تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العنف الانتقامي لا يزال يكشف بالمصادفة .. ويعالج بالمقترحات

مجتمع
الأحد 28/9/2008
ميساء الجردي

دهش الأطباء في قسم الإسعاف التابع لأحد المشافي في دمشق من شكل العنف الذي تعرضت له الفتاة (هدى) التي يبلغ عمرها 14 عاماً. حيث كانت الكدمات تغطي أغلب أجزاء جسمها نتيجة للضرب وشد الشعر والعض الذي حفر علامات عميقة في أدمة الجلد..

من الفاعل وهل سينال عقوبته? هنا نقطة الجدل, لأن الفاعلة هي زوجة الأب التي أصبحت الحاكم الناهي في حياة الفتاة, بعد طلاق الأم, ومن ثم موت الأخ الأكبر, فلم يبق أمام الخالة سوى هذه الطفلة لكي تصب عليها حقداً يسمى زوجة الأب. ولكن ورغم كل الأذى الجسدي والنفسي الذي لحق بالفتاة, إلا أنها عاجزة عن الشكوى لأن مصيرها العودة إلى بيت جدتها أي إلى منزل والدها.‏

ولا نعلم إذا كانت المصادفة هي التي دفعت بحالة عنف ثانية إلى قسم الإسعاف ذاته وباليوم نفسه. وهذه المرة كانت الطفلة من محافظة حلب, أما نوع العنف الذي تعرضت له وممن? هي حروق بالغة الشدة استخدمت فيها المكواة وأسياخ الشواء حتى غطت الحروق نصف جسدها الفاعل هنا عم الفتاة وزوجته حيث تعيش الفتاة تحت وصايتهما بعد أن توفي والدها وسجنت أمها بتهم مختلفة, أخذت الفتاة وهي في العاشرة من عمرها للعيش في منزل عمها, وكانت أول خطوة قامت بها زوجة العم هي إخراج الفتاة من المدرسة ثم تحويلها لخادمة في المنزل مع تعنيف مستمر إلى أن وصلت إلى هذه المرحلة من العنف لأخطاء قد لا تكون ارتكبتها.‏

هذه النماذج من العنف التي لا يتقبلها العقل والضمير الإنساني والتي يكشف منها بالمصادفة, لأنها تحدث خلف جدران المنازل, هل يكفي أن نعالج الجروح الجسدية ثم نعيد الضحية إلى جلاديها? وهل يكفي أن نعلن عن وجود خط ساخن حتى يتصل هؤلاء الذين يتعرضون للضرب به?‏

أسئلة كثيرة تدخل ضمن هذه المسألة وقد توقفنا مع الدكتورة هناء برقاوي لتحليل هذه الحالات والبحث عن حلول لتقول لنا أولاً حول الحالة الأولى: إن المسؤولية مشتركة بين الأب وزوجته, الأب الذي كان عليه أن يُحسن اختيار من ستكون الأم البديلة لأبنائه, والزوجة التي قبلت أن تمارس هذا الدور وبالتالي عليها أن تتحمل مسؤولية أبناء الزوجة السابقة من عواطف ومعاملة لأنه لا ذنب لهم.‏

ومع أننا لا يمكن إطلاق صفة القسوة على كل زوجات الأب, فهناك نماذج إيجابية, إلا أنه في هذه الحالة تعبير عن لا إنسانية زوجة الأب التي تمادت في تمزيق جسد الفتاة بالعض وشد الشعر إلى درجة انسلاخه من جذوره, ومهما ارتكبت الطفلة من أخطاء فهذا لا يعني معاقبتها بهذه القسوة.‏

عنف انتقامي‏

وإذا حللنا هذا العقاب الممارس على الطفلة لوجدنا أنه عقاب لا يتماشى أبداً مع الأفعال التي قد تكون ارتكبتها, وإنما يتماشى مع انتقام زوجة الأب من الزوجة السابقة والعنف هنا رغم أنه مورس على الفتاة إلا أنه جاء بديلاً من الانتقام الذي تريد توجيهه لمن شاركتها زوجها سابقاً.‏

وللأسف في مجتمعنا يخاف من يقع عليه الظلم من الإبلاغ خشية من الفضائح الاجتماعية التي تلحق بالأسرة, وقد يخشى الطفل أن يشكو ظلم زوجة الأب إلى أبيه خوفاً من أن يقف الأب في صف الزوجة فيتلقى ازدواجية من العقاب.‏

ولكن عندما نجد حالات من تلقاء نفسها ذهبت للعلاج, يجب ألا نتركها هكذا, بل يجب إبلاغ الشرطة حتى لو رفض الأهل أو صاحب العلاقة ذلك, لأن تسليمها دون عقوية قد تجعل الظالم يتمادى في عنفه.‏

ويجب أن يكون بالقانون عقوبات رادعة لزوجات الأب اللواتي يرتكبن أخطاء وعنفاً بحق أولاد أزواجهن وأيضاً بحق زوج الأم الذي يقوم بنفس الفعل.‏

ترك الباب مفتوحاً‏

وعن الحالة الثانية أشارت الدكتورة برقاوي إلى أن الفتاة التي تتعرض للعنف باستمرار قد تتحول من شخص سوي إلى شخصية غير سوية, فهل تقتل وتظلم فتاة لم تبلغ العاشرة بالحرق من أقرب الناس إليها وهو العم الذي أعطاه القانون والمجتمع حق رعايتها وصونها.‏

وهذه حالة من حالات كثيرة قد نسمع أولا نسمع عنها لذلك يجب أن تسحب الوصاية من العم, لأن الآثار النفسية ستبقى راسخة في عقل هذه الفتاة وقد تصبح مشوهة من الخارج والداخل وقد يدفعها ذلك لإعادة إنتاج العنف على أشخاص آخرين.‏

من هنا نقترح أن يخصص في كل مشفى عام أو خاص مكتب للإرشاد الاجتماعي والنفسي, مهمته دراسة كل الحالات التي يشك أنه فيها حالة عنف عائلي أو عنف خارجي. ويجب أن تكون مهمة المكتب عملية ولدى القائمين عليه صلاحيات في مساعدة الحالات في عدم العودة إلى المكان الذي تعرضت فيه للعنف. بل وضعها في مؤسسات أو مراكز رعاية خاصة أيضاً والمهم ألا يأخذ المركز طابع الدراسة أو التحقيق, بل طابع الرعاية والتأهيل وبعيداً عن الشرطة لأن الناس تخاف من مراكز الشرطة, وترك أبواب المكاتب مفتوحة للكل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية