|
شؤون سياسية حيث تبدي واشنطن اهتماماً متزايداً للدور الحيوي الذي تؤديه إفريقيا في العلاقات الاقتصادية الدولية، لقد وضعت واشنطن سياسة جديدة حيال القارة السوداء في إطار مفهوم العمل من أجل التنمية وزيادة الفرص في إفريقيا، لقد تبلور هذا المشروع الامبريالي من خلال مناقشة اتفاقية منظمة التجارة العالمية الحرة عندما عرضت على الكونغرس الأميركي الذي طالب الإدارة الأميركية بالعمل على تطوير العلاقات الاقتصادية مع 35 دولة إفريقية تضم 750 مليون إنسان 70٪ منهم من المسلمين عبر فتح الأسواق الأميركية للمواد الخام والسلع الإفريقية مقابل تصدير الالكترونيات والأجهزة والمعدات المختلفة، وكالعادة تمهد وتروج السياسة الأميركية أنها توحي من خلال سياستها بأنها تستهدف توسيع التبادل التجاري ونشر الديمقراطية والعمل على منع نشوب النزاعات الإقليمية، لكن الواقع يتمثل باندفاع واشنطن للاستحواذ والسيطرة على الثروات الهائلة في إفريقيا التي تملك 80٪ من المخزون العالمي من الكروم و71٪ من البلاتين و64٪ من الذهب و50٪ من المنغنيز و42٪ من الكوبلن و32٪ من اليورانيوم إضافة للفضة والماس والنفط، وتحتل إفريقيا موقعاً استراتيجياً حيوياً حيث إن القوات الأميركية وأساطيلها تحاصر القارة الإفريقية سواء عبر مداخلها في المحيط الهندي والبحر الأحمر وبحر العرب أو عبر البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، حيث جعل موقعها الجغرافي حيوياً للاستقطاب الدولي في القرن المقبل، فبعد أن كانت قارة مجهولة أصبحت في نهاية القرن العشرين وبسبب الثروات الباطنية إحدى القارات الأكثر إغراء بعد أن ازدادت الاستثمارات مع دول العالم عشرات المرات، جوهر السياسة الأميركية يتركز للاستحواذ على الثروات الهائلة ذات الأهمية الاستراتيجية للدول الصناعية الكبرى، وهي على غرار معادلة النفط، فإن من يسيطر على هذه الثروات يسيطر على العلاقات الدولية في السنوات المقبلة.. حيث تسعى أميركا لإزاحة القوى الاستعمارية التقليدية وخاصة الأوروبية والحلول محلها من أجل الهيمنة العسكرية المباشرة وكذلك لحماية طرق نقل الطاقة من النفط الوارد إليها، ووفق هذا المعيار يؤكد وزير الخارجية الأميركي السابق (هنري كيسنجر) في بحوث عديدة أهمية القارة الإفريقية في السياسة الخارجية الأميركية وضرورة وضع قواعد جديدة لضمان تطورها والضغط من خلالها على القارة الأوروبية والصين وروسيا واليابان بفعل ندرة المواد الأولية وازدياد الطلب عليها من قبل الدول الصناعية، آخذين بالحسبان القدرة الكبيرة للاقتصاد الأميركي في التوسع باستثمارات عديدة في إفريقيا تعود على اقتصاد واشنطن بأرباح طائلة تمكن الإدارة الأميركية من فرض سياسة الهيمنة على أوروبا وآسيا، إن المراقب يلاحظ أن أوروبا لا تزال تراقب بحذر وتنتقد التوسع الأميركي في إفريقيا على حساب المصالح الأوروبية الاقتصادية، لذا تندفع أوروبا لمواجهة سياسة واشنطن من خلال العمل على تعزيز الديمقراطية في الإطار الأوروبي وتعميق التضامن ورفض العولمة الأميركية، فلقد سبق للرئيس الفرنسي (شارل ديغول) أن وصف السياسة الأميركية ذات الطبيعة التنافسية أو الصراعية بأنها قد تنجح في تحقيق ماتريد لكنها سوف ترهق نفسها أكثر ما تستطيع تحمله، ويضيف: إنها قد تحاول إنقاذ نفسها من ذلك المصير بابتزاز الآخرين والسطو على مواردهم لكنها قد تصل بنا جميعاً إلى حالة خطرة، فالعديد من حلفاء واشنطن ينظرون للولايات المتحدة كمصدر تهديد لمصالحها الحيوية.. ويقول الرئيس الفرنسي: هؤلاء الأميركان لايمكن إغفالهم لأنهم متلهفون ويرغبون في سيطرة مطلقة على العالم، وإلى جانب أوروبا توجه العديد من الدول الآسيوية كالصين واليابان وماليزيا انتقادات واسعة لمحاولات أميركا فرض مصالحها الاقتصادية وقوانينها التجارية وأفكارها وقيمها، لأن عولمة الاقتصادات غير الرأسمالية ستؤدي تلقائياً إلى تقويض الممارسات الاجتماعية والقيم الدينية والثقافية، فالعولمة في الواقع قوة مدمرة لكل الدول وخصوصاً دول العالم الثالث، مع ذلك تحاول واشنطن استغلال النمو الاقتصادي في إفريقيا وتكبل اقتصادات هذه البلدان بقروض باهظة التكاليف وترتب عليها فوائد عالية ترهق وتخضع اقتصادات الدول الآسيوية للهيمنة الأميركية، وإلى جانب الغايات الاقتصادية تظهر كالمعتاد غابيات سياسية تتطلب توافر الاستقرار السياسي والديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة نظر أميركية، وهذا يعني تصدير الأنموذج الأميركي لتحقيق مكاسب للشركات والاحتكارات الإمبريالية مع الاستمرار بإهمال مناطق التوتر والأزمات في جنوب السودان والصومال وأنغولا وساحل العاج وتشاد ونيجيريا ورواندا والكونغو ومعظم دول القرن الإفريقي، ففي الوقت الذي تتحدث فيه السياسة الأميركية عن الاستقرار والأمن تنفق الملايين من الدولارات على الحركات والمنظمات لإثارة المشكلات العرقية والدينية والقبلية ومشكلات الحدود والصراع على مناطق النفوذ والثروة، كما أن هناك تناقضاً واضحاً بين السياسات التي تمارسها الولايات المتحدة في إفريقيا والأهداف المعلنة، حيث لم تنجح في القضاء على الحركات أو تعزيز احتمالات تحقيق الأمن في أجزاء مضطربة من القارة الإفريقية، كما لجأت الولايات المتحدة إلى الحرب بالوكالة في عدد من الدول الإفريقية، وخصوصاً الصومال وإثيوبيا وساحل العاج وغيرها من الدول، وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن تستعين في استراتيجيتها الإفريقية بحليفتها إسرائيل التي شجعتها دائماً على التغلغل في إفريقيا هكذا هي السياسة الأميركية ووجهها القبيح وصفحاتها الاستراتيجية للهيمنة على إرادة الشعوب والأمم والدول لكن إرادة التاريخ وحقائق العقل والمنطق ترفضان الهيمنة والاستبداد وتنزعان نحو الحرية والاستقلال. |
|