تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لمصلحة من الصمت عن صوغ قانون جديد لتأجير العقارات التجارية...آلاف الدعاوى تشغل القضاء.. وخصومات اجتماعية... و الإرباك سيد الموقف!

تحقيقات
الأربعاء 30/3/2005م
مروان دراج

إذا كان إصلاح القوانين والتشريعات يسهم وإلى حد كبير في دفع عجلات التنمية إلى الأمام, فإنه بهذه الحالة يتعين السعي ما أمكن إلى إصلاح هذه القوانين وفقا لما تقتضيه الحاجة والأولويات, أي إذا كانت تصدر بين الحين والآخر بعض التشريعات التي لا تمس مباشرة حاجات ومصالح الغالبية من شرائح المجتمع, فإنه في مواجهة هذه الحقيقة, يفترض البدء في معالجة القضايا التي لا تحتمل التأجيل وتترك تداعيات وتوترات اجتماعية منذ عقود طويلة من الزمن.

هذه المقدمة القصيرة نسبيا, ترمي إلى إنعاش الحديث حول القوانين والتشريعات التي تخص العلاقات الايجارية للمحال والحوانيت التجارية والتي تحتل مساحة واسعة من اهتمام الرأي العام والذي مازال يرقب وبكثير من الاهتمام أن تلحظ الحكومة الحالية هذه المشكلة كي تبدأ في رحلة معالجتها من جوانبها المختلفة, والمسألة باختصار أن هناك عشرات الآلاف من المحال التجارية التي قام أصحابها بتأجيرها منذ عقود طويلة من الزمن, وبسبب قصور بعض التشريعات والقوانين فإن الذين قاموا باسئتجارها, اختاروا طريق الاستعصاء بها وعدم إعادتها إلى مالكيها الأصليين, بل هؤلاء المستأجرين يقومون ومنذ زمن بعيد بتوريثها إلى أبنائهم وأحفادهم كما لو كانت هي بالأساس أملاكهم, أي القصة وباختصار تشبه حكاية العقارات السكنية والتي استطاعت الحكومة تذليل مشكلاتها خلال السنوات الماضية من خلال إصدار تشريع قانوني ينصف الطرفين المتخاصمين وإن بحدود نسبية, حيث أجاز هذا القانون منح ما نسبته 40 بالمئة من قيمة العقار في الأسعار الرائجة حاليا, للمستأجر( بكسر الجيم), و 60 بالمئة للمالك الأساسي, فضلا عن إقرار هذا القانون المقولة القانونية (العقد شريعة المتعاقدين) فيما خص العقود الايجارية التي تبدأ من تاريخ نفاذ هذا القانون,.. وهذا الأخير استطاع أن يعيد الثقة من جديد بين المؤجر والمستأجر, وذلك بعد عقود طويلة من الزمن على خصومات كانت تؤول في كثير من الأحيان إلى شجارات تؤدي ليس فقط إلى ملاسنات عابرة وإنما أيضا إلى جرائم قتل وسواها.‏

واليوم هناك عشرات آلاف الدعاوى المنظورة في القضاء والتي تمكن أصحابها ومن خلالها استعادة الشقق المؤجرة, أو إجراء تسويات تندرج ضمن إطار القانون ذاته.‏

وبغض النظر فيما إذا كان هذا القانون قد تمكن من إنصاف أصحاب العقارات المستأجرة أم لا, إلا أنه وفي أهدافه الجوهرية كان يرمي إلى إحداث تسويات ترضي الطرفين المتخاصمين, وذلك بهدف منع التوترات الاجتماعية التي كانت سائدة لحقبة طويلة من الزمن, هذا إلى جانب انعاش سوق العقارات وتشجيع تجار البناء على تأجير الشقق السكنية بعد أن أحجموا عن ذلك ولسنوات طويلة تحسبا من حالات الاستعصاء من جانب المستأجرين,... نعود ولنسأل: أين هي الحكمة في ألا تقدم الحكومة على معالجة هذا الملف الذي أرهق المواطنين.. وتمتنع في الوقت ذاته عن صوغ قانون جديد يخص المحال التجارية حصرا?!!.. وإلى متى سيبقى المواطن العادي يعيش هواجس الرهبة والخوف حين يلجأ إلى تأجير عقاره التجاري?!.. والأهم من ذلك إذا كانت الحكومة حريصة على تشجيع الاستثمار وبمختلف جوانبه وأشكاله, فإنها في تأخرها بصوغ قانون يخص تأجير المحال التجارية, تكون قد أسهمت بطريقة أو بأخرى في عدم استثمار مئات آلاف المحال التجارية التي يفضل أصحابها في استمرار إغلاقها تخوفا من حالات الاستعصاء التي ما زالت قائمة حتى وقتنا الحاضر, وربما من يعود إلى الجهات القضائية في المحافظات المختلفة سيجد أن هناك مئات آلاف المالكين يرفعون دعاوى قضائية لاستعادة عقاراتهم التجارية المأجورة,.. وفي حال مناقشة الأبعاد والتداعيات بكافة وجوهها, سوف نلحظ أن هناك بصمات سلبية كثيرة تنجم عن هذه الحالة وأبرزها: أولا: إشغال أجهزة القضاء وأصحاب هذه المحال في قضية كان يمكن تجاوزها والوصول إلى حلول منطقية لو كان هناك قانون فعلي ينصف الطرفين المتخاصمين.‏

ثانيا: الابقاء على هذا الحال, يعني تبديدا للمال الذي يذهب إلى جيوب المحامين ومعقبي المعاملات, وهذا المال يضطر صاحب العقار إلى دفعه وتبديده على أهل الوصول إلى حقه , لكن وبالاتكاء على تجارب كثيرة, فإن المستأجر (بكسر الجيم )والذي ليس هو صاحب الملك, غالبا ما تأتي الأحكام في صالحه يضطر فقط إلى إضافة مبالغ طفيفة على أجرة (المأجور) والتي هي ليست منصفة على الإطلاق.‏

ثالثا: الإبقاء على الواقع الراهن كما هو ودون إحداث أي تعديل على القوانين الخاصة بهذا الملف, يسهم وإلى حد كبير في تجميد مئات مليارات الليرات السورية, وذلك كنتيجة مباشرة لإحجام أصحاب المحال التجارية في تأجير عقاراتهم. وضمن هذا المعنى, فإن هذه المليارات المجمدة هي خارج دائرة الاستثمار والتوظيف, وذلك في الوقت الذي يمكن أن تساعد على تأمين عشرات آلاف فرص العمل والإسهام في زيادة نسب النمو, فضلا عن إنعاش سوق العقارات لجهة تأجير هذا المحال.‏

حقيقة, إن إصرار الحكومة على إلتزام الصمت تجاه هذا الملف ليس مبررا على الاطلاق, وانعاش الحديث حوله في المنابر الإعلامية اليوم يمثل ضرورة موضوعية, فالقوانين القديمة التي تعود الى مطلع التسعينيات وما قبل ما زالت تلحق الظلم بأصحاب هذه المحال, الى جانب تنامي عدم الثقة بين المؤجر والمستأجر -كما ذكرنا- فأسطوانة الجهات الرسمية أو الاجهزة القضائية فيما خص امكان اعادة تخمين المحال التجارية المستأجرة باتت بمثابة (نكتة سمجة) وعافها المالك الأساسي لأنها تسخر منه وبعقله قبل أن تسخر من مأجوره التجاري, وما يدفع الى مثل هذا الكلام, أن بعض المحال التجارية الواقعة في أماكن حيوية في المدينة أو على اطرافها في دمشق أو غيرها, هذه المحال المؤجرة يتقاضى أصحابها أجرا شهريا يصل الى مئات الليرات أو الألف ليرة في أحسن الأحوال, مع أن قيمة هذه المحال وفقا للأسعار الرائجة تقدر اليوم بعشرات الملايين من الليرات.., فأين هي العدالة, في أن يقوم أحدهم في تحصيل أرباح شهرية بعشرات الآلاف -وهو ليس المالك الأساسي- في حين لا يكون نصيب المالك الأساسي سوى مئات الليرات?!.‏

ولعل السبب الجوهري الذي يمنع اصحاب العقارات التجارية من اللجوء الى أجهزة القضاء بهدف اعادة تخمين الاجرة من جديد, هذا السبب يعود إلى أن المضامين القانونية والتشريعية القديمة لا تسمح اساسا بمنح المالك الأساسي أجرة شهرية وفقا للأسعار الرائجة اليوم للمحال التجارية, أي أن هذه القوانين تقول وبلغة مضمرة أو معلنة:إن هذه المحال اصبحت مملوكة من جانب المستأجرين.‏

ومثل هذا الإقرار غير المعلن خلق وما زال توترات اجتماعية لا نهاية لها, بل وأسهم في فقدان الثقة بالقوانين والقضاء في آن.‏

وقد يسأل البعض, ولكن إذا كانت الصورة قاتمة الى هذه الدرجة فيما خص تأجير المحال التجارية.. فماذا عن العقود الايجارية المبرمة خلال السنوات الأخيرة بين أصحاب العقارات التجارية والمستأجرين?! وكيف يتمكن اصحابها من تحصين أنفسهم كيلا يفقدوا مأجورهم التجاري بين ليلة وضحاها.‏

هذه الأسئلة وسواها الكثير من الأسئلة تجد اجاباتها من خلال الواقع اليومي والأحاديث التي يتبادلها الناس وتشغلهم الى حدود أنها اصبحت تشكل كابوسا يجثم على صدورهم, وعلى وجه التحديد أولئك الذين يتطلعون الى استثمار عقارات تجارية تمثل بالنسبة لهم (تحويشة العمر) أو إرثا عاد اليهم وفقا للقوانين والتشريعات الارثية.‏

ببساطة شديدة يمكن تقديم بعض الصور أو الوقائع حول طرائق تنظيم العقود الايجارية على الشكل الآتي: أولا: ليس هناك من يجرؤ من اصحاب العقارات على تنظيم عقد تحت تسمية عقد ايجار أو عقد استثمار, فالإقدام على مثل هذه العقود بالنسبة لأصحاب العقارات يعني التضحية بالمأجور والوقوع في مشكلات لا نهاية لها وذلك لفقدان الثقة بالقوانين المعمول بها حاليا.‏

ثانيا: العقود اليوم يقوم بتنظيمها عدد كبير من المحامين وكل حسب اجتهاده, مع أن هناك شبه اجماع أن هذه العقود ليست قانونية وانما هي عبارة عن وثيقة قد تسهم في حماية المالك الأساسي لا أكثر, ومضامين هذه العقود لا تتكىء على كل ما له علاقة بالقوانين وإنما هي عبارة عن تدبيج بعض الجمل والعبارات التي من شأنها دب الخوف لجهة المستأجر بهدف اجباره على اخلاء المأجور في حال صدرت من جانبه بعض الاشارات التي توحي بالاستعصاء في المأجور.‏

ثالثا: عنوان هذه العقود يقوم على مفهوم الاشتراطات والتضييق من جانب المالك الأساسي وغالبا ما تأخذ عنوان اتفاق شراكة أو محاصة تجارية.‏

مع أن هذه الشراكة في الواقع ليست قائمة ولا أساس لها من الصحة, وإنما هي نمط من أنماط الالتفاف على القانون, بحيث يتضمن العقد اشتراطات تجعل من المؤجر شريكا في الارباح وفي موجودات المحل التجاري, مع انه في الواقع العملي ليس كذلك وإنما يتقاضى اجرا شهريا لا أكثر.‏

رابعا: في حال كانت العقارات التجارية المؤجرة واقعة ضمن بعض الأسواق الحيوية والشهيرة وتصل أثمانها الى عشرات الملايين من الليرات, فإن صاحب العقار التجاري يقوم بتنظيم عقد (محاصة تجارية) كما هو حال المثال السابق, لكنه وفي الوقت ذاته لن يكون بمأمن إلا بعد أن يشترط على المستأجر في التوقيع على سندات أمانة أو شيكات مالية توازي أو تفوق قيمة العقار وفقا للأسعار الرائجة.‏

وهناك حالات يقوم اصحابها بتنظيم سندات بالعملات الصعبة تحسبا من انخفاض مفاجىء في قيمة الليرة. وأمام كل هذه الاحترازات والإجراءات التي يتخذها المالك الأساسي يمكن أن يعود اليه مأجوره.‏

خامسا: وأما الاجتهاد الجديد والمعمول به في الوقت الحاضر من جانب بعض المحامين, أنهم يقومون بتنظيم عقد الشراكة او المحاصة التجارية, ولكن مع الاشتراط على (المستأجر) في أن يقر خطيا وقبل بدء نفاذ العقد على أنه هو بنفسه قام بفسخه, حيث تمكن هذه الوثيقة صاحبها من العودة الى القضاء وبقوة لإخلاء مأجوره.‏

سادسا: الى جانب كل ما ذكرناه, هناك أيضا اجتهاد آخر ويمكن أن نجد ترجمته في عشرات آلاف الحالات القائمة في اجهزة القضاء, هذا الاجتهاد يقوم أولا على تنظيم عقد محاصة تجارية ومن ثم رفع دعوى قضائية على المستأجر يقوم بها المحامي, ويتم من خلالها الحصول على ما يسمى (بقرار محكمة) يصدر سلفا وقبل نفاذ العقد بإخلاء المأجور وإعادته الى صاحبه.‏

تصوروا هذا هو واقع تنظيم عقود المحال التجارية في القطر, وهذه الأساليب والأمثلة التي أتينا على ذكرها متخمة في إرباك المواطنين وفي انعدام الثقة بين المؤجر والمستأجر, وقبل أن أنهي هذه المقالة لا بد من التذكير, أن كاتب هذه السطور سأل أحد المحامين: هذه العقود التي تحدثنا عنها هل تضمن إعادة المأجور الى صاحبه, قال وبالحرف الواحد: في الواقع اذا قام المستأجر بالاستقصاء فإنه لا ينفع بهذه الحالة سوى كسر الاقفال, وإخلاء الاشغالات, وبقوة العضلات.‏

من كل ما ذكرناه يعني, أن هذه العقود في غالبيتها ليست قانونية ولا نظامية إلا في حالات نادرة وتتعلق في كسب قرار محكمة سلفا, أو اجبار المستأجر في التوقيع على سندات أمانة وشيكات توازي قيمة المأجور.. والسؤال الى متى يستمر مثل هذا الواقع ولماذا لا تقوم الجهات التشريعية مرة أخرى في صوغ قانون يأخذ بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين.ما خص المحال التجارية, بحيث يعتبر العقد المبرم سندا تنفيذيا يمكن المؤجر من استعادة مأجوره عند انتهاء المدة الزمنية المحددة أو التمديد للمستأجر دون التخوف من الاستعصاء.‏

باعتقادنا أن صدور مثل هذا القانون سوف يثلج صدور عشرات الآلاف من الناس والخاسر الوحيد هم الذين يعملون في مهنة المحاماة والذين يحصدون يوميا مبالغ طائلة من خلال تنظيم عقود لا تضمن اساسا عودة المأجور الى صاحبه.. فإلى متى الصمت وإدارة الظهر لقضية أرهقت الرأي العام والمنابر الإعلامية في آن.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية