|
شؤون سياسية كان القبول بقرار مجلس الأمن الدولي 242 من قبل العرب، قد تضمن اعترافاً بالكيان الصهيوني رغم وعيهم المبكر بأن ما «أخذ بالقوة لايسترد بغير القوة». ومنذ ذلك الحين، حتى تاريخه طرحت عشرات المشاريع وزار المنطقة وسطاء من مختلف الأجناس في رحلات مكوكية من أجل التوصل إلى تطبيق القرارات الدولية، وتحقيق السلام في المنطقة، ولم يتمكن العرب من تحقيق اختراقات عملية باتجاه استعادة بعض حقوقهم، رغم تسليمهم باحتفاظ اليهود بما سطوا عليه في نكبة عام 1948، وجاءت حرب تشرين التي كان من المفترض أن تشكل عاملاً أساسياً في تحقيق التوازن النفسي لجيوش تمكنت من استعادة حضورها من خلال بسالتها، لكن النتائج السياسية لم تكن منسقة أبداً مع ملحمة تشرين البطولية. لقد أراد صناع القرار لهذه الحرب أن تمثل انتقالاً استراتيجياً من الالتزام بحق الأمة العربية في فلسطين، كاملة غير منقوصة إلى التسليم بأن تلك الملحمة كما أملوا هي آخر الحروب، وأن السلام وليس الأرض هو مطلب العرب ولأن مطلب السلام بحد ذاته يصبح من دون معنى حين لايرتبط بالأمن الذي هو مبعث الطمأنينة لكل البشر، أصبحت خطانا تنحدر نحو واد سحيق. فكانت معاهدة كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو لكن الحرب استمرت من طرف واحد. وتواصلت الاعتداءات على الأمة العربية لتستباح أول عاصمة عربية في مطلع ثمانينات القرن الماضي وليدشن القرن الجديد باستباحة واحتلال عاصمة عربية أخرى، ونحن لما نزل طلاب سلام. في غمرة الشعور بالمرارة والمهانة، وأمام فشل مختلف المشاريع التي طرحت للتوصل إلى حل يضمن الحدود الدنيا من حقوق الشعب الفلسطيني انطلقت انتفاضة الأقصى الأولى معبرة عن موقف مبدئي وأصيل ورافض للمهانة والذل ولكن العمل الدؤوب والقراءات الدقيقة والتحليل والتفكيك والاستراتيجيات الصحيحة هي التي تصنع النصر، أما ماعدا ذلك فإنه يضعنا أمام أمرين، إما التنازل والتفريط وضياع الحقوق أو النهج العدمي المعمد برائحة الدم والموت وعدم وضوح أين وإلى أين تتجه البوصلة. أما العدو الصهيوني فخارطة طريقه واضحة وجلية، أمامه المزيد من الاندفاع في استكمال تنفيذ المشروع الصهيوني، المزيد من الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومضاعفة أعداد المستوطنات في عموم الأرض الفلسطينية، بما في ذلك الأراضي المحتلة عام 1967 وبناء الجدران العازلة، وتهويد مدينة القدس والمقدسات الإسلامية، وتحويل مناطق الضفة والقطاع إلى كانتونات معزولة عن بعضها وإحكام القبضة على المعابر والتأكيد على يهودية «إسرائيل». لايتردد الكيان العنصري الصهيوني، من الاعتداء على سيادة الدول مجيشاً أدوات قتله ومخابراته لملاحقة المقاومين وليس اغتيال الشهيد محمود المبحوح على واحة دبي الآمنة المسالمة، إلا غيضاً من فيض على طريق تركيع الأمة العربية وقهر إرادتها. ماحدث على أرض دبي ليس اعتداء على سيادة دولة عربية فحسب، بل هو عدوان صارخ على الأمن القومي العربي. لقد آن الأوان كي نسمع ولو كلمة واحدة من قبل الدول التي استخدمت جوازات سفرها في جريمة اغتيال المقاوم محمود المبحوح، كلمة إدانة للسلوك الإسرائيلي آن لهذه الدول إن كان لها بغية من احترام للقانون الدولي ولشرعة الأمم المتحدة أن تكفر عن خطاياها أو حتى جزء من هذه الخطايا، تجاه العرب وشعب فلسطين خاصة. هل تشكل هذه الجريمة وهذه العربدة «الإسرائيلية» حاجزاً أمام الهرولة والمهرولين خلف سراب السلام؟. إن الحديث الذي يجري اليوم عن استئناف المفاوضات بين الكيان الغاصب والفلسطينيين، هو جزء من محاولة صهيونية للتغطية على الجريمة، وإن تزامن الحديث عن السلام مع استمرار الاعتداء على الحرم الإبراهيمي وطمس هويته العربية والإسلامية ومواصلة مخططات القمع والتوسع الاستيطاني، وتجريف الأراضي وبناء الجدران العازلة واستمرار عمليات التهويد يغيب توازن القوة بين الأطراف المتفاوضة، والذي هو شرط بديهي ولازم للتوصل إلى حلول مقبولة، تكفل حقوق الأطراف المتفاوضة. لقد كشفت تجربة صمود شعبنا في لبنان الشقيق في حرب تموز عام 2006 وصمود غزة مطلع العام الماضي أن الأمة العربية زاخرة بالقدرة على التصدي والممانعة، وأن خيار التصدي، رغم كلفته أهون بكثير من استمرار اللهاث خلف سراب هو السلام المستحيل، فهل ننتظر خارطة طريق عربية جديدة تعيد الاعتبار للكرامة العربية المهدورة؟ |
|