|
آراء وما بين المسرح وانحسار دوره أيضاً وعزوف الناس عنه.. هو حالة عامة للأدب إجمالاً وللقراءة والثقافة عموماً. وإذا كان المسرح أباً للفنون جميعاً فهو يعاني في الآن نفسه من تقلص دوره وعزوف الجمهور والانصراف إلى الشاشة الصغيرة بكثير من توافه قنواتها الأجنبية التي سادت ومادت وطغت في هذا العصر الاستهلاكي المحموم. إن مسألة قصور فنون الأدب عن فعلها الجماهيري وأثرها الايجابي في تبديل حال المجتمع من الركود والقنوط إلى مجتمع تُزكى فيه الروح الوطنية والقومية والقضايا الكبرى.. فذلك عائد إلى الجماهير ذاتها، إذ سحرتها مظاهر العصر الاستهلاكي فانصرفت إلى الآني السهل البعيد عن العمق وعن الأهداف الكبرى. فلا المراكز الثقافية التي تعج بالندوات والمحاضرات والأماسي الشعرية والأدبية تشهد إقبالاً كالذي كان منذ عقدين.. ولا الندوات الاذاعية والتلفزيونية تجد المستمع أو المشاهد الذي يتابعها كما كانت الحال السابقة من الإقبال الكثيف والمناقشات والحوارات والتفاعلات الدائمة ولا الكتب بأنواعها تجد القارئ المواظب حتى وإن أغلبها نيام في المكتبات! وليس صحيحاً أن ارتفاع أسعارها بسبب ارتفاع الكلف هو السبب الرئيسي، بل إن المشكلة كامنة في عزوف الناس عن القراءة وحب التثقيف والاطلاع الذي تميزوا به وظل حاضراً حتى فترة طغيان معظم الفضائيات ببرامجها الاستهلاكية التي تحرض الناشئة على ثقافة العنف والقتل والجرائم الكبرى والسرقات الكبرى والإدمان وسواه. إن ما تتوجه به مخططات ومساعي الدول الاحتكارية إلى تفريغ العالم النامي من مضامين النهوض والتحرر من التبعية والاستقلال، هي وراء معظم المحاولات التي تستهدف بها الأجيال في الدول النامية لتمحو من ذاكرتها ووجدانها قضايا النضال والتحرر وترسيخ الهوية والوجود، لتحل محلها القيم الجوفاء الاستهلاكية ليسهل عليها إبقاء تلك الدول تحت السيطرة والاحتكار. وإذا ما أخذنا في الحسبان أن العصر الحالي بظروفه الضاغطة، لا يترك راحة للنفوس بسبب العمل المستمر لتحسين أوضاعها كي تتناسب المداخيل مع ظروفه القاهرة، فلا يجد المواطن فيها راحة جسدية ولا نفسية و لا ذهنية ليتفرغ للمتابعة والثقافة، تلك حالة شبه عامة وإن لم تكن كلية... وإذا كان ذلك فلا بد من القول إن الساحة لا تخلو من المثقفين والمتابعين لكنهم قلة إذا ما قيست بالتعداد العام. ولن يغيب عن الأذهان ما فعلت أساليب الاتصال المتطورة التي تركت أمام الشباب فسحة الاختبار بين الجدي والثقافي وبين الاستهلاكي ذي المظاهر السلبية فلربما نجحت إلى حد ما ولو بنسبة نتفاءل بالقول: إنها قليلة!! وقد أكدت الاحصاءات الرسمية العالمية وجود نسبة كبيرة من انحسار القراءة والمتابعة والتثقف..لكن هل كانت مظاهرالعصرالاستهلاكي فقط هي السبب؟؟.. نعم.. لكن تزايد عدد السكان بشكل مريح في البلدان النامية يضاف إليه ضعوط العصر الحالي وكثرة متطلبات الأسر... قد أثر بشكل كبير على الثقافة واتساعها ومتابعاتها.... ولم نر قبل اليوم محاضراً أو شاعراً أو أديباً يتصل بالناس ويدعوهم الى محاضرته أو أمسيته بل ويرسل لهم رسائل على الهواتف المحمولة لحضورها... فقبل اليوم كانت المراكز الثقافية تغص بروادها وكان المسرح يضيق عن عدد الحضور حتى إن بعضهم كان يشاهد المسرحية وهو واقف لا يجد مكاناً... وكانت الكتب عموماً: من دواوين شعرية وروايات ومجموعات قصصية وأبحاث نقدية وكتب سياسية تنفذ بسرعة كبيرة حتى إن الكثير منها كان يطبع مرات عديدة. فهل مسألة «نعوات الأدب» يعود سببها إليه أو الى الجمهور؟؟ إن جواب هذا السؤال محزن فالأدب هو الأدب لا يتغير دوره عبر السنين كرائد في حياة البشر والمجتمعات، مع الأخذ بالحسبان أن إصدارات أدبية بأنواعها مما تقذف به المطابع كل حين لا تؤثر تأثيراً كبيراً في المتابعة والقراءة.. فالكتاب الفاقد للقيمة: سهل التنسيق والنسيان لدى القارئ المجد المتابع. وهذا لا يؤثر بالتالي على الثقافة لتتراجع وينحسر دورها الإيجابي في حياة المجتمعات.. فالمشكلة هي في البشر وليست في الأدب .. وتراجع فاعليته ليس ناتجاً عن ذاته وعن ما بين دفتيه.. بل هو في الجمهور عموماً، ووجود شريحة كبرى من المثقفين في بلادنا لا ينفي مقولة تراجع القراءة والثقافة في مجتمع كان مشهوراً بإقباله دون حدود. |
|