تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


منعطف جديد في العلاقات التركية - الإسرائيلية

أضواء
الخميس 3-6-2010م
منهل ابراهيم

تسير سفينة العلاقات التركية - الإسرائيلية وسط بحر من التوترات ، ازدادت حدتها خلال السنوات الست الأخيرة، وذلك بسبب الاستياء التركي من العبث الإسرائيلي بملفات تمس استقرار المنطقة

مع تنامي الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني إلى الحد الذي دفع برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى مطالبة مجلس الأمن الدولي بمعاقبة إسرائيل على استخدامها الفسفور الأبيض ضد الفلسطينيين في العدوان الأخير على غزة، ومساءلة الكيان الصهيوني على حيازته للأسلحة النووية.‏

ويتعاظم قلق الكيان الاسرائيلي من تداعيات المواقف التي تتخذها تركيا بين الفينة والأخرى سواء ما يتصل بالقضية الفلسطينية أم الملف النووي الإيراني.‏

ويبدو أن الحالة التي ظهر عليها التوتر التركي الإسرائيلي، والتي تجلت في حروب كلامية، وإلغاء للقاءات رسمية فيما اصطلحت الصحافة التركية على تسميته «أزمة المواعيد» التي ألغى خلالها كثير من المسؤولين الأتراك, أكثر من زيارة ولقاء مع نظرائهم الإسرائيليين «، وكان آخرها إلغاء وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو زيارة لإسرائيل ، ثم تعطيل صفقات عسكرية واستبعاد أنقرة لإسرائيل من المناورات العسكرية الدولية الأخيرة على الأراضي التركية. وكل هذه الازمات حركت كما يبدو هواجس «عدم الثقة» الكامنة بين البلدين والتي نشأت وترعرعت بين طيات علاقاتهما «الاضطرارية» و«الوظيفية» منذ تدشينها عقب اعتراف البرلمان التركي بإسرائيل في الثامن والعشرين من آذار عام 1949 .‏

فقد ولد الاعتراف التركي بإسرائيل محاولة من حكومة أنقرة بقيادة عصمت إينونو، من رحم رغبة ملحة لدى خليفة أتاتورك لإنقاذ وحدة أراضي تركيا وسيادتها واستقلالها من أطماع الاتحاد السوفييتي، الذي لم يخف زعيمه ستالين بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة رغبته في قضم بعض البؤر الجيواستراتيجية منها كمضائق البوسفور والدردنيل، التي طلب الإشراف عليها كيما يتسنى لبلاده الولوج للمياه الدافئة في البحر المتوسط.‏

ومن خلال هذه الوساطة التركية المبكرة بين العرب والإسرائيليين عام 1949والتعاون التركي- الإسرائيلي مع الغرب في مواجهة الشيوعية بمنطقة الشرق الأوسط، والتفاهم والتنسيق بين الكيان الاسرائيلي وأنقرة من أجل تعزيز التعاون مع الدول الغربية، تم وضع اللبنات الأولى للتقارب التركي- الإسرائيلي.‏

وبدورها فتحت التحولات الكبرى التي داهمت العالم والمنطقة خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي, وبالتحديد انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج عام 1991, آفاقًا أرحب أمام تطور العلاقات التركية الإسرائيلية حيث اتخذت طابعا استراتيجيا على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية, مع طرح مشروع شمعون بيريز للشرق الأوسط الجديد المزعوم ثم المشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير اللذين تشكل فيهما تركيا وإسرائيل مرتكزين أساسيين، خصوصا بعد أن بلغ التطور في العلاقات بين الطرفين ذروته بالتوقيع على اتفاق التعاون الاستراتيجي بينهما في المجالين العسكري والأمني عام 1996, إلى جانب اتفاق الشراكة التركية -الإسرائيلية في مشروع شرق جنوب الأناضول المعروف بـ «الغاب», والذي لا تزال تعمل فيه أكثر من 118 شركة إسرائيلية.‏

غير أن تلك الطفرة النوعية في العلاقات التركية - الإسرائيلية لم تحل دون بلوغ التوتر الذي ظل مصاحبا لها خلال عدة منعطفات مهمة في مسار تلك العلاقة تزامنت بدورها مع سلسلة من التطورات الإقليمية والدولية التي بدأت بالغزو الأميركي للعراق عام 2003 وما استتبعه من افتضاح أمر المخططات الإسرائيلية في شمال العراق، مرورا بتصعيد الاحتلال لخروقاته ومجازره الدموية ضد الفلسطينيين على نحو أفرز ضغوطات هائلة على حكومة العدالة والتنمية.‏

ويتوقع كثير من المراقبين أن تشهد العلاقات التركية الاسرائيلية أزمة غير مسبوقة بعد الهجوم الذي شنته بحرية الاحتلال الإسرائيلي على «أسطول الحرية» ، ما اسفر عن استشهاد العديد من المواطنين الاتراك ممن كانوا على متن سفينة مرمره التركية.‏

وفور المجزرة التي ارتكبتها اسرائيل بحق اسطول الحرية سارع الرئيس التركي عبدالله غل ورئيس وزارئه رجب طيب أردوغان إلى اجتماع عاجل لتقييم الوضع ، فيما حذرت الخارجية التركية اسرائيل من «عواقب لا يمكن اصلاحها» في العلاقات الثنائية قبل أن يحذر رئيس الوزراء اردوغان في خطاب له أمام البرلمان من اسرائيل من أنها لن تفلت من عواقب فعلتها التي وصفها بالدنيئة .‏

ويرى محللون أن الرد التركي لن يقف على الارجح عند هذا الحد وهو في تصاعد وقد يصل الى حد تجميد العلاقات بين تركيا وكيان الاحتلال الإسرائيلي سياسيا واقتصاديا وعسكريا.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية