|
شؤون سياسية ومن الأشد غرابة في منتجات العقل السياسي التي يتحكم فيها البعض هو هذه الرغبة في إدخال المسألة السورية نفق المجهول حين يتم رفض الحوار الوطني بين الفرقاء المعنيين, أو فرض شروط مسبقة على طاولة الحوار كيلا يتم تحقيق الحوار, وتستبعد طاولته انتظاراً لأوامر قادمة من وراء البحار والمحيطات. إن هذه الرغبة في الحل بالّلاحل هل تنتج لنا سوى المزيد من فوائض التهوّر؟ ومن تعقيد المسألة؟ ومن دفعنا لكي نبقى لعبة الأمم؟ أو رهائن بين فوائض القوة الإرهابية لأميركا ومَنْ تحالفه من المعسكر الصهيو أوروبي ويحالفها, وبين فوائض النفط والغاز المطلوب لدى فائض القوة المعني؟ إلى متى ستستمر الحياة السياسية عند العرب خالية من فوائض العقل السياسي والحكمة لكي يتراجع النظام العربي عما أوصل الناس إليه في صناعة نظام الّلانظام, وإشاعة المشاريع الشخصانية عند المعروفين بالدونكيشوتية اليوم, وهم يعيشون فراغ العقل السياسي, ومدجّجون بكامل طاقات الفرار من مستحقات العرب وطناً, وأمة , ومشروعاً, ومستقبلاً. ربما لم تمرَّ برهةٌ من التاريخ العربي تمكّن فيها العامل الخارجي من السياسات العربية, وأدارها بغير مصالح العرب كما تمرُّ برهة الحاضر, ومن المستحيل أن توجد أمة على هذا الكوكب الأرضي تستكره المراجعة الذاتية لحركتها, وحراك القوى الفاعلة فيها كما هو عليه حال العرب اليوم, بنظامهم المتصادم. لربما نستذكر بعض المقولات من الزمن العباسي للعرب, أو من الزمن الأندلسي لكن – مع أن التاريخ قد يكرر حوادثه وشخوصهُ – يبقى أن الذي يحدث في السيرورة السياسية العربية الراهنة لا يتشابه في إذعانه, وتمزقه, وإصغائه للعامل الخارجي, واستبعاده للعامل الداخلي مع ما قد وصلنا إليه. والأدهى هو أن هذا الحال يمشي إلى تفاقم وليس فيه بوارق أمل تؤيد ما قاله الشاعر: عسى الكرب الذي أمسيتُ فيه, يكون وراءهُ فَرَجٌ قريبُ. والدليل أن فئة من الحاكمين تقفز فوق ما اتُفَقَ عليه بالأساس على أرض العرب, ومن ثم تم تبنّيهِ في جنيف, وتدّعي أنها تمثل القرار السيادي العربي وهي تُستجرُّ مرةً إلى رفض نتائج عمل الموفدين الدوليين وقبلهم العرب, ومرة إلى طلب التدخل الخارجي على البند السابع لميثاق الأمم المتّحدة, ومرة بالموافقة على استقدام / 3000/ مراقب عسكري أجنبي يشرفون على وقف إطلاق النار في سورية أو دورة العنف كما يتم توصيفها. وكأن الحرب هي دائرة بين دولتين, وعلى حدودهما المشتركة ستوضع هذه القوة الأممية وتتوضّع. إلى أين يذهبون بنا نحن العرب؟ هذا السؤال ممنوع حتى مجرّد التفكير فيه, وتكراره في قرارة النفس, فالمطلوب منهم أن يسيروا في أجندات المعسكر الأمروصهيوأوروبي, وأن يلتمسوا الفرج والرحمة والحياة الرغيدة منه. ولو أنهم في الربيع قد خسروا حياض الزهر, والمروج الخضر العربية, التي كانت في زهوها تنتج فوائض القوة التي طالما انتظرها الشعب العربي, وفائض الاستبداد للانخراط في الجبهة العربية الواحدة لتحرير الأرض من إسرائيل كيان العدو الاغتصابي, ولكن قانون التاريخ لا يعرف عنه البعضُ من العرب سوى أنهم لعبة الأمم, أما أن يكون قانون التاريخ هو أعلى قمة من قمم وعي, وتدبير العقل العربي, وإمساكه بزمامه, فهذا الحال ليس مسموحاً به عند مؤجّري الإيمانية, والإرادة, وعند ممثلي الخارج في الداخل العربي، وعند الأميين في قراءة الحدوثية في التاريخ بعللها السببية, أو بتراكماتها, وصيروراتها. إن المهم التاريخي عند عرب الخارج هو أن يبقوا خارج العروبة والتاريخ. ولهذا نجدهم السّاعةَ لا يرحبون بأي جهد دولي مخلص من قبل روسيا والصين, ولا يهمهم إذا قامت تركيا الحكومة الأردوغانية بقرصنة الطائرة المدنية السورية, ولا يرفضون التصعيد التركي الأردوغاني على الحدود السورية التركية فهم قد تعوّدوا بيع أراضي العرب, وسيادتهم منذ أن ساهموا في غزو أكثر من قطر عربي مع الحلف الصهيوأمروأوروبي, فهم إذاً مساهمون في احتلال الأراضي العربية, وطلّاب حريّة للشعب العربي بآن معاً. هذا هو الأخضر الإبراهيمي يقوم بجولاته على المعنيين من دول عظمى, وإقليمية, وعربية, وبعض العرب رفض استقباله, فهم يرفضون استقباله ويطالبون بنجاح مهمته, وكانوا قد اختاروه لكي ينفّذ تفاهمات جنيف, وصاروا يطالبونه بخطة من عندياته خارجها, وكأنه – أي الإبراهيمي – قد اعتُمِدَ لكي يأتي بخطة وليس لكي ينفّذ ما تم التخطيط له. ومن هكذا سلوك سياسي نستدرك ما يُدفعون إليه – أقصد بعض المتورطين العرب في المسألة السورية – كي يصلوا إلى فوائض التهور المطلوبة لأن فيها ما يضمن تفريغ فوائض القوة التي يملكونها والمطلوب عدم استخدامها ضد إسرائيل فتتحرر الأرض وتُنقذ المقدسات. أبداً إن فوائض القوة تنحصر بالأميركيين والصهاينة, وما لدينا نحن العرب من قوة يجب أن تُبَدَّدَ في حروبنا العربية – العربية وليس لنا في أجندتهم المعادية سوى ذلك. |
|