|
شباب بغض النظر عن أسبابه الكثيرة حالة تتالى خلفها إشكالات كثيرة تلاحق الشاب على مدى حياته في نفس الوقت الذي ندرك جميعنا أنها من الحالات النادرة تقريباً التي يتمكن الشاب اتخاذ القرار الذي يناسبه بمعزل عن محيطه الاجتماعي وبمعزل عن البيئة المجتمعية التي تتدخل في صياغة أي موقف عنده وأي طموح وأي هدف رغم أن الحالة تحرم المجتمع من ابداعهم. هذا ما أكدته الآراء التالية: الشابة رولان العاقل قالت: بيئتنا الاجتماعية لا تشجع على الاطلاق على اتخاذ القرار لا من الناحية الاجتماعية ولا الدراسية ولا المهنية وأعرف هذا من تجربتي الخاصة فأنا أحب الإخراج وميولي فنية وعلى ما يبدو هناك تخوف من دخول الشاب إلى الوسط الفني وطالما أن والدتي مهندسة عمارة علي أن أدرس الهندسة وبالفعل درست ودخلت الجامعة - كلية الهندسة - ولم أكمل فيها سنتي الدراسية الأولى وعدت إلى البيت ثم اتخذت قراراً بأن أدرس قسم إخراج وصار عندي نوع من التحدي سافرت ولم تتهيأ لي الظروف في الخارج فعدت، وتابعت الدراسة في المعهد العربي في المجال الذي أحبه وبجهودي حاولت صناعة فيلم (قضية أمل) حول حصار غزة وقد نال الاعجاب وعرض في أكثر من فضائية محلية، لكن المحيط لم يتقبل قراري رغم سعيي إلى النجاح وأسمع التعليقات من هنا وهناك (روحي اتجوزي وخلصينا) - فالمجتمع لا يدعم فكرة أن نتخذ القرار الذي نريده رغم أن أهلي يتساهلون معي نسبياً ويناقشونني في كل شيء وقد نصل إلى حل مشترك حتى لو كان ضد رأيي يتركون لي الحرية مع حق المراقبة لأنهم يخافون علي، وبصراحة وضمن هذه الحالة حتى عندما اتخذ قراري أكون مترددة وخائفة لأننا لم نترب لا أنا ولا غيري من الشباب على اتخاذ القرار أصلاً ولا نعرف أن نتخذ القرار وغير مؤهلين لاتخاذه لأن خياراتنا دائماً تأتي من الأهل ولا أحد يسأل ماذا نريد.. هذا من جانب المهنة والدراسة أما في مسألة الدخول والخروج فهذه قصة الجيران فأهلي يمنحونني الحرية ويثقون بي إلا أنه في أي نقاش حول تصرفاتي كفتاة يقولون: نحن نعرفك لكن ماذا يقول الآخرون وحتى أثناء سفري كانت والدتي تنوي السفر معي خوفاً علي، فضغوط كثيرة تحيط بالشاب فكيف لي أن أكون قادرة على اتخاذ القرار لأن هذا الخوف سينتقل إلي بشكل أو بآخر كما أن العيب يقتلنا ويحكمنا في كل خطوة، هذا عدا الأشياء الأخرى. كما تحدث الشاب نعيم محمد - هندسة الكترون - فقال محيطنا الاجتماعي وبنية مجتمعنا ككل لا تساعد الشاب على اتخاذ القرار بل أشعر في أحيان كثيرة أن المجتمع لا يحفز على النجاح والتفوق تحديداً عندما لا ساعدنا على اتخاذ القرار الذي نريده والذي يحقق لنا بعض أحلامنا كما أن المشكلة المادية تضغط على الشاب في مسألة اتخاذ القرار مثلاً أنا شاب درست إلكترون وأرغب أن أنجز أي مشروع في هذا المجال وطالما هناك عائق مادي فكيف لي أن اتخذ القرار بإنجاز أي شيء فأنا مرتبط بظروفي في كل شيء شئت أم أبيت في قراري وتوجهي خصوصاً العامل الاقتصادي، درست شيئاً وعملت شيئاً آخر وسأكون بلا قرار منضماً كغيري إلى ظاهرة البطالة المقنعة إذ عرفت الكثير من الحقوقيين يعملون كسائقي تكسي فالمحيط لم يساعدني أن أعمل مثلما أريد لذلك لن يكون هناك أي مجال للابداع أمامي وسأبقى (مكانك راوح) ونبقى كشباب نعيش في تخبط رغم أن جيل الشباب هم البناة الحقيقيون للمجتمع وتطوره يعتمد على ابداع الشباب فكيف سيعطي الشاب هنا وكيف سيتخذ القرار السليم وهو يعيش ضمن هذه الظروف؟ ومن الناحية الاجتماعية ليس عندي أي ضغوطات أسرية فأسرتي لا تمانع أن أعيش أي تجربة حتى لو فشلت فهم لم يقفوا أمامي عندما أردت فتح محل نصحوني ولم أقتنع اتخذت القرار وفشلت، وتبقى تجربة تعلمت منها ولكن ذلك لن يفيدني لأنني أحتاج إلى محيط أوسع يساعدني ويشعرني بالأمان تجاه أي قرار اتخذه دون خوف من المستقبل. سألنا الاختصاصية الاجتماعية هيفاء أحمد حول هذه المشكلة المتعددة الأبعاد فقالت: الأسرة العربية هي أسرة تقليدية على وجه الإجمال والتقاليد والعرف الاجتماعي هو القانون الذي يحكم سلوكيات الأسرة في اتجاهات عديدة والغالب على الأسرة العربية هي صفة الانغلاق رغم الانفتاح الكبير التي تعيشه المجتمعات العربية وهي مجتمعات تقليدية تحكمها المظاهر والتقاليد الاجتماعية المتزمتة وتحديداً فيما يخص الأنباء وقراراتهم فغالباً ما يسعى الأهل إلى أن يقرروا عن أبنائهم كما يحكمهم الخوف وحب التملك لرسم حياتهم الحالية والمستقبلية فالأهل يفضلون اختيار الصديق ومجال الدراسة والمهنة واختيار الشريك للذكر وللانثى وفق مواصفات معينة يرغبونها هم لذلك نجد الشاب والفتاة يتربون منذ الصغر على الاتكالية والتبعية في اتخاذ القرارات التي تخصهم وينمو الشاب بآلية تغلب فيها الشخصية المتزعزعة وغير الواثقة من ذاتها ومن قراراتها إذ تخشى دوماً من الاختيار والفشل، وتنطبق نفس الحالة في المجال الاجتماعي كما في المجالات الأخرى في المهنة كما في الدراسة ومجتمعاتنا للأسف لا تملك الوعي الكافي لأهمية كل فرع من فروع العلم وتحضر الأعذار لهم هنا وذلك بسبب سوء توزيع الكفاءات العلمية وقلة الفرص المتاحة لأبنائهم ثم الخوف الدائم على مستقبل أولادهم فنجدهم يختارون لهم كليات علمية تعبر عن المكانة الاجتماعية المميزة كالطب والهندسة والصيدلة وغير ذلك وبغض النظر عما يرغبه الأبناء وضمن هذه الظروف كيف يمكن للشاب اتخاذ القرار الذي يناسبه وخصوصاً أن تلك التربية والتنشئة الاجتماعية يحكمها الملكية والسلطوية والقمعية دون أن ننسى الظروف الحياتية والمشكلات التي تحيط بالشاب من بطالة وعدم وجود فرص عمل. |
|