تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حكايا لا تموت

رؤية
الجمعة 20-12-2019
هناء الدويري

حكايات شهيرة عابرة للثقافات تلك التي كانت تحكيها الجدّات لكل الأطفال.. ولن تسأل أحدا من أقرانك إلا وكانت الحكايات التي سمعها هي ذاتها التي أنت من تلقاها أيضا, اليوم وبعد مرور كل تلك السنين لم يعد هنالك مكان للجّدة لتقصّ حكاياتها

وسيرها وأشعارها المنقولة المحفوظة على الأحفاد.. حتى الأم التي كانت تحاول أن تقص حكاياها لطفلها قبل النوم اختصرت على نفسها كل هذا العناء وأعطته المحمول أو (التاب) ليلعب ويُشاهد مايُشاهَد ومالا يُشاهد قبل النوم..‏

ابتعدنا كثيرا عن التقليد الذي حفر عميقا في ثقافتنا، هذا التقليد الذي من المفترض أن يؤسس لثقافة أطفالنا ويقدم لهم الثقة والموعظة الحسنة ممن هم المثل الأعلى والقدوة ويساعدهم في وضع ألف باء ثقافتهم وفكرهم..‏

التقليد الأهم الموروث في أصول التربية لم يواكب التكنولوجيا والحياة العصرية ولم يُدخله الأهل على طريقتهم وبما يخدم مصلحتهم ومصلحة أبنائهم في نسيج حياتهم، لأنهم وببساطة استسلموا لهذا الغازي دون عناء يُذكر، ولم يحاولوا أن يطوّعوا التكنولوجيا والمحتوى الرقمي لمساعدتهم في تربية الجيل الجديد الذي يتمتع بذكاء وفطرة خطيرة..‏

قد يقول قائل أن التحكّم بهذا المحتوى هو خارج نطاق وإرادة الأهل على اعتبار أن إدارته تأتي من قبل شركات عالمية غايتها استعمار وغزو العقول في بلدان الاستهلاك، لكن هذا لا يبرر جهل الأهل والمربين وحالة الاستسلام التي يقعون بها..‏

أذكر أن أحد الأقرباء أخبرني بأن شرخا كبيرا وفراغا أكبر يسيطر على علاقته بأبنائه الذين هم من أجيال متفاوتة، فسردت له ذكرى حفرت بي عميقا.. فحواها أن أبي رحمه الله كان يستغل أي وقت ينتهي فيه من العمل باكرا لنراه وأخوتي أمام باب المدرسة ليقلّنا إلى البيت، كان الطريق يستغرق دقائق عدّة لكنها اليوم تعني لي سنينا ودهرا.. لأنني كلما بحثت عن إجابة لأي تساؤل أو خيار يستعصي عليّ أعود بالذاكرة إلى تلك الدقائق التي كنا فيها محشورين في السيارة مصغين لأجمل ماكان يقصّه والدي من سير وأحداث نأخذ منها العبر والحكم.. اليوم أنا على يقين بأن أبي كان يخلق تلك الفرصة ليكون معنا عن قصد لعلمه في أثرها العميق لكلّ فرد منا.. هذا يشبه أي تقليد لم يتخل عنه الآباء والأمهات سابقا.. درهم وقاية خير من قنطار علاج..فكونوا مع أبنائكم وحاولوا إنقاذ التقليد الذي تربيتم عليه..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية