تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سوريالية الفنان التشكيلي علي محمد .. تُلقـي بتلويناتهــا علـى حجـارة طرطـوس القديمــة

ثقافة
الخميس 5-12-2013
 علي الراعي

فيما يُسمونها «القاعة القديمة» في المدينة العتيقة من طرطوس، كان مؤخراً ثمة انجدال بين المكان، و..ألوان الفنان التشكيلي علي محمد، انجدال برز تحاوراً بين الحجارة القديمة التي في أرشيف ذاكرتها ألف حكايةٍ، و..حكاية،

بحيث تتدافع حكاياها بألف لونٍ، و..لون، و..بتكويناتٍ لونية أخذت منحى السوريالية اتجاهاً لها، لتحكي بدورها قصصاً ملونة بألف تشكيلٍ و..تشكيل، و..ذلك في المعرض الذي دعت إليه مؤخراً جمعية العاديات بطرطوس، للفنان التشكيلي علي محمد، هنا تجلى مثل هذا التحاور بين قدامة المكان، و..قدامة حركة سوريالية، لنحصل في النتيجة على تشكيلٍ يُقارب في مفهومه التركيب أو التجهيز إلى حدًّ بعيد، لاسيما في القراءات الكثيرة التي تُتيحها لوحات هذا الفنان، و..ذلك بالتكوينات التي تعطي في كلّ قراءة، أشكالٍ و..مفاهيم جديدة، هنا علي محمد سيشتغلُ في منحيين متساوقين معاً، الفكرة، والشكل، و..لكن ليس بشكلٍ منفصل، وإنما كما ذكرنا بمنحى متساو..‏‏

حمولات سوريالية‏‏

و..الفنان التشكيلي علي محمد، كما في ذات مجموعة قصصية أصدرها ذات حين، بقي مخلصاً للاتجاه السوريالي، لكن ليس كما أسسه الآباء الأولون، و..إنما يبني على منجزات السوريالية القديمة حداثةً تشكيلية، لا تشبه إلا نتاج علي محمد نفسه، لاسيما، و إن من بقي مخلصاً للسوريالية، هم من الندرة في المشهد التشكيلي السوري، بحيث لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة..‏‏

لاشك - و كما يرى الكثير من متابعي الفنون الجميلة - أن كلّ عملٍ فني جيّد، لابدّ له من أن يحمل بعضاً من ملامح السوريالية، فالحقيقة لا تكمن فقط فيما نراه بالواقع، ذلك إن جزءاً من هذه الحقيقة يعبّر عنه الفنان برؤاه الذاتية، من خلال أحلامه، والأشياء المكبوتة لديه، و..من ثمّ المزج بين كل ما سبق - الواقع و التخييل- ليعطي جواً بعيداً عن المألوف، بتشكيل عناصر اللوحة بطريقة غير مألوفة، و..لكنها في داخل الإنسان حقيقة..‏‏

كل ذلك سنلمسه بجلاء في لوحات الفنان التشكيلي علي محمد، بهذه الحمولات السوريالية، فاللوحة مبنية وفق تركيبة التفكيك, - يتحدث الفنان علي - «يكفي أن يفكك المتلقي عناصر اللوحة, بمعنى عناصر البناء المؤلفة لها, من عناصر تجسيدية و ألوان ومساحات و حجوم المجسدات و..ارتباطاتها ببعض لتتكون الجملة الاسمية للوحة، و..من ثمّ فالجملة المعرفية.» و..ذلك ضمن مستويين، غلبة الطابع البحثي في اللوحة، لكن ليس على حساب الجمالية البصرية، و..في كلا المستويين راح ينقّب، و..يحفر عميقاً، ليفتح أفقاً من الرؤى الفلسفية المتخيلة المرسومة بدقة التفاصيل، و..متجاوزةً الشكل الواقعي لخلق رؤية غير واقعية، و..عالم غرائبي يطرح عديدَ التساؤلات.. عن ذلك يُشير - صاحب الجحيم خامساً- إلى أن ثمة «حدثاً معرفياً تمّ انجازه تحت تأثير الشغف باللون في الكثير من اللوحات، حيث يتقاسم اللون في اللوحة مع الحدث مناصفة, إلا أن الحدث لم يكن سوى حامل للون و مساعد في حضوره و تعبيره و..انفلاتاته بما يغاير إلى حدًّ بعيد تأثير و حضور اللون بالأعمال السابقة, فاللوحة هنا أنجزت بشكلٍ تجريبي فكان حضور اللون بسحره و تجريديته و خصائصه الجمالية, و..كانت المساحات اللونية و خطوط الحدث وفق انفلاتات من المعايير الحدثية للوحة و الجماليـة الخاصة بها».‏‏

احتفاء بـ «الأنثروبيولوجي»‏‏

من هنا فالسوريالية، و التي ربما انتهت في مهدها الفرنسي، لاتزال صالحة، و..راهينتها تكمن في اتخاذ اساليب جديدة لها، كما يفعل علي محمد، بهذا الاحتفاء بـ «الأنثربيولوجي» و الأشياء الهامشية، و بانزياحاتها أو بأنسنتها، و..تأنيثها أحياناً. و..إذا ما دخلنا في التفاصيل أكثر، - و هنا لابدّ من التريّث في قراءة لوحة علي محمد- ذلك أن القراءة المتأملة و المتريثة، ستُفضي أو تُجلي كمّاً من التفاصيل الجديدة، و..من ثمّ القراءات الجديدة، و..ثمة مفردات تكاد تكون «لازمات» في لوحات هذا الفنان التي كانت في هذا المعرض تشكّل هواجس تجريب، في تطوير الشكل و تبسيط الصورة، لوضوح المعنى و..زيادة شحنته. يساعده في كل ذلك كما يقول: «التراكم البصري و المعرفي الذي يسفح لي المجال لإظهار تجربتي الخاصة, مستفيداً من المستوى و النتائج التي حققتها المدرسة السوريالية، و..مستنداً عليها.و..المتبقي من السوريالية هنا، هو الاستناد الأول بتأسيس اللوحة، الذي يستند على المفاهيم السوريالية، و إعادة بناء الواقع المعرفي بصرياً متضمنة الدلالات الجمالية المرتبطة بالتداعي الداخلي الحر, ونذكر هنا أن السريالية ببنيتها كانت تجديداً كما هو معروف.».‏‏

في لوحات علي محمد، غالباً ما تأتي «السمكة» كمفردة بصرية، و ليس كدلالة، وظفّها ضمن الحالة البصرية، إذ تأتي بنفس سوية اللون و الخط، و..التجاور اللوني، بمعنى يمكن استبدالها على سبيل المثال بأجساد نساء، أو كمفردة أنثروبولوجية، فيما لوحة «الإنسان السمكة» فتأتي بتلك الحركة الإنسيابية للتعبير عن الغوص باللجة بأريحية مع كتلة الجسد الإنساني، غوص لا قسريّة فيه، و الذي يأتي للإشارة لهاجس البحث عند الإنسان لمعرفة الأنا، و مع الذات هنا مرتبطة بحيز العودة للأصل و..الحالة الجنينية. و..في خضم كل هذا البحث يأتي اللون، ليشكّل عشرات «البورتريهات» اللونية التي تبرز في قراءة العديد من التفاصيل.‏‏

ثمة تشكيل لأعمال معاصرة تعتمدُ على الخيال و الحلم، و..الأسطورة لتجسيد آفاق واسعة برؤى عجائبية في تحوير الحالات الإنسانية على هيئة طيور، و أسماك، و..حتى أشياء كالكرسي تحديداً، و..كثيرأ من الحالات الدعمصية - الجنينية، كل ذلك لخلق عوالم أسطورية تحكي تناقضات طوراً، و طموحات أحياناً، و..ضغوطات مرات كثيرة..!‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية