|
دراسات ودينامية حتى تلبي هذه الأخيرة مطالب النمو العولمي السلعي ومشاريع هذا النمو في الدولة العالمية الحاضرة, والنظام العالمي المعمول به, أو المأمول به. وأطلس العالم السيادي برمته ماذا يمكن أن يكون له, أو ينتقل إليه خدمة للصورة الشركاتية العابرة للقارات, والمتعددة الجنسيات التي تمثل اليوم الحكومة العالمية الموجهة للحكومة الرسمية الموجودة. ومما هو دوماً من قواعد سياسات الرأسمالية العالمية -حتى في تظاهرتها العولمية اليوم- هو أنها تطرح السياسة بوصفها المشرع الأهم لدخول الرأسمال, وشركاته ومصالحه وفي هذا الخصوص ستكون الفلسفة البراغماتية, ومبادئها الحاكم الرئيس في هذا الدخول, أو التدخل بالتعبير الأسلم طالما أن الشركات هي التي تخترق حياض الدولة الوطنية, وتعاير سياساتها وفق مصالحها هي أولاً, ولاحقاً مصالح الدولة المعنية, إن أمكن.وإلا ستكون مصالحها وحسب. وبمقتضيات هذا المنظور لم نجد أن عالمنا المعاصر -بعيد ظهور العولمة كحقيقة اقتصادية,سياسية, ثقافية تمثل منتجات النظام الليبرالي العالمي لمرحلة ما بعد الحداثة- قد تقدم نحو أية قيمة إنسانية طرحت في شعارات المتغيرات, الحكومة العالمية العادلة, والعولمة التي وصفوها باقتراب نماذج النظم, وأسلوب الحياة المشتركة بين الأمم, وحقبة الازدهار الدولي, وتنمية للعامل البشري على كافة صعد حياته المعاشية, والأخلاقية. نعم لم تجد العالمية الراهنة أي طريق نحو ما كان قد طرح وكأن المطروح لم يمثل أكثر من كلمة حق يراد منها باطل حيث انتقل العالم إلى خلل في توازنه بدل التوازن, وانتقل إلى استتباع السياسة بدل المشاركة والتشارك, وإلى الحروب الاستباقية بدل الاحتواء السلمي والبحث عن استقرار العالم, ثم إلى افتراض التطرف, والتعصب, والإرهاب أنه ينتج من جهة واحدة في هذا العالم هي الإسلام والمسلمون, وتبرئة الآخرين بما فيهم إسرائيل من تهمة الإرهاب على الرغم من كونها دولة للإرهاب المنظم بالأساس. وأخيراً انتقل العالم إلى عودة نظام الاستعمار المباشر واحتلال الدول تحت ما سمي بهتاناً بالحرب العالمية على الإرهاب الدولي خاصة بعد الحادي عشر من أيلول في أميركا عام .2001 وبعد عقدين تقريباً على سقوط نظام العالم الثنائي القطبية, وانفراد أميركا بصفة قطب العالم الوحيد نقف على حالة سقوط كاملة لكل ما كان قد قيل وفيه مشروع عالمي أفضل ومنوط ذلك بالتوترات العالمية والحروب, وفقدان الديمقراطية, وحقوق الأوطان وقهر إرادة الشعوب بالاستيلاء على مؤسستي الشرعية الدولية وتوجيه القرار العالمي لمصالح من ينضبطون بتقلبات السياسة الأميركية العالمية. ولم تعد هذه القضية سهلة فإما أن ترتبط بالإرادة الأميركية ومشاريعها, وإما, وكم دفعت الدول الوطنية- ومنها سورية- ثمناً لتمسكها باستقلال القرار الوطني, وتمسكها بالسيادة, والحقوق غير القابلة للتصرف. ولم يمر عام- عبر العقدين الماضيين- إلا وشهد العالم حدثاً كبيراً لكنه, وبكل أسف - ليس في مصلحة الشعوب والأمم, أو بمصلحة السلام, واستقرار العالم بمقدار ما هو مبني على مقتضى المصالح الأمروصهيونية وحسب. وما الحديث الذي كان يتسلى به غلاة القادة من أوروبا. حتى أميركا وإسرائيل سوى جرعات تخديرية للمجتمع الدولي حتى يبقى بعيداً عن كنه الحقيقة للسياسة الاستراتيجية العالمية بالقيادة الأميركية. وعلى الرغم من تبدي مظاهر الفشل لهذه السياسة منذ عامها الأول بعد حرب الخليج الثانية عام ,1990 وفشل مبادرة السلام الأميركية لحل قضية الصراع العربي- الصهيوني عام ,1991 إلا أن صناع القرار الأمرو صهيوني استمروا في غيهم وتضليلهم بهدف الاستبقاء على سياسة الإمساك بإرادة روح العالم ومنع أي تناذر لتعددية قطبية, ورفض أي مطلب وطني تحرري عند من تم احتلال أراضيهم, وبلدانهم, واحتساب النضال الوطني التحرري إرهاباً رغم ضمانته القائمة في القانون الدولي, وفي ميثاق الأمم المتحدة, وأعراف العالم القديم, الوسيط والمعاصر. وفي اللحظة التاريخية المعاشة انشغل العالم بخطاب الرئيس دبليوبوش الأخير- الخطاب السابع له عن حالة الاتحاد- كما تم إقليمياً على صعيد الكيان الصهيوني صدور تقرير فينوغراد الذي قضى بفشل الحرب الإسرائيلية الأخيرة عام 2006 على لبنان وإذا كان الشيء يبنى دوماً على مقتضاه فإن أصحاب الرأي والاختصاص قد حكموا على فشل سياسة الرئيس بوش في قيادة الولايات المتحدة وفي قيادتها للعالم المعاصر. كما حكموا على فشل السياسة المحالفة لأميركا في حروبها على العالم باسم محاربة الإرهاب الدولي, ثم في إسرائيل تم الحكم بفشل المستويين السياسي والعسكري, وانعدام الأفق الاستراتيجي لديهما في الحرب الأخيرة على لبنان. وبناء عليه فقد قال استاذ القانون الدولي في جامعة هارفارد الأميركية وليام ريفي:(إن الرئيس بوش يبدو بعيداً عن إدراك طبيعة المتغيرات, والإقرار بأن الاستمرار في نهجه لازم سيؤدي إلى المزيد من الإخفاق في السياسات الخارجية الأميركية, وهذا يعني أنه سوف يمضي عامه الأخير في البيت الأبيض بخمول منهياً حياته السياسية دون أي إنجاز يذكر له في التاريخ). وكان الكاتب البريطاني سيمون جنكنيز قد أشار في مقال له بصحيفة الغارديان:(إن الحرب على الإرهاب قد شرعت مستوى غير مسبوق من الغباء السياسي في السياسة الدولية, وملأت جيوب الكثير من المنتفعين منها بالمال, كما أدت إلى مقتل الآلاف, وجلبت البؤس للملايين, وانتهكت حرية مئات الملايين من الناس, وبررت كل قمع داخلي وكل حرب خارجية). ورأى الكاتب -جنكنيز- بأن شعار الحرب على الإرهاب الذي أطلقه الرئيس بوش بعد أحداث أيلول 2001 قد أعطى دفعة قوية لتعزيز رئاسته الضعيفة والحد من الحريات باسم تفادي خطر الإرهاب. ثم استطرد الكاتب ليقول:إن نتائج الحرب على الإرهاب- وكما هو متوقع- كانت كارثية, وسلبية بدءاً من محاكم أميركا وصولاً إلى جبال المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان.وإن حرب بوش على الإرهاب جعلت القادة العسكريين يملكون القدرة على وقف التقدم, والحرية, ويستخدمون تلك الحرب لإنتاج باتريوت أكت, وإقامة غوانتنامو, وشن الحرب على العراق التي كلفت -حتى الآن- 1,5 تريليون دولار, كما استخدمت هذه الحرب في بريطانيا لتبرير الاعتقال بدون محاكمة, وممارسة أشد أنواع الرقابة في العالم, والمشاركة في احتلال دولتين. ثم يضيف الكاتب جنكنيز بأن العدالة الوحيدة للحرب على الإرهاب هي تدميرها للشخصيات التي ولدتها, وروجت لها, وما حدث مع توني بلير هو الذي أجبره على الاستقالة مبكراً, وهذا هو جورج بوش في حالة مهانة. وفي إسرائيل كان إلياهو فينوغراد-رئيس اللجنة التي عرفت باسمه- قد قال:(إن اسرائيل لم تحقق أي مكسب عسكري نتيجة هذه الحرب, وإن السياسيين, وقادة الجيش يتحملون مسؤولية هذا الفشل, كما كان هناك انعدام للتفكير الاستراتيجي في القيادتين: السياسية والعسكرية). وعلق على نتائج هذا التقرير- تقرير فينوغراد- عضو الكنيست الإسرائيلي آريه إلداد قائلاً:(إن أولمرت دخل التاريخ بوصفه الزعيم الإسرائيلي الأكثر إخفاقاً, وإن الإسرائيليين سوف يحاسبون الطراطير داخل الحكومة الإسرائيلية الذين سمحوا لزعيم فاشل بقيادة إسرائيل). هذه هي تداعيات آخر ما طاف في عالمنا الراهن من أحداث وفيها نقف على فشل خط سياسي واستراتيجي كامل لزعامة أميركا للعالم, ولشعاراتها التضليلية, وللزعامة الصهيونية في الكيان الصهيوني والفشل الأكبر لابد أنه سيكون لمن يقترب من سياستهما, أو يقبل بها. وإذا كان ذلك كذلك فهل حري بالموقف العربي السياسي أن يقرأ حالة هذا الفشل ليؤسس منه إلى موقف عربي معتمد على الذات, وإرادة الاستقلال والسيادة الوطنية والقومية? ثم نعود معاً إلى مقولة هامة وهي أن الأمم -في اللحظات التاريخية الحرجة - ليس لها إلا الاعتماد على ذاتها, وعلى قواتها الحية . |
|