تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


النووي الإيراني .. الأزمة المصطنعة

جون أفريك
ترجمة
الأثنين 4/8/2008
ترجمة: دلال ابراهيم

يواصل المتشددون في( اسرائيل) والولايات المتحدة الحديث والتأكيد على احتمال توجيه ضربة لايران بهدف تدمير تجهيزاتها النووية.

وقد ذكر الصحفي الأميركي الشهير سيمور هيرش في صحيفة نيويورك الصادرة في 7 تموز أن القوات الخاصة الأميركية تجري عمليات سرية واسعة النطاق فوق الأراضي الإيرانية من خلال استخدامها الأقليات الاثنية ومجموعات منشقة بغية الالتفاف على الطموح النووي لايران ومحاولة قلب نظام حكم أحمدي نجاد.‏

وحتى الآن, لن تستطيع التهديدات ولا المهمات السرية أو المبادرات الدبلوماسية للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن تغيير موقف طهران حيال ملفها النووي ولو قيد أنملة.‏

ولن تقبل ايران المساعدات ولاسيما الاقتصادية التي عرضتها عليها الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن إلى جانب ألمانيا مقابل وقف نشاطاتها النووية,والسبب أن تلك المساعدات لاتلبي أبداً احتياجات ايران, وبالمقابل يمكن لايران الموافقة على اتفاق ( تجميد ثنائي) مؤقت, بناء على اقتراح تقدم به زعيم الدبلوماسية الأوروبية خافيير سولانا, أي تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم لفترة ستة أشهر مقابل رفع العقوبات عنها خلال نفس الفترة, وهذا سيتيح للمنظمة الدولية إجراء (محادثات تمهيداً لمباحثات مستقبلية), أي ليس توقيفاً قطعياً نهائياً لبرنامجها النووي, وبالرغم من كل تلك التهديدات المتواصلة, تلقي الولايات المتحدة واسرائيل بالمسؤولية على ايران. وإذا مانظرنا إلى النتائج التي ستتمخض عن تلك المغامرة الخطيرة والمنظور منها هو قطع امدادات النفط عن الدول الحليفة للولايات المتحدة, وارتفاع سعره والتأثير على اقتصاد دول الخليج العربي, وعلى أمن القوات والقواعد الأميركية في المنطقة, وكذلك أثرها في تمكين الإرهاب وتعزيز قوته, وكذلك أثرها على بقاء (اسرائيل), يكفي ذلك ليشكل رادعاً في عدم التورط بهكذا مخاطرة.‏

باختصار, إن العالم كافة يعلم من خلال استخدام هذا الخطاب الحربي أن ضرب ايران هو ضرب من الجنون.‏

ومن الأجدى من أجل حل تلك الأزمة هو اقتراح مساعدات على ايران مغايرة لتلك المساعدات المعروضة عليها, والحلول جميعها, كما يراها المراقبون ترتكز على مبدأ أن معظم الصراعات في (الشرق الأوسط) مترابط بعضها مع بعض بشدة, ولايمكن حل أي منها بمعزل عن الأخرى.‏

وعلى سبيل المثال, لايمكن فصل الطموحات النووية الإيرانية عن الوجود العسكري الأميركي على حدودها, أو عن الصراع الفلسطيني , الاسرائيلي الطويل الأمد, أو عن العلاقات المتوترة أحياناً مع دول الخليج العربي.‏

وفي هذا السياق, من المؤكد أن التوافق على اتفاق شامل يأخذ بالحسبان تلك التوترات أو الصراعات يملك من فرص النجاح أكثر من كافة المبادرات المطروحة لغاية الآن. إن (اسرائيل) لاتريد أن تمتلك ايران السلاح النووي, وهو هدف تتقاسمه مع الولايات المتحدة وجزء كبير من الأسرة الدولية, وقد سيطر على الرأي العام فيها فكرة أن امتلاك ايران للسلاح النووي من شأنه زعزعة استقرار النظام العالمي, لأنه سيكون دافعاً لانتشار السلاح النووي, ووقوعه في أيدي الإرهابيين حسب ادعائهم حتى إن بعض الاسرائيليين يذهبون إلى حد الزعم أن القنبلة النووية الإيرانية تشكل تهديداً لوجودها.حتى ولو كانت هي تمتلك ترسانة نووية تقدر بأكثر من /200/ قنبلة مجهزة بنظام جوي وأرضي.‏

وتنطوي تلك المزاعم الاسرائيلية على قدر كبير من المبالغة والبعد عن الحقيقة. ولكن من الواضح أنه وفي حال امتلكت ايران السلاح النووي, فسوف تصبح عدواً لايستهان جانبه ضد (اسرائيل) والولايات المتحدة, وسوف تقلص هامش تحركهما وهيمنتهما في منطقة (الشرق الأوسط).‏

والسؤال الرئيسي هو التالي: ما الثمن الدبلوماسي الذي يمكن (لاسرائيل) والولايات المتحدة دفعه لإقناع ايران بالتخلي عن طموحاتها النووية? وهل تقبل الولايات المتحدة, مثلاً سحب جيوشها من العراق, وإقفال قواعدها في الخليج? وهل يمكنها العودة إلى اعتماد وجود عسكري غير منظور كثيراً وأقل استفزازاً?‏

وهل يمكن (لاسرائيل), من جانبها, الإذعان إلى ضرورة إنشاء دولة فلسطينية مستقلة, وقابلة للحياة في الضفة والقطاع, وعاصمتها القدس الشرقية? ويشكل القرار الذي يزمع على اتخاذه المرشح الديمقراطي باراك أوباما, في حال فوزه, بسحب قوات بلاده من العراق قراراً صائباً, سيعود بالفائدة على الولايات المتحدة.وحتى أصدقاء اسرائيل, ومن بينهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي, يعتقدون أن إنشاء دولة فلسطينية فيها مصلحة لاسرائىل,وأفضل ضمان لأمنها. وهذا كله ليس بالثمن الغالي الذي يمكن أن تدفعه طهران مقابل وقف برنامجها النووي.‏

ويغيب عن بالنا أن ايران, خلال عهد الشاه كانت حليفاً لاسرائيل, والمشاعر الغاضبة التي يكنها الشعب الإيراني تجاه اسرائيل جاءت نتيجة القهر والظلم والتنكيل الذي يعانيه الشعب الفلسطيني بسبب الاحتلال الاسرائيلي لأراضيه.‏

والسبيل الأفضل لنزع التوتر والخوف والقلق السائد بين ضفتي الخليج العربي هو عقد ميثاق أمني يجمع ايران مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي.‏

وفي ظل هكذا تطمينات سوف تشعر ايران بعدم حاجتها إلى السلاح النووي, والتهديد بشن حرب مدمرة سوف تتحول إلى سراب والخاسر هو الساعي إلى الحرب أينما كان.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية