|
دراسات لكن الأكثر أهمية هو المدى الذي تأخذه الحالة السلبية الراهنة من الإنسان العربي نفسه وبالتحديد من حيث الارتكاسات والانعكاسات التي تتغلغل في ذهنية الإنسان والآثار المحبطة التي تكبل إرادته وتسد عليه الإدراك والمتابعة من جهة ثم تطلقه في المنحى المفتوح على اليأس وتخضعه لمعيار جديد وهو أن يتقبل الأمر الواقع باعتباره نهاية المطاف ثم أن يتعايش بصورة تلقائية مع هذا الواقع على أنه حالة دائمة ولايوجد فيه مايغري بالرفض أو التمرد أو الإحساس بالتناقض معه على الأقل. وهذه العلاقة مابين الإنسان العربي وواقعه العام ليست ساذجة إلى هذه الدرجة, إنها بالتأكيد فعل مركب يقوم على قواعد داخلية تحيط بها منهجية التعايش مع المأساة وتتحكم بحيثياتها إرادات خارجية تستخدم كل الوقائع لتثبيت فكرة التعايش السلمي مع هذا الواقع, وبصورة عامة تتضح القاعدة الأساس من المشروع بكامله وهي أن الإنسان العربي لابد من (تدجينه) أي إدخاله بصورة متواترة ومتزايدة في مناخ النكسة والهواء الفاسد حتى يصل إلى المرحلة التي يأتلف فيها هذا الإنسان مع واقعه ثم يصاب بلوثة احتساب هذا الواقع على أنه الوضع النهائي وعلى أنه الحالة الطبيعية والمعادل العملي لمجمل حياة الإنسان وتطلعاته وأحلامه, هي إذاً مؤامرة كبرى تمتد من الجوع إلى الجهل ومن ماوراء المحيطات إلى داخل كل زاوية في الواقع العربي بطريقة المنظومة الموحدة غير المرئية وغير المحسوسة, والرهان بأغلب خصائصه يدور ويتراكم حول هذه الفكرة المؤلمة وهي أن الإنسان العربي لابد من تدجينه, بحيث يتم الوصول به إلى درجة اعتناق المأساة والاعتقاد الدائم بأنه لايصلح إلا لما هو مقرر له الآن ومحيط به الآن عبر الضياع وغيبوبة الذاكرة الفردية والجماعية, والعوامل المستثمرة في هذا الفعل التاريخي المشين كثيرة وأخطر مافيها هو المحاولات الجارية على قدم وساق بأن يقتنع الإنسان العربي بواقعه ويتعايش معه بدون تنافر بل بكثير من التجاوب والتجاذب, ولعل من أبرز هذه العوامل مايتصل بالبعد الذاتي العربي وهو الرافعة الكبرى المشؤومة لهذا الحال, ويتوزع هذا البعد العربي الذاتي في عناوين أربعة.. هي: 1- الإدمان التاريخي في الداخل العربي على منطق الهزيمة والتخلف والبقاء في هامش رد الفعل العابر والعابث, حتى لكأن الإنسان العربي لايصلح إلا للغفوة المستدامة التي تتداخل مع تياراتها بعض الصحوات المتناثرة والمنكمشة على الداخل وذات العمق القصير والأثر المتضائل. 2-طبيعة التكوين والدور والأداء الذي تمارسه وتقوم عليه الأنظمة السياسية العربية وهي مصممة بصورة أساسية للترويج للخارج عبر الارتباط فيه ومعه, ولقمع الداخل العربي باعتبار هذا الداخل هو مصدر القلاقل والخطر على النظام السياسي العربي نفسه ويستخدم في هذا التوجه الأدوات السياسية والأمنية والثقافية والاقتصادية. 3-وفي العامل الثالث يفرض بوضوح مستغرب هذا الدور الذي تضطلع به النخب السياسية والثقافية بأحزابها وفاعلياتها الاجتماعية والثفافية, ومن الغريب أن هذه النخب السياسية قد استطاعت بامتدادين هجينين في المدى الأول توافقت مع الموروث الجامد والرجعي حتى لقد صارت الأقلام والأحزاب والمنتديات تدور في الفلك المقيت, وفي الامتداد الثاني أجرت هذه النخب تزويراً مبرمجاً ومقصوداً حينما استكانت للحظة الراهنة واستسلمت لمهام النظام السياسي في الداخل وصمتت عن المهام الاستعمارية الخارجية العليا بالطريقة الكافية لإظهار كل شيء على أنه وضع طبيعي ولايستحق إثارة الزوابع واستنهاض قوة الرد أو الرفض على الأقل. 4-ثم يتبدى بمعدلات مقلقة دور الإعلام العربي ومصادر الثقافة العربية وكلاهما يحوم حول الحمى ولايجرؤ على الاقتراب منه وكلاهما ينساب ذات اليمين وذات اليسار يهرب من الاستحقاق ويهّرب معه منسوباً حيوياً من الإحساس الجماهيري الذي لايملك سوى أن يرى ويسمع ويحس دون أن يملك سلاحاً أو يطلق أشعة الوعي على كل مايجري من اختراقات وموبقات, المسألة بصورتها العامة لوحة مهترئة ونقطة البدء هي الاعتراف بهذا الاهتراء المؤذي للموقف والشعور والإرادة. |
|