تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ديمقراطية الأثرياء!!

دراسات
الأثنين 4/8/2008
د.حيدر حيدر

لاشك أن الولايات المتحدة الأميركية بنظامها السياسي الذي يعتمد على ما يمكن تسميته (ديمقراطية الأثرياء) يثير العديد من التساؤلات عن أهلية هذا البلد العملاق اقتصادياً وعسكرياً في قيادة العالم

والذي استطاع المحافظون الجدد فيه أن يسيطروا على مداخل ومخارج مؤسسات اتخاذ القرار حيث تغلغلوا أولاً في مؤسسة البنتاغون لينتشروا فيما بعد في جميع مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والعسكرية,وحتى الثقافية الأميركية,ولينشروا حالة من الرعب في الوعي السياسي الأميركي ولينجحوا في إذكاء نار أزمة اقتصادية ,محلية وعالمية خانقة .وطبعاً ماكان هذا ليحدث لولا وجود رئيس بمواصفات الرئيس الحالي جورج بوش .‏

بل تمكنوا أىضاً من نشر حالة رعب عالمي من الارهاب الذي تفننوا في صناعته وتعميمه على كل مناحي الحياة الأميركية بل ونشره في العالم ككابوس يقض مضاجع العالم أجمع وعن طريق هذه الفزاعة الجديدة شنوا الحروب العلنية والسرية وزادوا من الموازنات العسكرية ورسخوا سيطرة المؤسسة العسكرية الأميركية على الحياة السياسية الأميركية وليس أبلغ على ذلك من أن 6600 دبلوماسي أميركي ينفذون حول العالم ويغطون الجانب الناعم من القوة الأميركية أي أنشطة وزارة الخارجية الأميركية,ولايزيد عددهم على عدد أفراد الطاقم المكلف تسيير وحماية حاملة طائرات أميركية واحدة ,عن حد قول عسكري أميركي بارز.‏

وليس أدل على تفشي نفوذ جنرالات الجيش مما أكدته الدراسات الأميركية من أن البنتاغون يحتل المرتبة الأولى في مؤسسات التوظيف وتشغيل الآلاف في قطاع الصناعة العسكرية,ولايخفى على أحد أنها الصناعة القائدة في الولايات المتحدة والأكثر ريعية وربحاً فأميركا تصدر أكثر من نصف مشتريات السلاح العالمية ,وبينها وبين روسيا وبريطانيا فرق شاسع وهما الدولتان اللتان تحتلان المرتبة الثانية والثالثة في هذا المجال.‏

ولاننسى أن للبنتاغون مكانة وقوة وهيبة في المؤسسات الأكاديمية /جامعات-مراكز أبحاث- وهي مخازن العقول للتدرب على الحكم وممارسته في المؤسسات الحكومية وهذا يعني أن البنتاغون يلعب دوراً أساسياً في صنع السياسة الخارجية الأميركية حيث ينتشر الجنرالات والموظفون العاملون لحساب المؤسسة العسكرية في إدارات وزارة الخارجية في الداخل والخارج كموظفي استخبارات وتجسس على الدول الأخرى.‏

ولاننسى أيضاً خطط البنتاغون لتوسيع القواعد العسكرية الأميركية خلال السنوات المقبلة ليصل عددها إلى 1000 قاعدة منتشرة في العالم. بكلمات أخرى فإن المحافظين الجدد بسيطرتهم أولاً على المؤسسة العسكرية وانطلاقهم منها إلى بقية المؤسسات كسياسيين وإداريين, قد قرروا إرساء خريطة جديدة للاستراتيجية العسكرية الأميركية وتثبيتها لمواجهة مستجدات القرن الحالي مع ماتحمله من مخاطر على الهيمنة الأميركية الحالية وهم يستعدون للانطلاق إلى استراتيجية جديدة وهي عسكرة الفضاء.‏

بطبيعة الحال في الشركات العملاقة في مجال السلاح والطاقة وبتحالفها مع المافيات المختلفة تعلم تماماً أن مدخلها إلى السيطرة كقوى سياسية يتم عبر الهيمنة على البنتاغون ولايمكن القول إن تغيير الرؤساء بحكم طبيعة النظام السياسي الأميركي,أو تدهور شعبية السياسات الأميركية الحالية داخلياً ولاحتى انحدار السمعة الأميركية خارجياًً تبدو أسباباً منطقية لتعيد المؤسسات الأميركية الحاكمة النظر في الاستر اتيجية الأميركية وهي التي تدعو لبقاء أميركا قطباً وحيداً متفرداً يسعى إلى السيطرة الكونية ,بل على العكس نرى أن النخب السياسية والعسكرية ومن ورائها قوى الشركات العملاقة المسيطرة تسارع خطواتها وتطور أدواتها لتتلاءم مع التحولات العالمية لكن الهدف يبقى دوماً تحقيق (السيطرة الكونية).‏

وليس أدل على ذلك من أن الكونغرس يخصص 58% لشؤون الدفاع من مجمل ما يخصصه لجميع بنود الموازنة السنوية الأميركية حيث تبلغ موازنة وزارة الدفاع ثلاثين ضعف الموازنات المخصصة لجميع أنشطة وزارة الخارجية على سبيل المثال.‏

يبدو أن المخاوف التي جالت برأس ايزنهاور,وهو رئيس اميركي أسبق, قد تحققت عندما كتب محذراً من سيطرة شركات السلاح وجنرالات البنتاغون على مقدرات الحياة السياسية الاميركية, عموماً هل يمكن أن ننتظر غير هذا من بلد يحكمه الأثرياء وهم يفصلون الديمقراطية على مقاس مصالحهم ويبدو أن تسميتها بديمقراطية الأثرياء مناسبة تماماً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية