تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كل خميس .. المثقّف والسياسي.. هل هما فعلاً خطّان متوازيان..؟!

ثقافـــــــة
الخميس 18-10-2012
 حكيم مرزوقي

إنها المعادلة الأصعب في تاريخ الانسانيّة...إن لم نقل (شبه المستحيلة) في الطبيعة البشريّة، هل هما فعلا خطّان متوازيان لايلتقيان (إلاّ بإذن الله.. وإذا التقيا فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله).. على حدّ تعبير قدماء علماء الرياضيات في التراث العربي ؟...

أم أنّ في الأمر مبالغة – إن لم نقل مؤامرة – تريد تنفير السياسي من المثقّف و إكراه المثقّف في السياسي.. وبذلك يربح طرف ثالث لامصلحة له في السياسة ولا الثقافة، بل في غنيمة سهلة الاقتناص، اسمها المنفعة الماديّة والامتيازات الاقتصاديّة.. ذلك أنّ من مصلحة رجال المال أن يضعفوا الاثنين، وأن يوجّهوهم نحو أسهم البورصات.‏

هذه هو منطق المال, شديد المكر لكنه جبان, كثير الإغراء, لكنّه قليل النظافة، متوثّب دائماً وعينه على الجيوب قبل العقول والمصائر منذ اكتشاف شيء اسمه (المصلحة).. إنه أوّل من يحاول الشراء وأوّل من يحاول البيع.. وآخر من يحفظ الودّ والعهود.‏

عذراً على هذا التسرّع في سطور تريد أن تقول كل شيء في بضع كلمات, أليس الأجدر بنا أن نقبض على المفاهيم والمصطلحات أوّلا, ثم نخوض في القراءات والاستنتاجات...‏

من هو المثقّف، من هو السياسي ومن هو الاقتصادي؟.. لعلّ بعضنا مازال يستنجد بالمنجد في تعريفه لهذه المفردات الحديثة أو المحدّثة، فيقول في تعريف المثقّف: (ثقّف العود،أي قوّمه وجعله سهلا وليّنا للاستخدام)، وفي تعريف السياسي فيقول المتحذلقون: (ساس يسوس الخيل، أي روّضها وجعلها صالحة للركوب)...أمّا في الاقتصادي فيزعمون بأنّه من صدّ التبذير عن نفسه وجعلها مطواعة للعيش حسب ظروفه وامكانياته).. بربّكم.. ما هذه المفاهيم والتعريفات التي تجعلنا نغرّب والآخر يشرّق.. مع الاعتذار طبعاً للغتنا العظيمة وسلفنا الصالح الذي اجتهد ولم يصب.. أو ربّما أصاب في زمانه ومكانه وظروفه.‏

المثقّف يا سادتي – ودون استعلاء أو تواضع – هو من ينتج معرفة ويساهم في تغيير العقول والمجتمعات وأساليب التلقّي، السياسي هو ذاك الذي يشعر بمسؤولية الفرد تجاه المجموعة بشبه نكران للذات, الاقتصادي الوطني هو الذي ينتفع لينتفع الآخرون.. وينتفع الآخرون لينتفع.. هؤلاء الثلاثة, وفي المجتمعات الراقية يتكاملون ولا يتنافرون، يتعاونون ولا يتخاصمون.. وإن اختلفت الأهداف والأساليب والأهواء وطرق المعالجة.‏

لذلك – وبناء على ما تقدّم - مازلنا نعتقد في بلادنا العربية أنّ السياسي هو دجّال بالضرورة والمثقّف انتهازي بالضرورة، والاقتصادي مصّاص دماء.. بالضرورة.‏

عذرا, إنّ شعوبنا ليست على خطأ (بالضرورة)، لقد اعتادت في قسم كبير منها على هذه النماذج الممسوخة من المثقّف الذي يقودهم نحو الأميّة وانعدام الذائقة, عن السياسي (المعارض قبل الحاكم)، والذي يريد أن يسوسهم كخيل في الاسطبلات.. وعن الاقتصادي الذي يستكرش من أرزاقهم ويشرب من حليب أطفالهم.‏

أعتقد مرّة أخرى أنّ شعوبنا على حقّ حين تريح رأسها وتضع كل النماذج في خانة واحدة.‏

يزعجك المتفذلكون والمتحذلقون من المحيط إلى الخليج بقولهم: (هل الأزمة في الحاكم أم المحكوم أم المعارض أم المثقّف، أم الإعلامي, أم في الآخر عدوّا كان أو صديقا أو وسيطاً...؟!!!).‏

أعتقد أنّ الأزمة في الأزمة ذاتها وطرق تشخيصها, الأزمة في الذين يتحدّثون عن الأزمات وهم ليسوا في (أزمة).. أزمة: بمفهوم المواطن العادي والبسيط والطيّب والمحب لعائلته وجيرانه وبلاده رغم كل الأزمات التي يحدثها تجّار الأزمات.‏

المثقف والسياسي والاقتصادي: مثلّث خطير على مرّ الأزمنة والأمكنة.. لكنهم خطوط متوازية تلتقي في الأهميّة وحب البلاد.. وليس في استحالة اللقاء بلغة الرياضيات.‏

hakemmarzoky@yahoo.fr

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية