تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رسالة إلى ..ساعي البريد

ملحق ثقافي
18/4/2006
فارس الحاج جمعة

يجرّ جسده كمن يحمل جبلاً على ظهره ,فقد أوشكت الشمس أن تخلد إلى مخدعها , ولم يفرغ بعد من جولته اليومية, يطوف كطائر الدوري من منزل إلى أخر, ليسلم الرسائل إلى أصحا بها. يقلب حقيبته الفارغة ويتجه إلى منزله. لقد سئم وظيفته,

ملّ ملامح الوجوه التي تستقبله بلهفة كل يوم. البعض يختطف الرسالة من يده..حتى دون أن ينظر في وجهه,‏

والبعض يتمهله ليقرأ له سطور الرسالة,فتنقلب ملامحه.. تتقلص أوتتمدد وفقاً لفحوى الرسالة, وكأنما هو الذي كتبها أو أرسلها!. والبعض الأخر كا ن يشكو له أحزانه,لاعناً سوء طالعه الذي أبعد عنه فلذة كبده أو حبيبه, وكأنما ثمة تواطىء سري.. بين الغربة وساعي البريد!. فيشعر بتأ نيب الضمير ..كغراب أسود يحمل دوماً أخبار السوء. يهزّ برأسه ساخطاً في طريقه إلى منزله, أي ذنب اقترفه..ليكون صفحة فارغة,يلقي فيها الجميع بقايا همومهم. وأحياناً أخرى ترقص عيناه طربا با بتسامةٍ عجوز ترفع له يد يها بالدعاء. لكن أليس هو الذي عشق مهنة ساعي البريد ..المغلف دوماً بمعطفه الطويل وابتسامته الواسعة.,وهويحمل بحقيبته الصغيرة أخبار الدنيا , يربط حبال القلب المقطوعة عبر المسافات..بقصاصة ورق ضئيلة. لطالما كان يتتظر "سا عي البريد" حين كان طفلاً..,ليحمل له أخبار والده المسافر, حفظ وقع أقدامه المهرولة على الأرصفة ودقات أصابعه على الباب .. وهي تهرع بالأخبار السارة. فكان ينزع الطوابع عن أغلفة الرسائل , حتى باتت لعبة جمع الطوابع ..هوايته المفضلة. هاهو يقلبها كل يوم بين أصابعه..كانما يقلب الكرة الأرضية بين يديه,فكم من الرسائل التي حملتها تلك الطوابع,أكانت رسائل سرور أم عزاء, ترى إلى من وصلت ..إلى أم تنتظر وحيدها على جمر الشوق,أم إلى زوجة تترقب عودة رجلها من جليد الغربة, أم إلى حبيبة تتشوق لأخبار حبيبها بين طيات الورق!. ..الرسالة الوحيدة التي لم يستطع أن ينزع عنها طابعها ..هي رسالة ابنه الذي سافر إلى الخارج منذ عامين لأنهاء دراسته. لم يرسل سوى تلك الرسالة, ثم انقطعت رسائله فجأة,مكتفياً باتصالات هاتفية مقتضبة لا تروي القلب. هاهو يطفىء أشواق الجميع كل يوم دون أن يجد من يطفىء له شوقه , يقرأ عناوين الرسائل بعينين جائعتين كل صباح , عساه يصادف بينها رسالة من ابنه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية