|
ملحق ثقافي
وما إن يرجمه مصباح بنور مبهر حتى يقفز مستقبلاً الذعر بمكان مظلم. الهدوء يغازل المكان، وعينا الكائن تترصدانه بحذر. لايوجد شيء الآن يمنعه من الصعود الى الاعلى. ولقد شبَّ ونطّ مغتسلاً بمتعة الوحدة فيما تتابعت درجات السلم خشنة منتظمة. وإذ مرت دقيقتان اقتربت أصوات اقدام تترنح وتمتزج بكلمات اغنية راقصة. تباً للذعر يسري كالنمل في جسد الكائن، ويكوره مختبئاً خلف اسطوانة بنية اللون. ما أصعب ان تتلبس حياته بالخوف من هؤلاء العمالقة! إنه يمقتهم أشد المقت. يضطر دوماً الى الفرار فيما «تتغندر» كائنات اخرى في بيوتهم. ويخبو الصوت شيئاً فشيئاً.. ويتهادى السكون بين الثانية والثانية حتى يتعامى في ظلمة صمت تام. فيثب الكائن منساقاً الى الاعلى. لارائحة يعشقها كالرائحة المنتشرة في هذا المكان. مئات الذكريات توثقه بالمتعة الكامنة وراءها. ويدور بؤبؤاه الى الجهات كلها: تصعقه أرضية فارغة. يلبد هنيهة بالأرض وسرعان ما يباغته صوت باب يصفق بقوة. وتتسمر أذناه إذ يعربد الصمت على حين غرة.. تهزج ضحكة. يعلو صياح.. يتموج بكاء.. يطقطق حذاء. لاأضيق من تلك الزاوية يحشوها حشواً بجسده،فيتوارى عن أنظارهم. يرنو الى شقٍّ صغير. هذا رأسه يُرفع قليلاً فتهتز فوقه أوراقه شريطية طويلة. وتحدث عينا عملاق الى عينيه الخائفتين.. يتقلص.. يتكور.. يتجمد..يتوهم أنه غدا أضعف جسداً. بيدَ أن يداً ناصعة البياض تمسك بيد العملاق وتجره الى الاسفل. ويسترخي الجسد.. يتمدد. فالاصوات اختفت مذ تسلسلت متلاشية في اغوار السكون المطبق. سمع ذات مساء اسطورة تتحدث عن آلهة السكون البدئية التي انجبت آلهة صغيرة مفعمة بالحيوية وعكرت صفو حياة الآباء،و أقلقت راحتهم. ما من سبيل الى العودة للنوم سوى إبادة النسل الجديد وأُحكمِت الخطة، غير أن الصغار أشجع وأذكى من آبائهم. لقد اختاروا مردوخ القوي الفتي ليصارع هؤلاء المتوحشين. وهكذا دخل منفرداً مع الأم تعامة في صراع مميت وأهلكها. أوف! لماذا لاتأتي صور الاساطير المرعبة إلاَّ عندما تعده الروائح الطيبة باللذة؟ لا. لن يوافق ذاكرته على حرمانه لحظات المتعة. وانطلق لسانه بنفخة، ثم استرسل جسده في قفزات مسرعة تجاوز أثناءها طابقين من دون توقف. ما أجمل الباب الذي يقابله الآن! خشب استمسك بالأبد، فاستسلم ليدي عملاق دهنتاه بعناية. واقترب الكائن من قطعة خشب ناتئة. لحسها.. شمها ها ها! الرائحة تنبعث من ورائها. وما كاد يقضمها قضمة حتى فُتح الباب فجأة، وخرج عملاق خبط الارض بهراوة. وألح في الضرب.وتفنن في الخبط. غير ان الكائن هرب قافزاً على درجات السلم. وخيل إليه انه وصل الى بيت مهجور.. كانت الكراسي والاشياء الموجودة عتيقة مغبرة كأنها الحطام. واخذ يمط جسده ويقلصه الى ان دخل في انبوب فارغ، ثم مكث ينتظر. لم يعد يذكر بالضبط متى نزل العملاق وأغلق الباب وراءه ولا كيف تتلمذ هو لساعات الليل، فتغشت عيناه بمصادفة قاتلة واحتمال لذة. جنون أن يرتد الى الباب مرة اخرى! وحماقة كبرى ان تمنعه هراوة من لمسه! وحبس أنفاسه متسللاً من الأنبوب. دبّ على الارض هنيهة وسرعان ما انطلق كالسهم نحو القطعة الناتئة. |
|