|
مجتمع وما يزيد على صعوبته هذا العام, تداخل مواسم استهلاكية من الدرجة الأولى, جعلت الكثير من الأسر, وخاصة أصحاب الدخل المحدود في موقف استثنائي, فمتطلبات العودة إلى المدارس, والتزامات رمضان, وتحضيرات العيد, من ملابس ومأكولات, كلها ستصرف من راتب شهر واحد, هذا إن لم يكن لدى الأسرة بعض المدخرات. وهذه الأعباء التي تثقل كاهل رب الأسرة, كفيلة بأن تحول العيد أحياناً من مناسبة للفرح إلى موعد مع البؤس والحسرة, بسبب ضيق ذات اليد من جهة, والغلاء الذي يحرق الراتب قبل أن يصل إلى الجيوب من جهة أخرى, وليكون العيد عند البعض شرارة تشعل نار الخلاف والتوتر, لعدم القدرة على تلبية قائمة الطلبات. استطلعنا بعض الآراء, لأناس آثروا التحدث بعفوية عن كيفية ضبط نفقاتهم في العيد, وما الوصفة السحرية لتحقيق التوازن بين الاستهلاك والدخل, ليمارسوا الفرح المشروع دون إسراف أو تبذير, ولكل منهم طريقته في تدبير الأمور والتحايل على ميزانيته أمام مصاريف, لايستطيع أي منهم أن يقول عنها كمالية أويمكن الاستغناء عنها... الاستعداد المسبق وترتيب الأولويات قد يكون من الحكمة توزيع النفقات على مدار العام, والاستعداد مسبقاً, حتى لايقع رب الأسرة في موقف لايحسد عليه, يقول أبو مازن-موظف- وهو أب لثلاثة أولاد: (أشتري ملابس العيد لأولادي قبل رمضان, وغالباً ما أستغل فترة التنزيلات, وكذلك الحال بالنسبة لمؤونة رمضان التي اشتريتها على مراحل وخزنتها, أما حلويات العيد فنحضرها في المنزل, اختصاراً للتكاليف, وللحصول على كمية أكبر وأكثر جودة). في حين يلجأ البعض إلى المفاضلة بين الطلبات, وترتيب الأولويات, حسب الأهمية والضرورة, يقول أحمد الحسن-مدرس-: (أهم شيء شراء ملابس العيد للأطفال فالعيد بالنسبة لهم ثياب جديدة وعيدية, وفرحتهم بالنسبة لنا أهم من إقامة الولائم الرمضانية, التي حاولنا التخفيف منها قدر الإمكان, لتوفير المال وشراء حاجيات المدرسة من ثياب وقرطاسية, وأخيراً تأتي حلويات العيد التي نشتريها جاهزة ولكن بكمية قليلة تناسب قدرتنا المادية). صرف المدخرات وادخار المال ولو بمبالغ بسيطة على مدار العام, كفيل بتجاوز الأزمة وبأقل الخسائر, وهذا ماتفعله فائزة ابراهيم-أم لولدين, تقول: (العيد مناسبة للفرح والكرم والزيارات, وعلينا ألا نفسدها بقلة التخطيط, ففي العيد نصرف دون حساب, سواء في الملابس أو بشراء الحلويات, هذا عدا عن مصاريف السفر إلى بيت أهل زوجي والهدايا والعيديات, ومانفكر به هو سعادتنا, أما بقية الشهر فالله كفيل بتدبير الأمور). مباهاة وتنافس وأمام قائمة الطلبات التي لاتنتهي, قد لاتجد الزوجة من زوجها إلا جواباً واحداً ... من أين? وخاصة إن كانت تسعى للدخول في مزايدات وتنافس محموم, وماتجره من مصاريف تمص الدم من الجسم, عندها ستنقلب الفرحة إلى شجار, وتشحن النفوس بالغضب, وهذا مايحصل مع علاء آدم كل عيد, يقول: (زوجتي تريد كل شيء على أصوله, حتى لاتكون أقل من أقاربها وصديقاتها, فالضيافة ينبغي أن تكون (تواصي) ومن أفخر الأنواع, حتى تتباهى أمامهم, وهذا يكلفني الكثير, وأحياناً يضطرني للاستدانة). القناعة كنز لايفنى غالباً مانجد الأسواق في الفترة التي تسبق العيد مستعدة دوماً لجذبنا بشتى الطرق, لما تقدمه من مغريات, نقف عاجزين وحائرين أمامها, يقول محمد العثماني-موظف:علينا التحلي بالإرادة والقناعة, وأن نغرسها في أولادنا, فالقناعة كنز, وأمام كثرة المتطلبات, من الحكمة أن نحكم عقلنا, فيما إن كنا سنشتري فقط الضروريات, أم سنشتري مايريده منا السوق أن نشتريه, فكثير من الناس يقع ضحية هوس الشراء في هذه المناسبة. التفاوت في الطلب يقول أحد أصحاب محال بيع الشوكولا والبن: الغريب في الأمر عدم وجود ذاك الإقبال السابق, فالطلب قليل, وإن حصل فهناك تفاوت كبير, فمن الناس من يطلب سلعة رخيصة, وخاصة إن كان لديه الكثير من الأولاد, أو يأتيه الكثير من الضيوف في العيد, في حين هناك من يطلب سلعة فاخرة ومتميزة من حيث الشكل والمضمون دون النظر للسعر, أما بالنسبة للقهوة العربية والتي تعد من مستلزمات ضيافة العيد, فكثيرون يفضلون تحضيرها في البيت للحصول على كمية أكبر وأوفر. عقلنة الاستهلاك عن هذا الموضوع حدثنا الدكتور محمد عبد الله أستاذ علم اجتماع- جامعة دمشق,بقوله: إن ترشيد الاستهلاك مسألة على درجة كبيرة من الأهمية, ولكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل واحد فينا: كيف يمكن أن نوفق بين الاستهلاك والدخل? وكيف يمكن ضبط النفقات في الوقت الذي تزداد فيه حاجات الانسان الضرورية ولا أقول الكمالية, وخاصة في أيامنا هذه, فهناك المدارس والجامعات والمناسبات الدينية من رمضان إلى عيد الفطر. ويتابع د. عبد الله بقوله : إن مواقف الانسان أمام إشباع حاجاته المادية المتنوعة وسلوكه الاستهلاكي تتحدد في إطار بيئته الاجتماعية, وتتأثر بطبيعة العادات والتقاليد والقيم السائدة, وترتبط بالمستوى الفكري والبيئي, والتي تؤثر على سلوك الأفراد تأثيراً ينغرس عن طريق التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة, وفي إطار المؤسسات الاجتماعية التي تنقل تلك الأنماط الاستهلاكية والقيم التي يصعب تعديلها أو تبديلها إلا عن طريق جهود مركزة في إطار المؤسسات والتنظيمات الرسمية ودعم وجهة التغيير الاجتماعية باتجاه عقلنة الاستهلاك وترشيده, بما يواكب منطق العصر, والعمل على إلغاء عادات التفاخر والبذخ والاهتمام بالمظاهر وعادات الحيازة والتباهي باقتناء الكماليات من أجل مظاهر زائفة, كالولائم المكلفة وشراء حاجيات غالية الثمن, وغيرها من العادات, التي غالباً ماتدفع الأسرة وأفرادها ثمناً غالياً من أساسيات حياتها اليومية, وتضطر من أجلها أن تضغط نفقاتها على حساب متطلبات رئيسية للأسرة أو للاستدانة, وهذا إن دل على شيء, إنما يدل على انخفاض الوعي الفكري والاجتماعي لدى هؤلاء. ويضيف د.عبد الله بقوله : ولأن مهمة ترشيد الاستهلاك داخل الأسرة تقع على عاتق المرأة بالذات, باعتبارها هي المسؤولة في أغلب المجتمعات عن إدارة المنزل وتوزيع ميزانية الأسرة وتنظيم الانفاق, فلا شك أن عملية ترشيد النفقات, ينبغي أن تركز على توعية المرأة وارشادها نحو اختيار النمط الاستهلاكي المناسب لدخلها وأسرتها, ومعرفة الاستخدام العقلاني لميزانية الأسرة على مبدأ (على قد لحافك مد رجليك) بشكل يحقق التوازن بين الدخل من جهة وحاجيات الأسرة اليومية من جهة أخرى. |
|