تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إبداع نهاد قلعي في كاتب وموقف

ثقافة
الأثنين 4/8/2008
بشار الفاعوري

يعتبر نهاد قلعي من نجوم الكوميديا العرب في القرن العشرين استطاع ضمن استخدام أدوات بسيطة وامكانيات ابداعية ضخمة أن يعتلي عرش هذا الفن الراقي, أعماله بالرغم من قدمها لازالت تشهد إقبالاً جماهيرياً عريضا

فكان من أوائل الذين أعطوا الدراما الصبغة المحلية وجعل من اللهجة الشامية تنقل خصوصية المكان والزمان للوطن العربي مشكلا مع الفنان دريد لحام أهم ثنائي كوميدي عرفته الدراما العربية, مسيرة وعطاء هذا الفنان العملاق قدمت في ندوة كاتب وموقف وبمشاركة المخرج والاعلامي المعروف خلدون المالح والفنان محمود جركس والسيناريست والناقد الاعلامي الدكتور محمد مرعي الفروح بإدارة عبد الرحمن الحلبي .‏

خلدون المالح: أسس الدراما السورية‏

المالح هو أكثر الناس تعايشا ومعرفة بنهاد بحكم الأعمال المشتركة سواء في سهرة دمشق, مقالب غوار, صح النوم, ملح وسكر, عن تجربته مع هذا العملاق يقول نهاد لم يكن صديقا وحسب بل كان فردا من أفراد كل أسرة في هذا الوطن معرفتي به تعود إلى منتصف الخمسينات جمعتنا الهواية في النادي الشرقي وهو أول ناد ضم مجموعة من هواة الفن المثقفين .‏

نهاد كان لولب هذه الفرقة التي قدمت مجموعة من الأعمال المسرحية العربية والعالمية على مسارح دمشق والقاهرة اذكر منها (لولا النساء, زنوبيا) وكلاهما من إخراج نهاد حيث لعب دورا رئيسيا فيهما وقدمنا مسرحية ثمن الحرية.‏

عندما اقترب موعد افتتاح التلفزيون وباعتباري من العناصر المؤسسة له لجأنا إلى الاعلان لاختيار الكوادر الأولية التي ستتولى مهمة جميع الاختصاصات من بين المتقدمين للتوظيف نهاد قلعي وتم اصدار القرار بتعيينه مع مجموعة من زملائه.‏

قدمت في التلفزيون برنامج الإجازة السعيدة جمعت فيه عناصر غير محترفة من المسرح الجامعي الهواة منهم دريد لحام, محمود جبر, غازي الخالدي إضافة إلى اعدادي لبرنامج استمر لعدة سنوات هو سهرة دمشق فوجدت في دريد لحام مشروع فنان كبير فخطر ببالي أن أجمعه مع نهاد وبالفعل تعاونا معا ومنذ الحلقة الأولى أحبهم الناس وبدأ تعلقهم بهما فحاز البرنامج في استفتاء أجرته القاهرة على أفضل برنامج ظهر على شاشة الجمهورية المتحدة.‏

بعد هذا النجاح عقد الأشقاء اللبنانيون مع نهاد ودريد اتفاقا قدما مجموعة من الأعمال هي عبارة عن إعادة صياغة بعض المشاهد في سهرة دمشق ثم جرى توقيع عقد جديد على عمل مقالب غوار أنتج هذا العمل ووزع في الوطن العربي وبدأ الناس يتعرفون بشكل أكبر عليهما.‏

لما تم تأميم السينما في مصر والحديث لخلدون المالح هاجر الكثيرون من الفنيين والفنانين إلى لبنان وسورية لتنشط صناعة السينما فيهما وأنتجت مجموعة كبيرة من الأعمال كان لدريد ونهاد نصيب الأسد فيها حيث قدما 24 فيلما لتبقى صناعة السينما في سورية مرتبطة بما صنعه دريد ونهاد وبدأ معها الفيلم السوري يأخذ مكاناً على الساحة العربية.‏

يضيف المالح عام 1965 أعدت اخراج مقالب غوار في سورية ضمن شروط أفضل مما عليه في لبنان من حيث المكان, الآلة, الفنانين, ولنهاد الدور الأهم ففي ذهنه موسوعة من الطرائف الحقيقية جعلت منه المؤلف الأول لأعماله ومشاركة دريد في كتابة هذه النصوص فكان لديه إحساس كوميدي عال حلو المعشر وكان عاطفيا إلى حد بعيد ,خفيف الظل.‏

كما قدمنا بداية السبعينات مسلسل حمام الهنا وأكملت إخراج آخر حلقتين منه وهو من تأليف نهاد قلعي وأضاف دريد بعض الطرائف واللمسات على النص أيضا قدمنا مسلسل صح النوم الذي حقق نقلة نوعية في مسيرتهما وبداية تأسيس الدراما السورية وعندما بث على الشاشات العربية لاقى اعجابا ودهشة كبيرة بحيث عند الانتهاء من عرضه تتم إعادته من جديد.‏

وقدمنا مسلسل ملح وسكر ,كما طلب منا العمل على جزء ثان من صح النوم الذي حقق نجاحا مبهرا , بعد ذلك اهتم دريد بالمسرح وتوقف استمرار هذا الثنائي المبدع.‏

محمود جركس : حولني إلى فنان قوي‏

تحدث الفنان محمود جركس عن الذكريات التي جمعته مع نهاد قلعي , فهو برأيه شخص كبير ,عظيم في أخلاقه ,وتذكر لنا من شريط ذكرياته حادثة كان لها أثر كبير في مسيرته الفنية ,فبعد انتسابه للمسرح القومي , انتابه شعور بأنه صغير وسيكتفي بالادوار الصغيرة ومشاهدة زملائه , لازمه هذا الشعور أياما وأرقه ,فدخل إلى الأستاذ نهاد قلعي الذي نصحه وحرضه على المتابعة وبدء المشوار خطوة بعد خطوة ,فمرت الأيام وصار أقوى من ذي قبل أيضا حادثة أخرى يقول فيها جركس في مسرح القباني وتحديدا بالستينات ,قبل أن يفتح الستار عن المسرحية ,كان الممثلون والفنيون جاهزين ,لكن ثمة مشكلة انتبه إليها مدير المسرح بأن الوزير لم يأت بعد ,فأجابه نهاد سنقدم العرض في الموعد المحدد ,وبدون انتظار الوزير ,فحضرالأخير بعد ربع ساعة من بدء العرض واعتذر عن إكمال المسرحية ,بعد أيام قليلة حضر الوزير وشاهد المسرحية في الوقت المحدد بعد سماعه لكلام نهاد.‏

د- محمد مرعي الفروح : مبدع لن يتكرر‏

تحدث السيناريست والناقد الاعلامي محمد مرعي الفروح عن ابداع نهاد قلعي باعتباره مؤسسا للدراما المرئية التلفزيونية وأضاف نهاد قلعي ومعه المخرج خلدون المالح كانا أمام فن جديد وكاميرا جديدة وامكانات هي غاية في البساطة فلا وجود للمونتاج حيث كانوا يبثون أعمالهم على الهواء مباشرة وهذا يتطلب مقدرة كبيرة جدا من حيث التوقيت ,ضبط الممثل ,قدرة ومناورة المخرج الكبيرة على أن يدلي بأوامره إلى هذه الكاميرا .‏

تطرق بعدها الفروح إلى مقارنة بين نهاد وشارلي شابلن وقال لو وفر لنهاد ربع ما وفر لشابلن من حيث الأدوات الهوليودية الضخمة لأمكنه من طرق أبواب العالمية ,فشابلن يختلف عن نهاد بأنه يجيد العزف على البيانو .‏

تناول الفروح ابداع نهاد في استخدامه للحارة الشعبية الدمشقية التي كانت أثرى من الحارة المشتغلة عليها الآن ,أيضا في ابتكاره للشخصيات كأبي عنتر الذي تحول من مجرد كومبارس إلى نجم في مسلسلاته ,وفي نقله للقصة الروسية وتجسيدها في حمام الهنا فعربها وجعلها مناسبة للواقع المحلي ,فحولها من حدوتة (روسية إلى حدوتة) دمشقية وكثيرا ما وقع المصريون في تحويلهم للقصص الأوروبية في أعمالهم ففن الكوميديا من أشد الفنون وعورة ,فما أصعب أن تضحك إنسانا وما أسهل أن تبكي إنسانا فاستطاع أن يبعث من خلال مؤلفاته وتمثيله المسرة إلى نفوس المواطنين فسورية الآن تفتقد إلى شخص مبدع بسوية نهاد قلعي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية