاباتهم وفنهم على مدى عصور, فارتقوا مكانة تقترب كثيراً من القداسة, لكن... اليوم ومع عصر الصورة أعتقد أن أولئك فقدوا كثيراً من دورهم التبشيري, بعد أن نزلوا إلى الشوارع والساحات والمقاهي والملتقيات, ونزعوا بإرادتهم تلك الصورة الضبابية عنهم رغم محاولة بعضهم إبقائها طلباً لمزيد من السحر والجاذبية والغموض. تتنازع الجمهور رغبتان: الأولى هي أنهم يريدون التأكد من أن هؤلاء العظماء بشر مثلهم تماماً, والثانية هي إرادة بعضنا في رفعهم إلى مكانة أرقى من الناس العاديين لأنهم يريدون مثالاً يحتذى. أصحاب الرغبة الأولى يلهثون لفضح كواليس النجوم- أدبياً وفنياً- وإنزالهم من أبراجهم ومعايير تفوقهم, وهكذا يصبحون مجرد مواضيع لصحافة (الباباراتزي) الفضائحية, أو طرائد لكتّاب السير الذاتية لرفع كل أوراق التوت عن عورات عظماء الأدب والفن.. فيما يستمر أصحاب الرغبة الثانية بتصوير الأدباء على أنهم أشخاص غير عاديين.. لهم طاقات غير عادية.. وطرائق عيش غير عادية... ويُبقون على ذلك السحر الذي يغلف عوالمهم ليقولوا ربما: ليس بإمكان الجميع أن يكونوا مثلهم! بين المعيار الفني والمعيار الأخلاقي قد تتغير الصورة التي رسمناها في أذهاننا لبعض العظماء. أروع مثالين قد يتجسدان في حياة كل من رامبو وجان جينيه بكل ما فيها من مغامرات ومخالفات للمألوف خاصة عند الثاني, لكنهما من أروع كتاب الزمن الجميل. ما هي الصورة التي تحتفظ بها أيها القارئ لكاتبك أو فنانك المفضل؟ كيف رسمت عوالم آرنست همنغواي.. أو جورج صاند.. أو ماركيز.. أو أدونيس.. أو حنا مينة........؟ ماذا لو تناقضت الصورة مع الحقيقة؟ هل تفضل أن تقتصر معرفتك بهم على ما يُشاع ويُسوّق عنهم, أم تريد اكتشاف ذلك بنفسك؟ ثم أي صورة لك تفضّل أيها الكاتب لتتركها خلفك, فيما لو أراد أحدهم مستقبلاً أن يقرنك بها؟ الصورة أوقات مستعمَلة, تطارد مستهلكي تلك الأوقات بالدلائل على طراز حياة عاشوها, ومع توفر كم كبير من الصور حالياً, أي مساحة ستبقى للخيال في توصيف ورسم شخصيات العظماء في مجال الفكر والأدب والفن؟! |
|