|
مجتمع ترى هل عبارة موافق أصولاً هي قانونية أصلاً وهل توجد نصوص تدعم هؤلاء الذين يستعملونها أم أنها اختراع من بعض المسؤولين ودرجت العادة على استعمالها بعد ذلك. في بداية المطاف التقينا الدكتورة بارعة القدسي نائب عميد كلية الحقوق للشؤون القانونية والإدارية/ جامعة دمشق فسألناها: - كثيراً ما نلاحظ المسؤولين من وزراء ومديرين عامين يذيلون طلبات المواطنين بعبارة )موافق أصولاً( وهذه العبارة تعني لدى الكثيرين تكريساً للروتين وإعطاء صلاحيات الجهة الأعلى إلى الجهة الأدنى حيث يعمد الموظفون المحالة إليهم هذه الحاشية إلى إرباك المواطن وابتزازه في بعض الأحيان أو هدر وقته في المراجعات والمتابعات التي لا طائل لها فما هو المستند القانوني لهذه العبارة وهل عبارة غير موافق هي أفضل منها? -- حين كنت وزيرة لم أكن ألجأ إلى هذا الأسلوب ما كنت أفعله هو أن أذيل أي طلب بكلمة مع الموافقة أو عدمها ولا أذكر أنني ذيلت أي طلب بعبارة (موافقة أصولاً) وقد لاحظت مؤخراً أن المسؤولين شرعوا في اعتماد مصطلحات أخرى- لكنها من وجهة نظري تحمل المعنى نفسه مثل (موافق حسب القوانين والأنظمة المرعية) فهي لا تختلف عن موافق أصولاً إلا من حيث الشكل فقط وفي تقديري الشخصي ورؤيتي القانونية فإن هذا كله هو شكل من أشكال الهروب من المسؤولية التي لا ينبغي أن يمارسها من يتحمل مسؤولية ما, وخصوصاً إذا كان يشغل موقعاً متقدماً. - القاضي بديع محمد حسن قال: يقصد من هذه العبارة أي تنفيذ القوانين والقرارات النافذة بما لا يتنافى مع روح القانون وباعتقادي أن موافق أصولاً تعني موافقاً على شيء ما شمله شيء معين ولذلك لا ضير من استخدام هذه العبارة فهناك تعليمات محددة لقرارات إدارية قد لا يدركها كلها المدير. - ألا يستطيع تحويل الطلب للجهة الإدارية المطّلعة على القانون أكثر منه ويأخذ بنصحها أو لا يأخذ حسب حاشيتها. -- من الممكن أن يكون ذلك مفضلاً وبذلك يحتفظ المسؤول بالقرار في يده. - د. حسن عيسى مدير صحة القنيطرة قال بكل صراحة: استخدم هذه العبارة في بعض الأحيان القليلة وذلك خجلاً من بعض الأشخاص الذين لا يمكنني تلبية طلباتهم من جهة ولا أريد إحراجهم من جهة أخرى, فالعمل الإداري يحتاج لأن تكون حاسماً وصلباً وأباً بنفس الوقت, تستطيع أن تتحمَّل ما توقع عليه بعض المرونة لأشخاص قد تؤذيهم كثيراً عبارة غير موافق وربما تكون عبارة موافق أصولاً تحمل إليهم بعض الإيجابية في وقت يفتقرون فيه لأية بارقة أمل. - المحامي عبد الحميد صمادي/ عضو نقابة محامي ريف دمشق قال: أنا أرفض تماماً عبارة موافق أصولاً وأنا كقانوني وباحث بعمق في القانون السوري لم أجد يوماً أي نص قانوني يدل على جواز استخدام العبارة السابقة لا من قريب ولا من بعيد لا وجود لهذا المصطلح على الإطلاق في القانون وأنا أرى أن من يستخدمه يجهل القانون ويعمد على التملص من إتخاذ القرار إما لضعف في شخصيته أو لضغوط تمارس عليه ولا يقوى على ردعها ولكن بكل الأحوال فالمسؤول الذي يذيل توقيعه بهذه العبارة يجيِّر المسؤولية الممنوحة له لشخص أدنى منه مرتبة وبذلك يهمِّش ذاته فيضعف هو ومنصبه مع مرور الوقت. - عضو هيئة الإشراف على ولتأمين د. هشام ديواني قال: لقد تدرجت في مواقع ومسؤوليات عديدة خلال حياتي المهنية ولم أعمد يوماً للتوقيع بموافق أصولاً لأن مواجهة أي قرار تتطلب موقفاً واضحاً أما اللون الرمادي وأنصاف الحلول فلا تليق بأصحاب المسؤوليات وإن حصل ذلك فهم كمن يقول لنا ليس عندي القدرة على الجزم بقرار واضح مبين. - وفي لقاء أخير مع د. فائز الصايغ: موافق أصولاً: غالباً ما تشير هذه الكلمة إلى جهل المدير المسؤول بالقانون لأنه يُفترض به أن يعرف مطارح الموافقة ومطارح عدم الموافقة وعندما يكون هناك التباس بفهم القانون فيمكنه العودة إلى المدير القانوني المختص لإبداء الرأي القانوني وفي ضوئه, على المدير أن يكتب موافق أو غير موافق, بروز هذه الظاهرة يترافق في كثير من مواقع المسؤولية مع ظاهرة وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب خلافاً لطبيعة الأشياء التي ينبغي أن تفرض على الجهات الوصائية المعنية في ملء الإدارات لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب, ثم إن المسألة ليست موافقاً أو غير موافق بهذه الجدية فقط ,إنما ضرورة تقدير واستيعاب ظروف عمل أي مهنة ومعرفة المدير بالقوانين الناظمة لعمله, خصوصاً أن المشرِّع لم يكن حاداً بين أبيض وأسود وإنما ترك للمدير هامش الاجتهاد الإيجابي, الذي ينعكس على مصلحة العمل الذي يرفد بدوره المصلحة الوطنية العليا. هناك نقص في ثقافة الإدارة عند الكثير من المديرين, فالإدارة علم وتخصص ومهنة, عندما يلجأ المدير إلى موافق أصولاً فهو يُلقي بالمسؤولية الملقاة على عاتقه كمدير على أصغر موظف وهذا الأخير غير قادر على تحمل المسؤولية وبالتالي سيدرك من موافق أصولاً أن المدير غير موافق, وبالتالي فيريد أن يحصَّن موقفه تجاه أجهزة الرقابة وليس لديه مخرج إلا حفظ الموضوع, أو إعادة رويه بطريقة أو بأخرى إلى المدير العام الذي تلطى خلف (موافق أصولاً) بالتهرب من مسؤولياته وأذكر أنني تناولت هذا الموضوع بأكثر من مقال سابق تعقيباً على دعوة السيد الرئيس بشار الأسد للوزراء والمسؤولين بضرورة تحمل مسوؤلياتهم, وأذكر أن السيد الرئيس تناول هذ الجانب وأعني به موافق أصولاً ووجه بضرورة تحمل المسؤولية. هناك صور بذاكرة المسؤول عن فكرة تحمل المسؤولية فكثيرون ممن تحملها واجتهد بها إيجاباً لصالح العمل تعرض لمساءلة من قبل جهات الرقابة بغض النظر عن صوابية المساءلة أو عدمها. وأغلبهم من المديرين يقول بينه وبين نفسه (لا أريدأن أنام بين القبور ولا أرى منامات سيئة) وهذا برأيي شعار قد يحمي صاحبه لكنه بحقيقة الأمر تهرب واضح من المسؤولية وإلقاء هذه المسؤولية على عاتق الغير (والغير هنا هو الحلقة الأضعف) المسألة برأيي تحتاج لإعادة نظر وإبراز دور المدير وبنفس الوقت تحصينه خاصة عندما يكون الاجتهاد إيجابياً لصالح العمل. |
|