تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سورية- تركيا -إيران- العراق... بيئة تفاعل لاتقاتل

شؤون سياسية
الأحد 18/2/2007
ميخائيل عوض*

تقوم استراتيجية بوش الاختبارية, البديلة (مؤقتاً) على استراتيجية الانسحاب من العراق التي اقترحتها خطة بيكر- هاملتون,

على ثلاث قوائم, مدعومة من الاتحاد الأوروبي, وحلف المعتدلين العرب, وبعض القوى المحلية في الساحات العربية المتفجرة, ونخب حاكمة ومثقفة , وتستهول هزيمة أميركا وتتمنى انتصارها.‏

قوائم استراتيجية بوش هي:‏

> توليف قوة عربية, واسلامية رسمية, عبر تظهير تحالف المعتدلين وتوريطهم في تبني تمويل وتغطية حملته في العراق وفلسطين, ولبنان, والضغط على سورية وإيرن (حلف تشيني رايس).‏

> توفير البيئة المناسبة لإطلاق عناصر فتنة مذهبية, تستنزف العرب والمسلمين, وتؤدي إلى صدام دموي بين الجهاديات الإسلامية العربية بشقيها, لاستنزافها, وإقعادها عن مقاتلة المشروع الغربي وإراحة الاحتلال الأميركي وإخراج الكيان الصهيوني من أزمته المفتوحة بعد هزيمة غزة, وهزيمة لبنان المدوية والزلزالية.‏

> نقل مشروع الفوضى الخلاقة, وتركيزه في الساحات المتفجرة, وساحات الاشتباك المفتوح مع الغرب وأدواته, وتركيزها في العراق ولبنان على أنها البيئات المناسبة بسبب طبيعة تركيب المجتمعين, ولاستهداف سورية في بنيتها الداخلية, مرورا بتركيز دور الأطلسي وتفويضه بإدارة المنطقة وتطبيع( إسرائيل )وشراكتها مع دول عربية, تحت حماية الأطلسي وإدارته المباشرة.‏

في الاستراتيجية البوشية عناصر جديدة مختلفة عن الاستراتيجيات السابقة التي عملت إدارة بوش على إنفاذها وعجزت.‏

الجديد في استراتيجية بوش, يتركز في محاولات محمومة للاستثمار في قوى عربية وإسلامية, وفي قضايا تمس استقرار العرب والمسلمين وتستولد صراعات تاريخية عفا عليها الزمن وكادت تندثر, أكثر منها في الاستثمار بالقوة العسكرية والدبلوماسية والسياسية الأميركية والأوروبية التي فشلت في العراق, ولبنان, وفي العدوان العالمي على لبنان بأدوات (إسرائيلية).‏

مايسعى إليه بوش وفريقه, هو في الحاصل محاولة للاستثمار بأدوات محلية بعد أن عجز عن تأمين تغطية أميركية للمزيد من التورط والخسائر على إثر تفجر انتفاضات متتالية في المجتمع والمؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة, وجديد بوش ليس جديداً في أميركا( يقول بعض الخبراء إنها المقدمة الضرورية لاعتماد استراتيجية بيكر هاملتون) على اعتبار أن خطة نيكسون لتأمين الانسحاب من فيتنام استخدمت ذات الاستراتيجيات ولم تفلح غير أن الأميركيين من مختلف الاتجاهات لا يعارضون الخطة إذا ما كانت أدواتها وتمويلها, وعناصرها عربية وإسلامية.‏

البؤرة التي يسعى بوش وإدارته لاستخدامها كعنصر تفجير, وتحقيق استراتيجية في إطلاق عفاريت الفتنة تتركز بصورة حاسمة في العراق, أولاً وامتداداً في لبنان, على اعتبار الساحة الفلسطينية لا تستطيع تخديم مشروع الفتنة المذهبية ومن شأنها إعادة تشكيل عناصر الصراع بطريقة مغايرة, خاصة بعد أن فشلت محاولات إسقاط حماس بالحصار أو بالتحرشات الأمنية والعسكرية بعد جولات العنف في غزة وما أنتجته من تفاهمات مكة.‏

العراق ولبنان بيت قصيد استراتيجية بوش, وفيهما يتقرر مدى نجاحها أو إخفاقها وتالياً تسريع آليات انهيار المشروع الأميركي ومعه الغربي برمته.‏

في المعطيات المادية الملموسة مؤشرات وعناصر نوعية, وتطورات متسارعة تفيد بأن خطط بوش واستراتيجيته لن تحصد سوى الخيبة كسوابقها من هذه المعطيات النوعية:‏

> الفتنة المذهبية مفيدة للمشروع الغربي( ورهانه الأساسي والأوحد) وبعض أدواته.‏

> الفتنة المذهبية التي يريدها بوش وأدواته, تشكل مدخلاً لفتنة أثنية أخذت عناصرها تعتمل في العراق من بوابة كركوك, والقصد منها إيران التي تتأثر منها سلباً أكثر من تأثرها بفتنة مذهبية, وتصيب بآثارها المدمرة تركيا.‏

> العراق هو البيئة الحاضنة والمولدة لفتنة مذهبية وأثنية يراد لها أن تجتاح العالم العربي والإسلامي تتطوع لها قوى محلية غير أن توازن القوى في العراق, ودرجة الإنهاك التي يعانيها المجتمع العراقي عموماً, وعجز أدوات الاحتلال المحلية, وحجم الخسائر والارتباك التي تعاني منها قوات الاحتلال نفسها, وحجب التغطية الأميركية للمزيد من التورط توفر عناصر قوية وبيئات تساعد على وأد الفتنة ومنع تمددها وتجذرها.‏

> تتقاطع المصالح الوطنية والقومية والاجتماعية لكل من سورية وإيران, وتركيا في رفض الفتنة والتصدي لها والحؤول دون تمرير المشروع الأميركي في العراق وهي دول وازنة وذات ثقل محوري وتمثل قوى صاعدة في العراق, وفي المنطقة واستقرارها, مايبشر بإمكانية السيطرة على التداعيات ومنع الانفجار المذهبي أقله, وفي المدى المنظور, وقد بدأت مؤشرات قوية تفيد بذلك, فإيران المحاذية والمتداخلة اجتماعياً ودينياً مع العراق, تتأثر سلباً في حال اشتعلت الفتنة المذهبية والأثنية التي تترك بالضرورة آثاراً هيكلية على النظام العام وعلى الاستقرار وستوفر لأميركا و(إسرائيل) فرص التحرش بإيران عن بعد, وتوجيه ضربات لها لمنعها من امتلاك التكنولوجيا النووية وامتلاك عناصر القوة والاستقلال وتركيا بدورها تبدو أكثر المتضررين من فتنة أثنية تنطلق من العراق لذات الأسباب مضافاً عليها تركيب تركيا الاثني والطائفي والمذهبي, وبكون سورية الدولة العربية الحاضنة للمقاومات والمتمسكة بعروبتها ومشروعها القومي التحرري, والأكثر تفاعلاً مع البنية الاجتماعية والسياسية والاثنية العراقية, ولأنها تتشكل كنقطة جذب وتوفيق بين تركيا وايران وتمتلك الكثير من عناصر القوة في العراق تعطيها فرصة أن تلعب الدور الأبرز في توليف المصالح وتفعيلها بحيث يتحول العراق من بؤرة توتر واشتباك بين أطياف وأمم المنطقة إلى بوتقة صهر وتظهير للمصالح المشتركة وللمشتركات التاريخية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.‏

في حاصل الواقع ومعطياته تبرز سمتان متلازمتان, الواحدة تعمل لصالح الأخرى بحيث تتقاطع عن حقيقة أن المشروع الغربي والأميركي بصورة خاصة ومنه استراتيجية بوش لتفجير المطنقة مذهبياً واثنيا محكومة بالفشل ولن يكتب لها النجاح وإن كانت عملية مواجهتها لإسقاطها قد تستلزم مزيداً من الدماء والتضحيات العربية.‏

في أول وأهم سمات المرحلة, أن العدوان الأميركي واستهدافاته, وإخفاقاته تتشكل كعناصر حاسمة وحاكمة في الدفع موضوعياً باتجاه تبلور آليات عمل إقليمية لتشكيل منظومة آمن اقليمي تلعب فيه سورية وايران وتركيا دوراً محورياً, يساعد بل يلعب الدور المركزي في التصدي للفتنة بأشكالها المختلفة, وفي صياغة مخارج للأزمة العراقية, وتشكيل حاضنة اقليمية قادرة على منع التذرر وإملاء حالة الفراغ المتشكلة من هزيمة المشروعات الغربية وانكسار قوة أميركا وهزيمة( إسرائيل).‏

لن يكتب لحلف المعتدلين العرب أن يتحول إلى حصان طروادة لإخراج المشروع الغربي من تعثره ودفع المنطقة إلى اقتتال واحتراب ابدي للتفريط بقدرات العرب واستنزافهم وتحويل بلادهم إلى مرتع لشركات النهب الامبريالي تحت سيطرة ( إسرائيل) وإدارة الأطلسي الذي تقوده أميركا.‏

تقدمت في الآونة الأخيرة أطروحات, ومؤشرات ووجهات نظر أشارت وتشير إلى احتمال انعقاد قمة ثلاثية سورية ايرانية تركية, وإلى دعوة مشتركة لمؤتمر اقليمي لدول الجوار, تلعب فيه الدول الثلاث دوراً مركزياً, في توليد مخارج وآليات احتواء للأزمة العراقية تؤسس لإنهاء حال الاحتراب, وتقلص نفوذ ودور الجيوش الأجنبية وتؤدي إلى جدولة الانسحاب الأميركي وتأمين الاستقرار والسيادة لعراق عربي موحد, يعاد بناؤه ويستعيد دوره.‏

وفي الأطروحات ووجهات النظر مايبشر بالخير ومايدل على معرفة أكيدة بعناصر القوة الكامنة في المنطقة الممكن تفعيلها, لقطع الطريق على مشروع الفتنة والاحتراب التي يريدها بوش للعرب والمسلمين لإخراج إدارته من أزماتها وورطاتها القاتلة.‏

* كاتب لبناني‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية