تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تظاهرة ساحة الشهداء احتفالية شتائم وأحقاد

الثلاثاء 21/2/2006م
بقلم سليم عبود

لا يمكن قراءة التظاهرة التي أقيمت في ساحة الشهداء ببيروت في الرابع عشر من شباط

بمناسبة الذكرى الأولى لاغتيال الرئيس رفيق الحريري اصطفافاً سياسياً مع قوى الرابع عشر من آذار التي تآكل أكثرها وفقد تماسكها لافتقارها للوضوح والشفافية في علاقاتها مع مشروع رفيق الحريري الوطني والقومي.‏

ولا تعني اصطفافاً في وجه دمشق لأن أغلب القوى اللبنانية والتي تشكل الأغلبية الشعبية (الحقيقية) أكدت وتؤكد دائما استنكارها وشجبها للأطراف التي تتجه إلى تصعيد العداء مع سورية.‏

فالتظاهرة تهدف إلى إظهار قوة قوى الرابع عشر من آذار ومدى التفاف الناس حولها في عرض مملوء بالمزايدة والكرنفالية في وقت راحت هذه القوى تفقد وهجها وقدرتها على اجتذاب الشارع اللبناني واقناعه بأنها تحمل مشروعاً وطنياً وأنها وفية للرئيس الحريري ومبادئه وتوجهه القومي.‏

وقد كان تلاقي حزب الله والتيار الوطني على وثيقة وطنية هزة كبيرة لقوى الرابع عشر من آذار وسياساتها التصعيدية مع دمشق.‏

تضاربت الأرقام التي أعلنوها عن عدد المشتركين في التظاهرة, فبعضهم قال مليون وآخرون قالوا أكثر بقليل ووصل التبجح ببعضهم للقول إنها ناهزت المليون والستمائة ألف.‏

وإذا عرفنا أن هذه الأرقام مبالغ فيها والطريقة التي تم فيها جمع أغلب المشاركين ندرك كما يدرك اللبنانيون أن ما حدث كان عملاً مسرحياً, فقد تم جمع أغلب الذين احضروا بالترهيب والترغيب, والأرقام أقل بكثير من توقعات الذين أجهدوا أنفسهم على مدى شهرين لتحقيق هذا الحشد الذي بدا بارداً في مجمله وعكس حالة الرفض للتجييش السياسي الذي تمارسه قوى 14 آذار لمصالحها الفردية ونفوذها ولرغبات قوى كبرى على رأسها الولايات المتحدة الأميركية.‏

ونشرت وسائل اعلام لبنانية مطلعة أن سعد الحريري دفع لمرجعيات سياسية واجتماعية مبلغ 38 مليون دولار لدفع الناس للمشاركة في التظاهرة التي أراد منها سعد ورفاقه الرد على السيد حسن نصر الله عندما قال إن الأغلبية النيابية هي أكثرية وهمية, ولتأكيد زعامتهم وليس الوفاء للحريري ومبادئه والوفاء للبنانيين الذين حزنوا على الحريري وأملوا أن يكون لبنان متماسكاً وخارج الوصاية الأجنبية والتجاذبات الدولية.‏

لم يشارك في التظاهرة أحد أهم أجنحة ما يسمى بقوى 14 آذار وهو التيار الوطني الحر بقيادة ميشيل عون, وهذا ما افقد التظاهرة الحشد المطلوب, فقد تساءل النائب جبران عون على الجزيرة وهو من التيار الوطني (كيف وصل الرقم إلى المليون والستمائة ألف وساحة الشهداء بدت فارغة من الناس عند أطرافها الواسعة?!).‏

التيار الوطني الحر اتهم الحكومة اللبنانية باستغلال شعار الحقيقة لتركيز وجاهة زعمائها وابتعادها عن وضع برنامج وطني يرتب أولويات العمل ويعالج قضايا الاقتصاد والأمن ويرسم سياسات واضحة لعلاقة لبنان مع محيطه والعالم والخروج من لغة الاتهامات واستغلال جريمة الاغتيال.‏

التظاهرة تحولت إلى منبر افسح المجال لجنبلاط لتقيؤ حقده على سورية واللبنانيين, فقد اتهم المقاومة اللبنانية بالولاء لدمشق وطهران وأن مزارع شبعا غير لبنانبة وطالب بنزع سلاح المقاومة, تفوه بألفاظ تعبرعن سوقية متدنية رخيصة.‏

وتوافق رأيه مع رأي وزير الحرب الصهيوني في اليوم نفسه بوصف المقاومة اللبنانية بالعمالة لسورية وإيران وبضرورة نزع سلاحها.. ومع تصريحات الإدارة الأميركية على لسان (وولش) معاون وزير الخارجية في تهديداتها لسورية, وأباحت التظاهرة مجالاً لسمير جعجع المعروف بعلاقته مع إسرائيل.‏

فخطاب جعجع كان مملوءاً بالحقد ويذكر بخطاب القوات عام 1986حيث كان العدو سورية والصديق إسرائيل, ولا غرابة أن نرى تشابك كفه مع كف جنبلاط, لأن جنبلاط هو الآخر يعتبر أن سورية العدو وأن إسرائىل ليست عدوه.‏

ماذا يمكن أن يقول ايهود اولمرت لو جاء ليخطب في بيروت أكثر مما قاله جعجع وجنبلاط في العداء لسورية وللرئيس لحود الذي رفض إلى الآن أن يرضخ للتهديد والضغوط للتخلي عن المقاومة وعن سلاحها وعن وطنيته والتزاماته القومية إزاء الصراع العربي الإسرائيلي, ولو انساق الرئيس لحود كما انساقوا إلى المخطط الأميركي الإسرائيلي لما شاهدنا هذه الكراهية له.‏

فخر الرئيس لحود أن هؤلاء مبغضوه وأن أميركا وإسرائىل وراء كل هذا الصراخ المجنون والفاجر الذي انطلق به سعد الحريري وجعجع وجنبلاط في ساحة الشهداء عليه وعلى سورية وعلى المقاومة.‏

كانت صحيفة الشرق الأوسط نشرت اعترافاً لعميل موساد ألقي القبض عليه في عام 2003 في بيروت يؤكد أن إسرائيل تعمل مع قوى دولية ولبنانية على اخراج سمير جعجع من سجنه لتغيير الواقع في لبنان لأن سمير جعجع قادر على مساعدة إسرائيل في العودة إلى لبنان عبر اتفاق مماثل لاتفاق 17 أيار عام 1983 وكان قد ذكر هذا العميل أن الموساد الإسرائيلي يخطط لاغتيال شخصيتين لبنانيتين هما رفيق الحريري ونبيه بري.‏

لهذا لا يبدو قول سمير جعجع (إن العدو وراءكم في إشارة إلى سورية مستغرباً, ولا يبدو خطاب جنبلاط مستغرباً, لأنه يتوافق مع تصريحات أدلى بها السفير الأميركي في لبنان عشية اليوم الذي سبق التظاهرة في مهاجمة الرئىس لحود والدعوة إلى تحرير بعبدا.‏

الخطب في التظاهرة كانت اتهامية وعدوانية وجسدت ضيق أفق اصحابها وتلاقيهم مع المخطط الصهيوني الأميركي وافتقارهم إلى مشروع قادر على الخروج بلبنان من أزماته.‏

اعترف سعد الحريري في لقائه في مقابلة تلفزيونية على شاشة آل .بي. سي أن قوى 14 آذار قد فشلت في إدارة شؤون المواطنين, لأن كل شيء في البلد ربط بنتائج التحقيق مع إدراكه أن نتائج التحقيق تحتاج إلى زمن طويل.‏

منذ أشهر تتجه الأوضاع السياسية نحو تبلور جديد يعكس حالة القلق, وأخذ الاصطفاف السياسي الذي املته ظروف الاغتيال والهيجان الداخلي والخارجي يتراجع ويميل إلى الهدوء والتأمل والتفكير الواعي, وطرح الأسئلة القلقة التي راحت تفرزها النتائج التي ترتبت على هذا الوضع المأزوم والذي وصل بالبلد عامة إلى حد تدهور الاقتصاد.‏

فقد أشار اقتصاديون ومزارعون ومصدرون وسياسيون إلى أن توتير العلاقات مع سورية لا يخدم لبنان في سيادته أو في أمنه أو في اقتصاده ولا في موقعه ودوره, فلبنان جزء من المنطقة ولا يمكن أن يكون فاعلاً وقادراً على لعب دوره إلا عبر علاقة طيبة مع سورية أكد عليها تاريخ طويل من الروابط.‏

إن التظاهرة عكست في عددها حالة استخفاف بأهدافها, وعكست خطب قادتها وضعاً مأزوماً يعيشونه, فالعبارات التي استعملت والنبرة المنفعلة أكدت على أن واقع هؤلاء راح يعاني من الترهل والهزيمة النفسية.‏

وقد أجاب غازي العريضي أحد أهم أركان جنبلاط على سؤال وجهته له اذاعة ال (بي بي سي) حول النزق الذي اتصف به خطاب جنبلاط.. فقال العريضي: (إن جنبلاط لا يمتلك اليوم إلا سلاح الكلمة النزقة).‏

فإذا كان العريضي قد اعترف بأن جنبلاط لم يعد يمتلك سوى الكلمات النزقة فإننا نقول أيضاً والحاقدة والكاذبة والموظفة لمصلحة اعداء لبنان والعرب, فهو اعلن من قبل على قناة المستقبل وعلى قناة الحرة الأميركية أن إسرائيل ليست عدوتي وإن سورية هي العدو, ودعا أميركا إلى اكمال احتلالها للعراق واحتلال دمشق واسقاط نظامها, وأنكر لبنانية مزارع شبعا ودعا إلى سحب سلاح المقاومة اللبنانية ودفع الجيش إلى الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة.‏

إذا كان جنبلاط وجعجع وآخرون قد استغلوا اغتيال الحريري, فاللبنانيون والعرب باتوا يعرفون حقيقة هؤلاء وتاريخهم وفي أي اتجاه مشربهم.‏

وإذا كانوا قد تاجروا بدم الحريري للبقاء في الواجهة ونجحوا بذلك لبعض الوقت فإن هذه المتاجرة بدت واضحة, وهي إساءة متعمدة لنهج الحريري ولدنه وللناس الذين أحبوه.‏

فالتظاهرة لم تكن حزناً على الحريري, وأن الحريري لم يكن في ذاكرة القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي سوى أنه جزء من مشروع عروبي كرموه وناصبوه العداء وما زالوا.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية