|
معاً على الطريق لقد تطور العلم بمنجزاته التي باتت تفوق الخيال، وما يمكن أن يتوقعه أو يتصوره البشر حتى وصل بنا الى ما يعرف باسم الواقع الافتراضي. فما هو هذا الواقع.. هل هو مما عرفنا أو نعرف أم إنه ضرب من الخيال.. بل جموح الخيال الى آفاق لا نعرف الى أين سنصل بها أو تصل بنا؟ عوالم خيالية أو خرافية لا تخلو حتى من الوحوش أو كائنات الفضاء تنبثق أمامنا في تلك العوالم الافتراضية التي نصنع وجودها، ونعيش فيها كما لو أنها حقيقية، فيجنح بنا السلوك الى حدود لم نكن لنبلغها لأننا لم نتعرف من قبل الى تلك العوالم المجهولة. حتى الأطفال كان لهم نصيب كبير من تلك العوالم الافتراضية التي يدخلون إليها عن طريق جهاز الكمبيوتر والشاشات العجيبة في محاولة لاكتشاف آفاق جديدة تحمل جديد الجديد ومثير المثير. هل يمكن لنا أن نتصور تقديم واقع افتراضي للأطفال المرضى مع مسكنات الألم؟.. أجل.. فقد أثبتت الأبحاث العلمية الطبية أن تقديم لعبة واقع افتراضي لهؤلاء الأطفال المرضى عقب تناول مسكنات الألم قد أعطى مؤشراً فعالاً في تخفيض معدل الألم لديهم. ولهذا فقد ذهبت بعض المستشفيات في الغرب الى أبعد من ذلك إذ يستخدم المشفى جهازاً خاصاً يتألف من شاشتي كمبيوتر صغيرتين، وجهاز استشعار يثبت على الرأس ويسمح لمستخدمه بالتفاعل مع العالم الافتراضي الذي يتشكل أمامه حتى ولو كان في مطاردة كائنات فضائية تغزو الأرض. أما النتيجة بعد كل هذا فقد كان الألم أقل وطأة على الجسد مما تسمح به المسكنات فقط. معللين ذلك أن المرء عندما ينقل نفسه الى عالم آخر ولو كان افتراضياً فإن تحويل الانتباه أو تشتيته يجعله يبدي اهتماماً أقل بمحفزات الألم فيبدو الألم إذاً أقل مما هو عليه. لو كان الأمر يتعلق فقط بألعاب الكمبيوتر ضمن عالم أو واقع افتراضي ليس من الحقيقة في شيء، أقول لو كان هذا يقتصر في استخدامه على حالات خاصة مثل تخفيف الألم أو كعلاج لحالات مرضية أخرى لما توقفنا عنده. لكن هذا (المفترض) الجريء إذا به يغزو حياتنا وعقولنا ليدخلنا في دوامة لا تنتهي من عوالم الافتراض وتجاوز الواقع ولو كان وهماً أو لعباً.. فإلى أين ستسحبنا تلك الألعاب المتطورة بعوالمها الخارقة؟.. هل سيأتي يوم ينفصل فيه الإنسان عن كل حقيقة تحيط به؟ أم إن إيهاماً بقدرات خارقة للبشر سيتملّكنا؟ قد يكون هذا أو ذاك، بل ربما تأتي أجيال في المستقبل حين يصبح الخيال أكثر كثافة من الواقع لتطالبنا بحق الإنسان في أن يعيش تجارب الحياة الحقيقية لا تجارب الحياة الافتراضية، لأن قانون الاحتمالات في الحياة ينفتح على اللانهائي، بينما يبقى ما هو من صنع البشر محكوماً بما يعرفه البشر فقط. الخيال منذ فجر البشرية هو صانع الآداب والفنون والحضارات، وبمقدار تغذية الخيال بمقدار ما تتقدم الأمم، لكن الخيال يظل إنتاجاً بشرياً يلمع ويختفي سواء في الأفراد أم لدى الجماعات، ويبدو في تجليات الحضارة أحياناً، لكن هذا الواقع الافتراضي رغم أنه خيال إلا أنه مصنوع أو مصطنع ولا ندري الى أين يصل بنا أو ما هي نتائجه. ومع هذا.. فلن ننكر ما يمكن أن تقدمه هذه التكنولوجيا المتطورة التي تجسد لنا عوالم خيالية بطريقة تبدو بها حقيقية، وتسمح لنا بالتعاطي معها سلباً وإيجابا مثلما نتعاطى مع وجودنا الحقيقي.. أقول لن ننكر ما يمكن أن تقدمه لنا من أفق ينفتح على تطور الخيال البشري فيغذيه وينعشه بما قد ينعكس بدوره علينا تطوراً في العلم والتكنولوجيا. |
|