تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العدالة ركيزة الأمن العالمي

دراسات
الأحد 28/9/2008
د. حيدر حيدر

أظهرت مناقشات اليوم الأول لافتتاح الدورة ال 63 للجمعية العامة للأمم المتحدة, عمق الأزمة التي تعيشها هذه المنظمة الدولية والأضرار الكبيرة التي لحقت بالمشهد الدولي في الأعوام الثماني الأخيرة على وجه الخصوص,

فالرئيس جورج بوش في كلمته الوداعية, أكد من جديد حرصه على عرقلة عمل هذه المنظمة من خلال دفاعه المستميت عن سياساته الكارثية واتهاماته المغرضة لمعارضي هذه السياسات.‏

فقد لخص في خطابه حقبته الرئاسية التي جرت الويلات على بلاده والعالم بدءاً بغزو أفغانستان والعراق وانتهاء بالتصعيد الحالي ضد روسيا ومروراً طبعاً بحربه على الإرهاب وتوزيع التهم جزافاً ضد الدول التي لا تدعم سياساته الخرقاء , وطبعاً لم ينس أن يدعو للاهتمام بالأزمة المالية الحالية وضرورة احتوائها.‏

إن الأمم المتحدة المشلولة حالياً والعاجزة عن القيام بدورها في تحقيق السلام وإبعاد شبح الحروب والتركيز على مبادئ العدالة والأمن والتنمية, إن هذه المنظمة الدولية تعلم تماماً أن علاقاتها الصعبة مع الولايات المتحدة تمنعها من العمل الإيجابي للقيام بدورها العالمي.‏

وعلى مر الزمن كانت حسابات المصالح بين الكبار هي التي تحكم قرارات المنظمة الدولية وأي انتكاس لهذه العلاقات بين نادي الكبار يحول الأمم المتحدة إلى منبر للحملات والتجاذبات كما كان يحدث إبان الحرب الباردة.‏

لكن انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه جعل الأمور أكثر صعوبة وتعقيداً بالنسبة للأمم المتحدة وخاصة في عهد الإدارة الأميركية الحالية التي ترفض باستمرار إعطاء دور فعال لهذه المنظمة الدولية بل على العكس من ذلك, سعت دوماً لإضعافها وتجاوزها فقد قامت واشنطن بغزو العراق رغم أنف العالم ورفضه لهذه الحرب المدمرة, ووقفت الأمم المتحدة وقفة المتفرج على بلد يهدم على رأس ساكنيه ويجري قتل شعبه وتشريده وإفقاره أمام أنظار العالم دون أن تحرك ساكناً لمنع هذه الجريمة النكراء المستمرة, والأمور ليست أفضل في أفغانستان والتي تحاول إدارة بوش حالياً أن تخفف أعباء سطوها على العراق لتنقله إلى أفغانستان بحجة مكافحة ما تسميه الإرهاب, ونتابع مسلسل السياسات الطائشة لبوش وإدارته لنصل إلى محاولاتها استفزاز روسيا ومحاولة تطويقها وعزلها والذي أثار ردود فعل روسية عنيفة ومحقة في آن معاً, ولم تتوقف إدارة بوش عن توزيع التهم جزافاً على كل من يوافق على سياساتها الرعناء فهي تدعم المعتدي الإسرائيلي بلا حدود وتسعى لإبقائه متفوقاً وفي الوقت نفسه تعمل لإضعاف كل من يدافع عن حقه في استعادة أراضيه المحتلة, وتمنع على الدول الأخرى حقها في الحصول على التكنولوجيا المتقدمة ومنها التقنيات الخاصة بالاستخدام السلمي للطاقة النووية, وهذا غيض من فيض عن العدوانية الأميركية والموجهة ضد العالم أجمع, لذا فلن تجدي نفعاً دعوات الأمين العام للأم المتحدة بان كي مون لتشكيل قيادة عالمية لمواجهة الأزمات ولتحقيق مبدأ العدالة والتي هي ركيزة السلام والأمن والتنمية, كما أكد بان كي مون نفسه.‏

أما الدعوات التي أطلقها في خطاباتهم بالجلسة الافتتاحية للدورة ال 63 للأمم المتحدة رؤساء دول عديدة فهي أيضاً ستجد آذاناً مسدودة من قبل إدارة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة, فلا دعوة الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي اقترح إنشاء فضاء مشترك بين أوروبا وروسيا ولا دعوة الرئيس البرازيلي لولاداسيلفا الذي طالب بإعادة بناء المؤسسات المالية الدولية ولا دعوة بان كي مون لإرساء مبدأ العدالة في العلاقات الدولية, إن هذه الدعوات مرفوضة أميركياً لأن بوش قرر أن ينهي فترته الرئاسية بمزيد من الأضرار والخسائر لبلاده وللعالم أجمع, فهو لم يكتف بالسطو على ثروات العراق وتهديم بلد بكامله بل هاهو يتابع نهجه العدواني بتأجيج الحرب في أفغانستان ونقلها إلى دول أخرى مثل باكستان. ومحاولة استفزاز روسيا وأخيراً وليس آخراً تدمير اقتصاد بلاده نفسها, لقد استلم بوش الرئاسة والدين العام الأميركي بلغ 6 تريليونات دولار وقد ارتفع هذا الدين في عهده إلى 9 تريليونات دولار وهو مرشح لأن يقترب في 12 تريليون دولار بعد الأزمة المالية الحالية.‏

فهل ندعو مع الداعين كي يتخلص العالم وأميركا في المقدمة من هذه الإدارة التي جرت الكوارث والويلات في أقرب وقت وبأقل الخسائر الممكنة?‏

إن العالم اليوم يحتاج إلى حلول ناجعة لمشكلاته وما أكثرها بدءاً من إرساء مبدأ العدالة في العلاقات الدولية ومروراً بتحقيق السلام والأمن الدوليين وانتهاء بمعالجة مشكلات الجوع والفقر وتحقيق التنمية, إضافة إلى معالجة الاحتباس الحراري والحفاظ على البيئة, لذا فإن دعوة بان كي مون لإنشاء قيادة عالمية لمواجهة الأزمات بقدر ما هي محقة بقدر ما تحتاج إلى توحيد الجهود الدولية لإرساء العدالة ركيزة السلام والأمن والتنمية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية