تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اثر عملية التجميل ... جراحها التأمت .. وجراحنا لاتزال نازفة

تحقيقات
الأحد 11/9/2005
عندما اتصلت بنا المواطنة الإماراتية (بادية ) وأخبرتنا أنها وقعت ضحية أخطاء طبية وأخلاقية اقترفها بحقها طبيب تجميل,حسبنا أننا أمام فضيحة بكل المعايير, فبادرنا إلى زيارتها في مكان إقامتها بدمشق.

أوضحت في البداية,وبعصبية بالغة,أنها إعلامية وتريد تسليط الضوء على حالتها بدون ذكر اسمها ,لأن المسألة بالنسبة لها عامة وليست شخصية,‏‏

‏‏

مستخدمة أقسى التعابير بحق الطبيب وهي تحمل في يدها كيساً بدا مربوطاً بمكان ما من بطنها,رفعته في وجهنا صارخة: كأنه( لايوجد جرح يشفى في سورية) منذ أكثر من أسبوعين وهذا المفجر مربوط في بطني...كان هناك آثار جرح ولم يفعل الطبيب شيئاً سوى أنه نقله بضعة سنتيمترات إلى الأسفل وبقي الجرح جرحاً.. لكنه هذه المرة نازف....الخ.‏‏

الحقيقة أن عبارة( لايوجد جرح يشفى في سورية) هزتنا من الأعماق لدرجة أنها جعلت تعاطفنا معها يبلغ أوجه وكدنا ننسى أننا نجري تحقيقاً صحفياً لكنها عندما استطردت في قصتها وتحدثت عن قطب في أنفها ورأسها ,وعن قيام الطبيب بتصويرها عارية وهي تحت التخدير, وقيامه بعرض تلك الصور على العاملين في عيادته وزائريها,تحرك فضولنا من سباته المؤقت: لماذا سيقوم طبيب بتصوير مريضة عارية وهي تجري عدة عمليات تجميل لديه? وإذا أقدم على ذلك, لماذا سيعرض تلك الصور عمداً على موظفيه وزبائنه? وهل هو من الحماقة بحيث يسلم أدلة إدانته إلى آخرين, مهما بلغت درجة ثقته بهم? عندئذ ,تبادرت إلى أذهاننا تساؤلات عديدة: لماذا تأتي مواطنة إماراتية مع أختها لإجراء عمليات تجميل في سورية? ألا يوجد في الإمارات أطباء ومراكز لإجراء مثل هذه العمليات? ولماذا تحتج المريضة على تأجيل عملية أختها مع أنه لايوجد جرح في سورية يندمل?! والأهم كيف قررت المريضة من تلقاء ذاتها أن هناك خطأ طبياً حصل معها? هل راجعت أطباء آخرين?‏‏

بداية, أقرت بادية أن كفاءة الأطباء السوريين هي أفضل من نظرائهم السوريين وغيرهم في الإمارات,والأهم أن تكاليف مثل هذه العمليات أخفض بكثير, فمثلاً اتفقت مع الطبيب على إجراء مجموعة من العمليات لها ولأختها ب2000 دولار في حين أن هذه العمليات تكلف في الإمارات أكثر من 6000 دولار, وبدت مندهشة لما حصل معها, لاسيما فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي,أي تصويرها,وهي مخدرة,عارية تماماً ودون إذنها كما قالت.‏‏

مدير مشفى الصباغ الذي أجريت فيه العمليات بدا حيادياً تماماً في بداية لقائنا به,فهو يؤجر غرفة العمليات للطبيب ولاعلاقة له بالنتائج الطبية أوبما قد يصدر عن الطبيب من أخطاء,وبعد إلحاحنا,أخذ يتحدث بحماسة عن كفاءة الطبيب المعالج وعن مدى عصبية مريضته والمشكلات التي أثارتها, بل إنه صرح عن الطبيب عدم استعداد مشفاه لاستقبال هذه المريضة مرة أخرى لإجراء عملية في مشفاه.‏‏

والحقيقة ,لم نستطع مناقشة الحالة الطبية معه, لأنه ليس طبيباً, لكنه أوضح أن عمليات التجميل ,حسب معلوماته ,ليست سهلة وليست مضمونة النتائج دوماً,كما أن الجراح الناجمة عنها قد تستغرق زمناً حتى تلتئم,وأن بقاء المفجر عشرة أيام وخمسة عشر يوماً أمر طبيعي ,مشيراً أنه يمكننا مراجعة متخصصين في هذا المجال.‏‏

وعلق مدير المشفى أن معظم الذين يجرون عمليات تجميل هم معقدون نفسياً, لأنهم غالباً مايتخيلون أن كل مايطلبونه سيحدث حتماً,بغض النظر عن نسب النجاح والفشل.‏‏

‏‏

الطبيب غياث كريمو الذي أجرى العملية تبنى ذات الرأي, موضحاً أن لديه سجلات وصوراً لمعظم حالات مرضاه وأن التصوير أمر لاغنى عنه لكل طبيب تجميل,أولاً كأرشيف طبي وثانياً للمقارنة بين الحالة قبل العملية وبعدها, ونفي كريمو أن يكون التقط صوراً للمريضة عارية, لأن ما يهمه هو فقط موضع العملية متسائلاً: إذا كنت سألتقط صوراً فاضحة, لماذا لم أصورها كاملة? لماذا كنت سأكتفي بتصوير الجزء السفلي?‏‏

وأقر الدكتور كريمو أنه صور المريضة وهي تحت تأثير المخدر, لسبب بسيط هو أنه بسبب ضغط العمليات ينسى أحياناً التقاط صور قبل تخدير المريض, كما حدث في حالة بادية, ما اضطره إلى التصوير بعد التخدير قبيل إجراء العملية.‏‏

وبشأن الحالة الطبية أشار كريمو إلى صعوبات عمليات التجميل, وأن هذه الصعوبات تصبح مضاعفة عندما يكون المريض قد خضع سابقاً لمثل هذه العمليات, وفي حالة بادية كان عليه أن يجري تعديلات على عمليات قام بها أطباء مصريون, ما زاد الأمر تعقيداً, ويبدو أن المريضة لم يكن لديها أي تصور عن صعوبة إجراء أكثر من عمل جراحي تجميلي في العضو نفسه.‏‏

وهل تقدمون نصائح أو تشرحون المخاطر للمريض قبل إجراء العمل الجراحي?‏‏

د. كريمو: نعم, ولكن كما قلت, أغلبهم معقد نفسياً, نشرح لهم الحالة ونقدم لهم النصائح, ولكنهم غالباً ما يصرون على موقفهم وعندئذ, لا حول ولا قوة.‏‏

ما سبب ادعاء المريضة إذاً من الناحيتين الطبية والأخلاقية?‏‏

د. كريمو: لا أدري, اسألها, قدمت لها الكثير من التسهيلات وحتى الحسومات, ومع ذلك حاولت أن تبتزني مالياً, إنها محاولة ابتزاز, وأنا لا استطيع تلبية كل طلباتها, فهي تريد مني إجراء عمليات لم نتفق عليها, وهي مكلفة وفوق طاقتي, لأنني استأجر غرفة العمليات في المشفى.‏‏

هل يمكننا الاطلاع على صور المريضة?‏‏

بدأ يفتش في حاسوبه قائلاً: لقد مسحت بعضها بناء على طلبها, لكن لدي صور لوجه المريضة, لأنفها, وهي تحت تأثير المخدر, والحقيقة أنني ندمت لأنني مسحت بقية الصور, ولو أنني عرفت أنها ستتصرف على هذا النحو, لاحتفظت بكامل ارشيفها.‏‏

وهل تحدث مثل هذه المشكلة مع باقي أطباء التجميل?‏‏

هذا السؤال أجابنا عليه بالإيجاب نقيب الأطباء في محافظة دمشق لأنه يعتقد هو أيضاً أن معظم الوافدين إلى عيادات أطباء التجميل من النساء ولديهم مشكلات نفسية, وبالتالي لديم تصورات خاطئة تماماً عن الامكانات والنتائج.‏‏

‏‏

والمشكلة أنه ليس لدينا في سورية مراكز تجميل, لأن وجود مثل هذه المراكز يوفر امكانات وخبرات طبية متكاملة تفيد في دراسة حالة المريض من كل النواحي ومن أكثر من وجهة نظر وتخفف كثيراً من المشكلات الناشئة بين الراغبين بإجراء جراحات تجميلية واطبائهم.‏‏

وحول مدى قانونية تصوير المريضة تحت التخدير ودون إذن مسبق منها أكد نقيب الأطباء أن هذه ليست مشكلة بالنسبة لأطباء الجراحة التجميلية, لأن التصوير قبل العمل الجراحي وبعده يؤمن من دراسة الحالة ومدى نجاح الطبيب في تنفيذ الاتفاق المبرم بينه وبين المريض, وعلى هذا الأساس ليس مهماً توقيت التصوير.‏‏

وماذا عن ادعاء المريضة قيام الطبيب بعرض صورها على آخرين?‏‏

ضحك قائلاً: هل تعتقد أن هناك عاقلاً يدين نفسه بهذه الطريقة!!‏‏

وحول بقاء الجرح فترة طويلة وبقاء المفجر مربوطاً إلى البطن.‏‏

أنه أمر عادي وأن المريض لايقدر غالباً صعوبة العملية, مشيراً أنه كان بإمكان المريضة التقدم بشكوى وتشكيل لجنة طبية ثلاثية للتأكد من وقوع خطأ, مع التمييز بأن هناك اخطاء بسيطة تحدث مع كل الأطباء وفي أرقى مستشفيات العالم, فمثلاً كان من الطبيعي في عملية البطن المفتوح نسيان شاشة في بطن المريض (عندما كان الشاش مستخدماً) لأن الطبيب كان يستخدم آنذاك عدداً كبيراً من قطع الشاش وهذه تختلط بالدم فلا يستطيع تمييزها أو عدها, وهناك أخطاء ويتحمل الطبيب مسؤولية طبية وقانونية, ونحن كنقابة لا نتساهل في هذه الأمور مطلقاً, بل أحياناً نكون أقسى مما يتطلبه الخطأ أو من حجم الخطأ.‏‏

بعد أيام من تقدم المريضة بالشكوى وبعد الحصول على آراء باقي الأطراف حاولنا الاتصال بها, لكنها ردت بنبرة باردة وإنسانية بأنها تفضل عدم التطرق لهذا الموضوع لأسباب إنسانية ولأنها لا تريد على حد تعبيرها أن تخرب بيت الطبيب وأن تشوه سمعته, وبعدها لم تعد ترد على اتصالاتنا.‏‏

ترى هل غادرت سورية وفي جوفها جرح لا يلتئم? أم أنها خلفت وراءها جرحاً أعمق من جراح التجميل, جرحاً لا ينزف دماً, لكنه يشوه جمال الثقة بكفاءة أطبائنا?‏‏

الإجابة لديكم بعد كل هذه الوقائع.‏‏

د. كريمو:أغلب مرضى التجميل معقدون نفسياً‏‏

المريضة : الأطباء في سورية هم الأكفأ والتكاليف أخفض‏‏

لقطات‏‏

في مواجهة بين المريضة والطبيب أصر كل منهما على موقفه, ولم يعرض الطبيب أي صورة للمريضة, لكنه وعدها أن يقوم بمسح صورها فيما بعد.‏‏

عند دخولنا عيادة الطبيب وجدناها مكتظة بالمراجعين وعند دخولنا غرفته وجدنا جدرانها تزدحم بالشهادات من كل صنف ولون وبكل اللغات, أو هكذا تهيأ لنا, ولدى سؤالنا نقيب الاطباء عن ذلك أجاب بأنه أصدر قراراً يمنع وضع أي شهادات غير مهنية ومعترف بها رسمياً.‏‏

أكد نقيب الاطباء أن الصحفيين يتناولون المشكلات الطبية بشكل خاطىء, فمثلاً, يقع حادث ما في مشفى معين, فلا يقوم الصحفي بالاتكاء على شهادات طبية موثوقة ولا يأخذ بعين الاعتبار أن تلك الحادثة هي حالة من آلاف الحالات أحياناً, لكنها لأسباب خارجة عن إرادة الطبيب أو المشفى خرجت عن نطاق السيطرة, وضرب مثالاً الطفل الذي توفي في مشفى المجتهد بسبب تحسسه من المخدر, مؤكداً أن هذه الحالة يمكن أن تحدث في أي مشفى في العالم.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية