|
ملحق ثقافي
حتى لو أدين، كواحد من أصحاب القلاع الكثيرين، وكذلك أصحاب القصور التي تنبت كالفطر وترتفع كالسحاب.... نحن في الزمن العربي الرديء وما كان قبلا سيصير بعدا، الزمن.. صاح هدهد على شجرة قريبة: صحب الناس قبلنا ذا الزمان وعناهم من أمره ماعنانا تبعه هدهد آخر: وتولوا كلهّم بغصة منه وإن سر بعضهم أحيانا قال الصياد لزملائه: هل سمعتم؟ هل استوعبتم؟ هل انتبهتم إلى هذا المقطع (وتولوا كلهم بغصة منه)؟ زمجر صياد كان يقف جانبا ويسمع: نعم يازميلنا، سمعنا، استوعبنا، انتبهنا، وماذا بعد؟ نتكتف ونقعد؟ نلقي سلاحنا؟ نطمره، نحرقه؟ نحرق أنفسنا على طريقة غيرنا، احتجاجا وكفى الله المؤمنين القتال؟ أنت تكلمت طويلا، ونحن أصغينا طويلا والذي استخلصناه من كلامك أنك تدس السم في الدسم وأنك من الذين لهم دور محدد: تثبيط الهمم، فمن الذي أوكل إليك هذا الدور؟ صرخ الصياد: الذي أوكل إلي هذا الدور هو هذه المهزلة التي اسمها محكمة.. إنها تياترو لا أكثر ولا أقل. قال الأرقش الذي اخترق الصفوف: وما مأخذك على هذا التياترو؟ التياترو في بعض معانيها مسرح وهذه المحكمة مسرح ونريدها كذلك، فما اعتراضك على المسرح؟ الدنيا مسرح، الحياة مسرح، وأنت وأنا والآخرون جميعا ممثلون على هذا المسرح وكل منا يؤدي دوره المسرحي ويمضي، فأي دور يناسبك لنحجزه لك؟ صوب الصياد بندقيته إلى صدر الأرقش وقال وهو يرتجف غضبا: الدور الذي أريده انا، فانطق بكلمة أخرى إذا كنت شجاعا يا أرقش! قال الأرقش بنبرة فيها برودة دم قاتلة: طيب! هذا أيضا دور جيد، اخترته بنفسك ولا أعتراض لي عليه.. اطلق النار علي، اقتلني إذا كان يروقك دور القاتل.. لم يطلق الصياد النار، فأضاف الأرقش: هل آمنت الآن أنَّ الحياة مسرح؟ أنت تقتلني، ويأتي من يقتلك، ومن يقتلك سيقتل أو يحكم بالاعدام ويشنق. .. وكل هذا من المسرح وكل منا يلعب دوره بحرية تامة على هذا المسرح... فما رأيك؟ هل من الأفضل أن تكون أدوارنا على هذا النحو، أي أن يقتل بعضنا بعضا، أم أن نكون معا ونقتل العدو الذي أمنيته أن يفرق بيننا ويجعلنا نقتل وهو يتفرج علينا ويفرك يديه فرحا؟ تعالت الأصوات: أن نكون معا ضد عدونا يا أرقش! قال الأرقش! وبذلك يفشل العدو على مسرحنا بعد أن نجح على مسرح غيرنا.... كل ما يريده الإسرائيليون وكذلك الأميركيون والانكليز ومثلهم باقي الأعداء وعملاء هؤلاء الأعداء من العرب أن يزرعوا الفرقة بيننا أن يدسوا بذكاء لا ينقصهم وخبرة أشبعت درسا في مراكز أبحاثهم بين بلداننا العربية ليؤلبوا الواحد منا على الآخر، وأكثر من ذلك أن يجعلوا الأشقاء في البلد الواحد يقتل بعضهم البعض الآخر... وهذه أدوار مسرحية مدروسة، مخطط لها، بينما مسرحنا حر، وكل منا يلعب دوره عليه بحرية، فماذا تقول بعد الذي سمعته؟ قال الصياد وهو يعانق الأرقش: اعترف... الحياة مسرح ومسرحنا هو الأفضل فلنحافظ عليه كما قلت يا أرقش. في الصباح الباكر، كان الحكيم بشير والارقش، يجلسان على صخرة النبع، كانا يدخنان يفكران صامتين، يستعرضان الأيام التي مرت، والمراحل التي تتالت، على كفاح الصيادين لاصطياد الذئب الأسود، والمحكمة وشؤونها، والنون والراء وقمْطرة،و هذا الجلف الذي اسمه صقرش، وكيف قال لقمْطرة:« تعالي اركبك!» فكان ان جردته من سلاحه، وبقيت عذراء كما اخبرت المحكمة،ومحاولة القتل التي تعرض لها الارقش، ونبوءة المسرح التي صحت،والحياة التي هي هذا المسرح، والدنيا ومسيرة الزمن، وما قاله الهدهدان عن الزمن، وما نغّص على الناس، وما سر بعضهم احيانا، ولمن كان التنغيص، ولمن كان السرور. قال الحكيم بشير: - كل شيء، ياارقش، غدا واضحاً، فاذا تجاوزنا قمْطرة، ودهاءها الذي اربك المحكمة، حتى اضطر رئيسها الى رفع الجلسة، فان ثمة حقيقة لاريب فيها، تتلخص بان الصيادين قد ملّوا،وان مللهم بات واضحاً، صارخاً، منفلتاً من الانضباط، وان تعليقاتهم المرة، الصارخة، الساخرة، في صفوفهم التي وراء المحكمة، تدعو الى التأمل،الى التفكير، وقد فكرت في ذلك طويلاً ، في الليل، وصباحاً على هذه الصخرة، وظني انك مثلي، كنت في صمتك تفكر بما افكر به. قال الارقش: -والله انك لحكيم ياحكيم، وانا معك في كل ما قلت، وهذه المسرحية التي مثلناها، في الواقع والخيال، قد شارفت على نهايتها، لكننا سنخرج منها بفوائد كثيرة،من خلال الطروحات،والاقوال،والاقوال المضادة،حولها، فخروجنا الى الغابات، وحملنا السلاح، ومطاردة الذئب الأسود، واجماعنا، تقريباً، على ان القلاع، والقصور، واسياد هذه القلاع والقصور، هم المبتدأ والخبر، في فقر الناس، والظلم اللاحق بهم، وهذا ، في رأيي ، غير قليل، لانه فتح عيون هؤلاء الناس، نقلهم من غفلة الجهل، الى يقظة المعرفة، ومن المعرفة يكون الوعي، والوعي انتشر، ومن المستحيل سكونه، ومن المستحيل، بعد اليوم، وقف نموّه وانتشاره، فالحركة الداخلية، في وحدتها والتناقض، هي حركة انتقال الوعي من الادنى الى الاعلى، ومن الاعلى الى الاعلى منه،و التطور،ومعه الارتقاء، ناموس الحياة، ولن يبلغ القمع، مهما يشتد، ان يلغي هذا الناموس، أو يعطل حركته، وفي الخير، والنفع، وحصاد الزرع الذي زرعنا.. المحكمة بدأت اعمالها، فلنذهب اليها، ونستمع الى ما يدور فيها.. على ان نقف في الصفوف الخلفية، حيث التعليقات على مايجري،وما يقال، صريحة غاية الصراحة. كان دور صقرش قد انتهى، فصرفته المحكمة، بقيت قمْطرة، التي لاترتاح اليها دندنة، ومنذ بدء الجلسة قال رئيسها، اكرم الرماح: - اسمعي ياقمْطرة، انت، كما قلت لنا، لديك اسرار القضية التي ننظر فيها، والمحكمة تهمها هذه الاسرار، وستأخذ بها اذا كانت موضوعية، صريحة، ثابتة، لازغل فيها ولاافتراء، وكذلك لا كتم ولا اخفاء، فهاتي من البدء، وباختصار. قالت قمطرة جادة هذه المرة: - بعد الانتهاء من كتب كتابنا، صقرش وانا، طلب منا الارقش ان نتوغل في الغابة، لقضاء يوم العسل، الذي لم اذق طعمه مع الأسف.. قال رئيس المحكمة: - ما فاتك حصرماً، تأكلينه عنباً ان شاء الله. - مع صقرش؟ لا وألف لا! - مع مَن تشائين ياقمطرة. -على ان يكون ذلك شرعياً. -شرعياً طبعاً، لاننا جميعاً مع الشرعية.. هاتي ما عندك. قالت قمْطرة: - ياسيدي وتاج رأسي. - تاج راسي هذه بلاها. - هذا من فرط الاحترام! -نشكرك على هذا الاحترام، على ان يكون صدقك هو الاحترام. - وهل انا كذابة، ياتاج رأسي، وجزيل الاحترام؟ هذا طعن في شرفي! |
|