|
ثقافة
من منّا لم يتحوَّل إلى كائنٍ من إحباط, يلوك الوجع رغماً, ويدفن أحلامهِ قهراً.. ينام خوفاً أن يصحو على المزيد من البلاءِ, ويصحو مترقِّباً إن سطعَ الحقّ ولو في الخفاء.. يذهب إلى عملهِ وهو يمشي على أطراف لعنتهِ, ويعود ممتطياً اللاجدوى والملل والروتين وسوى ذلك مما يزيد من خيبتهِ؟. من منّا, لايعاني من الألمِ في ظلِّ مايشهده من عدم.. من جشع وطمع التجَّار, وسلبِ حياتهِ وآمالهِ وأحلامهِ على يدِ ألفِ سمسارٍ وغدَّار؟.. مَنْ لم يفقد ذاكرته المعرفية والروحية والعشقية, وصوابه الذي تشظَّى إلى أن هام وبات عاجزاً عن الارتداد إلى مايتطلَّبه الاتزان في العقلية؟. من لم يعدْ مكلوماً أو فاقداً لأحبّةِ أو صحبةٍ, بعضهم قتلِ على يدِ المجرمين الآثمين, وبعضهم غيَّر جلدهُ فتجاهَلَنا بعد أن تسربلَ بمصالحه التي أرادها على مقاسِ مصالحِ المكتنزين. تنكَّر للوفاء وأشاح إلا عن السعي لامتلاكِ مالم يزدهُ إلا أنانية وخيلاء. فأين نلوذ في زمنٍ أسقطنا في قاع الخطر, ودون أن يمنحنا إلا فرصة المراوحة في مكاننا, والإتِّكال على عجزنا المتعلِّق بمفاجآت القدر؟. أين نلوذُ والأحلامُ باتت تتوسَّد صمت المستحيلات, ولاتصحو إلا فجرٍ تكرسحَ النورُ فيه من بشاعةِ أخلاقِ البشر؟. وكأننا أصبحنا, بل أصبحنا, بلهاء نتسكَّعُ في ظلام المصيروبوجومٍ لابشاشة فيه لأنَّ من يحرسهُ تجَّار الضمير. نقتاتُ الأخطار ونلوك الأفكار ونهرول على اتِّساع متطلباتنا إلى أن يُنهَكُ الصبرُ فينا, فيرمينا مللاً لايجدي بعده الانتظار. نعم, أصبحنا كائنات بلا هدف, نحيا خبطَ بلاءٍ وللأسف. مغيَّبون عن الحياة, ونذرف الأمنيات.. نندبُ حظّنا ونلطمُ لعجزِنا.. نشيِّع الإحساس إلى مثوى ضموره الكبير, فقد مات فينا كلّ شيءٍ إلا الوطن.. الوطن الذي لايزال يحيا فينا, وبكلِّ مافيهِ ونشعرهُ عشقنا الوثيرٍ.. |
|