|
اقتصاديات ولكن مسار تطور الهند حتى الآن أعقد من مسار تطور الصين, إذ يمكن القول إن الصين توفرت لها فرص لم تتوفر للهند, فهي استفادت من مرحلة الحرب الباردة حيث فتحت لها الولايات المتحدة أسواقها في سياق تحالفها معها في مواجهة الاتحاد السوفييتي, وتوفر لها ما عرف آنذاك (بسوق الملاذ) الذي لعب دوراً كبيراً في نهوض الصين الاقتصادي ووضع البنية الأساسية للنهضة اللاحقة, كما أن الصين لم تكن عملاقا اقتصاديا ولاعبا أساسيا في التجارة الدولية, فالهند تواجه الآن وضعا صعبا بفعل المنافسة التجارية التي تقودها الصين التي أصبحت أهم مصدر لجميع أنواع السلع الى القارات الخمس بعد أن بلغ فائض ميزانها التجاري مع أكبر دولة اقتصادية في العالم وهي الولايات المتحدة, بلغ في عام 2006 أكثر من 230 مليار دولار. لكن ورغم هذه التعقيدات فإن الهند ومنذ أن عاد حزب المؤتمر الى الحكم حققت معدلات نمو عالية جدا تؤكد أنها قادرة على مواجهة هذه التحديات, فقد أشارت أخر احصائيات نشرت عن نمو اجمالي الناتج الهندي في السنوات القليلة الماضية الى أن هذا النمو بلغ 9.2% خلال العام 2006 وعلى مدى السنوات الأربع الماضية ظل معدل سرعة النمو السنوي أكثر من 8% مقارنة مع حوالي 6% في الثمانينات والتسعينيات. ولكن هذا النمو لم يأت من مصادر مشابهة للنمو في الصين, فالنمو في الصين استند بالدرجة الأولى الى تطور القطاع الصناعي, في حين أن النمو في الهند ارتكز الى قطاع الخدمات والتجارة, إذ تشير الاحصائيات الى أن نسبة اجمالي التجارة في السلع والخدمات بلغت 45% من الناتج المحلي الاجمالي, بعد أن كانت 17% عام ,1990 وهذا مؤشر سلبي لجهة استمرار الرهان على معدلات النمو, لأن سلع الخدمات لا يمكنها أن تتزايد بصورة دائمة بل إنها ستصل الى مرحلة من الإشباع يصعب بعدها استمرار ارتفاع معدلات النمو كون سلع هذا القطاع تختلف عن سلع القطاع الصناعي باعتبارها وقفا على الاستهلاك الداخلي الذي لا يمكن تصديره, ولكن اتساع نطاق الخدمات وارتفاع معدل النمو, ينعكس ايجابا على الطلب, وهذا من شأنه أن ينشط الدورة الاقتصادية وينعكس بدوره على القطاع الصناعي. في هذا الاطار توقعت الخطة الخمسية الحكومية الممتدة حتى عام 2012 أن يبلغ النمو السنوي حوالي 9%, ويتوقع معظم الاقتصاديين الهنود أن يكون وسطي معدل النمو في حوالي 8% خلال السنوات الخمس المقبلة, وفي هذا السياق يعتقد الخبير المالي سورجيت بهالا من شركة اكسوس إنفستمنتس أنه من المحتمل أن تبلغ نسبة النمو في هذه الفترة حوالي 10% بسبب تدفق الاستثمار, ويعود جزء كبير من النمو الاقتصادي الهندي الى دور الشركات الغربية التي قررت هجر موطنها الأم بحثا عن المدخلات الرخيصة والجنات الضريبية, والهند شأنها شأن الصين تعتبر من الدول التي تتمتع بهذه المزايا, وأدى النمو الاقتصادي السريع الذي حققته الهند الى ولادة شركات اقتصادية هندية عملاقة بدأت تتخذ طابعا عالمياً, وعلى هذا الصعيد يشار الى النجاح الضخم الذي حققته شركات مثل انفوسيس واستحواذ شركة تاتاستيل الهندية على شركة كوروس البريطانية وبلغ اجمالي الصفقة 5.8 مليارات جنيه استرليني, أي ما يعادل 11.3 مليار دولار. واضح من خلال هذه المعطيات أنه رغم اختلاف مسار النمو بين الهند والصين, إلا أن تطور الأداء الاقتصادي في آسيا انعكس ايجابا على الاقتصاد الهندي وساعد على مواجهة بعض التحديات, والأرجح أن الهند, اذا استمر استقرارها السياسي, ستكون نمراً جديداً من نمور آسيا, بل إنها قد تكون ثالث اكبر اقتصاد في هذه المنطقة بعد اليابان والصين. |
|