تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عنــــــاصر إيحائيــــــة لمـــــدى الســـــهول والحقـــــول

ثقافة
الثلاثاء 16-3-2010م
أديب مخزوم

يطرح معرض الفنان أحمد جمعة في صالة عشتار في دمشق جماليات الفنون التعبيرية الحديثة وعلاقتها بتأملات المشاهد المحلية الريفية وبثقافة الذاكرة بإيقاعاتها العفوية والتلقائية والغنائية التي تمتد في فسحات لوحاته باستمرار و وفق وتيرة الإحساس بالمدى اللامتناهي للسهول والحقول والقرى الشمالية السورية.

تراكمات مشهدية‏

ففي خطوات استعادته لعناصر البيئة والريف والمناخ اللوني المحلي يبحث جمعة في عناصره التشكيلية عن تراكمات العناصر المشهدية جامعاً الصور والذكريات المتناثرة بحركاتها وسكناتها الارتدادية، حيث تبرز في مجمل لوحاته المعروضة هواجس الانتماء إلى قلب البيئة المحلية في محاولة لإظهار ردات الفعل العفوية ضد مظاهر الاستلاب والتغرب الثقافي المقروء في العديد من المعارض الاستهلاكية المؤطرة بنزعات الافتعال ورتابة الترداد والتكرار.‏

وعلى الصعيد التشكيلي يستعيد جمعة ايقاعات الزمن الفولكلوري المفقود معتمداً على تقنيات الرسم بألوان الاكريليك والزيت وذلك لإعادة الاعتبار إلى الاتجاهات التعبيرية المقروءة في تداعيات التلوين التلقائي، مبتعداً مسافات عن الإشارات الواقعية المباشرة لإقناعنا أن المشاهد المحلية المختصرة والمختزلة والممحية أحياناً تبقى حاضرة في تداعيات الصور المتداخلة بين مدى الطبيعة والريف والمرأة بلباسها الشعبي وبين الخلفية اللونية الضبابية وتخيلات الصور الممسوحة أحياناً بسطوح لونية بيضاء وشفافة.‏

بين الواقع والتجريد‏

وهذا الدمج الحيوي بين معطيات الواقع ورؤى الخيال أو بين العناصر التعبيرية المبسطة والإيقاعات التجريدية الشاعرية والغنائية والهندسية التي تظهر ملامحها في بعض لوحاته يفسر حساسيته البصرية القادمة من تجليات التفاعل مع عدة ثقافات محلية فولكلورية ومعمارية، وما يرافقها من تداخلات تقنية تعبر عن روح الفنون الحديثة والمعاصرة.‏

ومن أجل ذلك لا يمكن اعتبار لوحاته في تحولاتها وتنقلاتها بين معطيات الواقع ورؤى الخيال إلا كصياغة جمالية عصرية تصل في بعض اللوحات إلى حدود التجريد الايحائي الذي يرتد مرة أخرى إلى أشكال الواقع والتراث المعرض لمخاطر الاهمال والضياع، ولا شك بأن وجوده في مدينة «لايبتزغ» الألمانية قد عمق من اختبارات بحثه التشكيلي وزاد من مشاعر حنينه إلى ألوان الطبيعة والريف السوري رغم اختلاف الصياغات والحساسيات في وضع الخطوط والمادة اللونية.‏

رقابة عقلانية‏

وهو مهما انفعل يبقى ضمن إطار اللون الخافت وهذا يعني أن ألوانه لا تأتي مفتعلة أو سريعة أو وحشية بقدر ما تحمل نتيجة أو خلاصة بحثه التشكيلي والتقني عن الجوانب الخفية والواضحة في الطبيعة والريف والسر في علاقة اللوحة مع معطيات الذاكرة الحية الحاضرة في لوحاته بقوة، رغم اتجاهه في أحيان كثيرة نحو الإيحاء والإيهام والإيجاز والتجريد الجزئي الذي يدمج الاحساس بصياغات التشكيل في المجالين التكويني والتلويني.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية