|
محطة أو لمساعدته في الوصول إلى أهدافه وغاياته الوظيفية والاجتماعية .. لكن قريبه هذا لم يقابل المعروف بمثله أو بالشكر على الأقل, وإنما بالمقاطعة والإساءة والتشويه المتعمد, ولهذا فإن صديقي المصدوم بعدم الوفاء وصل إلى قناعة مفادها أن » معظم الناس غير جديرين بالثقة, ولا يستحقون التعب والتضحية والخدمة«. تعاطفت مع صديقي الغاضب, وحدثته بدوري عن قصص تراثية وشخصية في هذا الاتجاه أيضاً, لكنني أردفتها بأمثلة مضادة وواقعية عن وجود الوفاء والعرفان بالجميل, ما يعني أن البشر ليسوا كائنات مستنسخة عن بعضهم و متطابقة , وأن الأحكام المطلقة والتعميمية بشأن أعمالهم وردود أفعالهم ليست موضوعية ودقيقة. وقد استذكرنا معاً في هذا السياق حِكَمَاً وأمثالاً عربية معروفة , تؤكد على أن عمل الخير يجب ألا يقترن بانتظار الثمن المادي أو المعنوي, وإلا فقد هذه الصفة, كما أن من يقدم معروفاً لأحد ما لأجل أن يحصد الشكر, فإنه لاشك سيصاب بالصدمة والخيبة عندما ينسى الآخر هذا المعروف أو يتناساه. ولهذا قالوا:» إذا عملت معروفاً فاستره, وإذا عُمِل لك فاشكره«. فصاحبي أصيب بصدمة شديدة, لأنه كان ينتظر» رد الجميل« و»الشكر« ولم ينلهما , فشعر بالخيبة وتفاجأ بلا مبالاة قريبه,الذي كان أرضاً واطئة عند حاجته, وتحول إلى نمر شرس بعد وصوله إلى بغيته. وبعد لقائنا هذا عدت مجدداً إلى كتاب دايل كارنيجي الشهير»دع القلق وابدأ الحياة«, فوجدت أن لديه فصلاً رائعا بعنوان» لا تنتظر شكراً من أحد«, يتناول موضوعات مماثلة للحديث الحاصل بيني وبين صديقي, ما يؤكد أن الطبائع البشرية تتكون من العناصر والمكونات ذاتها, سواء في الشرق أم الغرب, في آسيا أم في أميركا, في أفريقيا أم في أوروبا... أم في أوستراليا. دايل كارنيجي يتساءل ضمن هذا الإطار: لنفترض أنك خلَّصَت رجلاً من ورطة محرجة, أتراك تنتظر شكره? ربما تتصرف أنت هكذا, ولكنك ستكون تماماً بعكس المحامي الشهير لايبتيز, الذي ارتقى درجة القضاء, وأصبح قاضياً, وإذ أنقذ وهو في مهنته ثمانية وسبعين رجلاً من وحشية الكرسي الكهربائي, فكم من واحد منهم تعتقد أنه قدم شكره له على صنيعه?!... لا أحد. ويضيف: حدثني مرة» تشارلز شواب« بأنه أنقذ صرّافاً في بنك, خسر في مضاربات البورصة أموالاً كانت هي للبنك الذي يعمل فيه, فجاء تشارلز شواب ونقد المبلغ فخلصه من سجن محقق, إضافة إلى الطرد من الوظيفة. ولكنّ الموظف ذاك , لم يقدم له كلمة شكر, بل قدمها بعد أيام معدودة فقط, حيث راح يحمل عليه ويكيل له السباب والشتائم!!. والخلاصة: أن الطبيعة الإنسانية, لم تزل هي ذاتها دون تغيير . فلماذا لا نقبلها على ما فيها من عيوب?! ولماذا لانكون واقعيين في رؤية البشر على حقيقتهم , وليس كما نتخيل أو نتوهم أو نطمح?!, ونتقبل الأمور, كما جاء في مذكرات الإمبراطور الروماني الحكيم »ماركوس أوريليوس«, الذي قال: » سيعترض طريقي في يوم من الأيام أشخاص أنانيون جاحدون, ولكن هذا الاعتراض لن يصدمني, ولن يثير دهشتي وغضبي, فأنالا أصدق أن عالمنا لايضم بين جنباته بشراً من هؤلاء«,فلماذا نقلق ,نتأسف ونصاب بالصدمة والإحباط لضياع المعروف وسريان الانتهازية والنفعية والوصولية بين الناس?!... إنه لأمر طبيعي ألا يؤدي كثيرون واجب الاعتراف بالفضل والشكر عليه, أو يكونون أوفياء لمن وقفوا إلى جانبهم في أيام الشدة والمحنة... أما إذا انتظرنا»رد الجميل«» بمثله أو بأحسن منه«, أو حتى الشكر البسيط النابع من القلب مع الاحترام والتقدير , فإننا سنسبب لأنفسنا ما هي ليست بحاجة إليه من قلق ومتاعب فكرية ومشاعر مؤلمة يائسة. وبدلاً من أن نشغل بالنا وأحاسيسنا بالجحود( يقول كارنيجي), علينا أن نتقبله على علاّته, ونتذكر عمل السيد المسيح الذي شفى فيه عشرة من المفلوجين , ولم يتلق شكراً إلا من واحد منهم فقط. ولنتعلم أن السعادة لا تأتي من الشكر, الذي نحصل عليه من أولئك الذين أدينا لهم عملاً مثمراً أو مساعدة مهمة, وإنما من الشعور المرافق أو الناتج عن عمل الخير بذاته. ومع ذلك كلّه, وبرغم ما قيل في هذه المسألة, فإنني شخصياً أميل جدّاً إلى بيت الشعر العربي القائل: »من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لايذهب العرف بين الله والناس«. www.khalaf-aljarad.com |
|