|
دراسات ووأد الآمال بالتحرير الذي لا عنوان له غير فلسطين, أي هزيمة المشروع الامبراطوري الإسرائيلي فوق أرضنا. والربط بين المناسبتين ليس متعسفاً بل هو أقرب إلى قراءة النتائج بالعودة إلى المقدمات وإلى السياق الذي ضاع من أهل القضية أو أنهم تاهوا عنه, فما استفاقوا إلا وقد ضاع العراق وجاء الاحتلال العسكري الأميركي مباشراً حتى القتل ليهيمن على الأرض العربية جميعاً بملايينها المشلولة, بمصادرة حقها في الرأي وفي العمل وثرواتها الهائلة التي لم تكن في أي حال لأهلها وعلى حاضر العجز العربي, وليتحكم بمستقبل تخلى عنه أصحابه واستكانوا لايطلبون غير الأمان للعروش ولو فوق أجداث الأوطان, وحدهم المنتفضون وشعبهم الصامد الصابر الاسطوري في قدرته على الصمود والمقاومة لمئة عام ظل الإيمان يملأ قلوبهم والإرادة العاقلة تحركهم إلى ابتداع أساليب ووسائل قتالية جديدة وآليات انتظام لمجتمع المقاومة والصمود وتجديد العهد للسنة الثامنة على التوالي. أقصى ما يقدمه التحليل الاستراتيجي الرزين المستند إلى سلسلة التداعيات التي جرت على مدى أعوام الانتفاضة الثمانية هو حساب أولي للربح والخسارة على الجانبين مع رصد التحولات الكبرى والتي حرفت المسار المتصور عند كل طرف عن مجراه:أولاً: نلاحظ أن أولمرت العدو الأول لفكرة إقامة دولة فلسطينية قد اضطر إلى إعلان اعترافه بأن الحل النهائي يجب أن ينتهي إلى اقامتها على عكس التيار الجارف في حزبي كاديما والليكود وهو تصور جوهري له مغزاه. ثانياً: في مقابل المعاناة الفلسطينية القاسية نلاحظ أن التدهور الاقتصادي الإسرائيلي قد انعكس بمعاناة شديدة على المجتمع الإسرائيلي وشرائحه. ثالثاً: في مقابل الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها الشعب الفلسطيني تكبدت (إسرائيل) خسائر مقابلة يقدرها الخبراء العسكريون بثلث الخسائر الفلسطينية من الأنفس البشرية. رابعاً: على رغم مرور الانتفاضة بلحظات طالت من الجمود السياسي والصمت على المستوى الدولي مع إدارة بوش الحالية, ثم بعد ذلك نتيجة لتوجه الأنظار الدولية نحو أحداث الحادي عشر من أيلول وتداعياتها.. وهو ما اعتبرته دوائر اليمين انتصاراً وبداية لانحسار الاهتمام الدولي بتسوية الصراع .. فإن عودة الجهود الدولية بقوة في خطة خارطة الطريق جسد قدرة الشعب الفلسطيني على انتزاع الاهتمام الدولي بقضيته من جديد. خامساً: على مستوى الأرض موضع الصراع استطاع اليمين الإسرائيلي من خلال مشروع الجدار الفاصل أن يفرض واقعاً جديداً على الأرض بالتهام أجزاء واسعة من أرض الضفة وضمها عملياً إلى إسرائيل. سادساً: في المقابل ما زالت الاستراتيجية الفلسطينية الهادفة إلى توليد الضغوط العربية والدولية لدفع خارطة الطريق نحو التطبيق تمثل معادلاً من الممكن في لحظة مواتاة الظروف الدولية المناسبة لفرض التسوية النهائية أن يرغم الإسرائيليون في نهاية المطاف على التعامل مع الجدار الفاصل بصفته جداراً أمنياً مؤقتاً يزول مع التسوية النهائية. ثمة استنتاجات توصل إليها بعض الكتّاب الإسرائيليين منها: )حتى الدولة الوحيدة الأعظم في العالم تعاني من قصور القوة, وعليها أحياناً أن تغير سياستها وتبتلع غطرسة الأمن وغروره.. وإسرائيل تندفع إلى أقصى التطرف العنصري الدموي, (ألوف بن) هآرتس حطام خارطة الطريق ملقى تحت أقدام الفلسطينيين يوسف ليبيد (معاريف). وفي استطلاعات الرأي قال 73% من الإسرائيليين إنه ليس من المضمون أن يكون للجيل الشاب مستقبل أفضل وقال 43% وضع الدولة يبعث على الأسى , أما الانتفاضة فقد رأى 43% أنها لن تتغير وقال 24% إنها ستتعزز في حين قال 8% فقط إنها ستنتهي. هذه أمثلة فقط تدل على الحالة المعنوية عند(العدو) الجبار في مواجهة الانتفاضة في فلسطين المهشمة, بل التي تكاد تدمر أمام عيون العالم لأن (إسرائيل) كما يقول بعض المحللين وقعت كما في 1973 أسيرة الإفراط في تقدير القوة العسكرية. من هنا يأتي الأمل من الدم الفلسطيني الذي تتوضأ به الأرض المقدسة كل صباح اعتراف العدو بفشل سياسة القتل والتدمير المنهجي والاغتيال بالحوامات أو بطائرات ف16 والرعب الذي يحاولون به تبرير جدار الفصل العنصري ومصادرة الأراضي لبناء المزيد من المستعمرات الاستيطانية ومحاولة نقل المشكلة إلى المعسكر الفلسطيني بالاتكاء على الأوهام التي نثرتها و لاتزال تنثرها الإدارة الأميركية لشق الصف الفلسطيني والأسئلة التي تلح علينا تفرضها التداعيات المنطقية لمسار الأحداث بينها إذا كانت (إسرائيل) حكومة ومعارضة وجيشاً مأزومة إلى هذا الحد وتشكو من الركود الاقتصادي ومن اليأس الذي يتحكم بأجيالها الشابة, ومن الهجرة المعاكسة ومن اهتزاز ثقتها بمستقبلها ومن افتقاد الأمن والأمان, ومن تهافت أحزابها السياسية وإذا كانت (إسرائيل) تعترف بأنها عاجزة عن وقف الانتفاضة التي توقفت عنها كل أسباب الاحتضان والدعم والحماية السياسية وتركها أهلها العرب لمصيرها, فلماذا يتزايد الخوف الرسمي العربي من (إسرائيل( ولاينقص? ولماذا تتوالى التنازلات المجانية عن الحقوق الطبيعية لشعب فلسطين في أرضه وللشعوب العربية الأخرى في الحرية والكرامة, بينما شعب فلسطين الذي بات وحيداً ليس له من سلاح إلا دمه يواصل صموده ويستمر في انتفاضته باعتباراها الممر الاجباري لحماية وجوده وهويته?. في مطلق الأحوال فإن الحقيقة المستخلصة من كل ما يجري هي أن)إسرائيل( في مأزق في ظل حديث إسرائيلي عن أن كيان (إسرائيل) تآكل ويعيش مرحلة شبيهة بما يسميه المحللون الإسرائيليون مرحلة (التحرير) وأميركا دخلت في مستنقع العراق وباتت في ورطة تحتاج إلى من يساعدها على الخروج منها, أما الانتفاضة والمقاومة فإنها تجاوزت المرحلة الصعبة وباتت في وضع أفضل من السابق في ظل تحولات ومتغيرات تعمل لصالحها. |
|