|
دراسات
ترامب هو الرئيس الأميركي الثالث الذي يخضع لإجراءات العزل في تاريخ أميركا ربما يستثمر هذه المحاكمة العلنية داخل الكونغرس لرفد حملته الانتخابية.. وربما تنقلب الطاولة عليه في مجلس الشيوخ وهذا الاحتمال ضعيف جدا خاصة أن الجمهوريين ليسوا معجبين بترامب ولكنهم قادرون على تثبيته في منصبه خوفا من تسليم الرئاسة الأميركية على طبق من فضائح للديمقراطيين. لدى الحزب الديمقراطي الكثير كي يدين ترامب خاصة في علاقاته المشبوهة مع دول أثبتت الأدلة والوقائع أنها داعمة للإرهاب كتركيا والسعودية كما أنه أي ترامب يرتكب جرائم دولية باحتلال أراضٍ في سورية وسرقة نفطها لكن الحجج لعزل الرئيس الأميركي تبقى محدودة وبعيده عن سياسته الخارجية وإن صوت لها بالأمس مجلس النواب الأميركي الا أن مجلس الشيوخ قد يبرئ ترامب في المحاكمة المرتقبة مطلع العام 2020 . يقول ويل هيرد، الضابط السابق بوكالة الاستخبارات المركزية وأحد أكثر الجمهوريين اعتدالاً في مجلس النواب، وأكثرهم نقداً لترامب وهو الآن عضو في لجنة الاستخبارات التي يقودها الديمقراطيون والتي سمع أعضاؤها شهادات مدمرة ضد دونالد ترامب طوال الأسبوع.. يقول: «هل كان هذا بحد ذاته سلوكاً يستحق العزل؟ «ليس تماماً». ويضيف هيرد «أي جريمة تؤدي إلى العزل يجب أن تكون مُقنِعة، وواضحة بشكل لا لبس فيه، ولا تتسم بالغموض ويتابع لم أسمع أدلة تثبت أن الرئيس ارتكب جريمة رشوة أو ابتزاز». اذا.. حتى معارضو ترامب من الجمهوريين لا يجدون أن الادانة الموجه للرئيس الأميركي كافية للعزل حتى لو كانت سوء استخدام السلطة واستغلالها من أجل حملته الانتخابية حيث اتهم ترامب بالضغط على أوكرانيا لكشف معلومات مضرة لمنافسه الأساسي في الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة في 2020، جو بايدن، وابنه هانتر, واستند هذا الاتهام الى مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني. واللافت أن ورقة ترامب للمساومة مع أوكرانيا هي احتجاز 400 مليون دولار مساعدات عسكرية لأوكرانيا، خصصها الكونغرس بالفعل، وترتيب اجتماع في البيت الأبيض للرئيس الأوكراني مع ترامب. ويرى الديمقراطيون أن هذا يبلغ حد إساءة استغلال السلطة، واستخدام المنصب للحصول على مكاسب سياسية شخصية، والإضرار بالأمن القومي. ورغم كل ذلك لا يجد الجمهوريون أن التهم تستحق العزل فما يقوله هيرد يعطي تصورا عما سيجري على مدار 11 شهراً حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة عام 2020. من الواضح أن الديمقراطيين الذين عبروا بالعزل في مجلس النواب سيفشلون فشلا كبيرا في مجلس الشيوخ الذي تسيطر عليه الغالبية الجمهورية اضافة الى ذلك فإن الديمقراطيين لم يستطيعوا حتى الآن اقناع جمهوري واحد بموقفهم بل على العكس يقول كل من جايك شيرمان وآنا بالمر، المتابعان لشؤون الكونغرس في مجلة Politico قسم Playbook: «يعتقد الجمهوريون أن عدداً قليلاً من الديمقراطيين سيصوتون معهم ضد عزل ترامب، رغم أن ذلك قد يكون محض أمنيات». اضافة لذلك فإن ضعف التصويت الجمهوري على قرار عزل ترامب في مجلس النواب من شأنه ان يلقي بظلاله على مجلس الشيوخ فطالما أن الجمهوريين متفقون على عدم عزل ترامب فإن هذا القرار من المستبعد أن يمر في مجلس الشيوخ خاصة أنه سيكون القرار الأول في تاريخ أميركا بالتالي لن يتم عزل ترامب بل تبرئته وهنا تكمن لعبته الانتخابية!! انقلاب السحر على الديمقراطيين!! محاكمة ترامب تلقي ضوءا كبيرا على أخطاء وفضائح خصمه الديمقراطي الأبرز لعام عام 2020، جو بايدن، و ابنه هَنتر - الذي يقر الكثير من الديمقراطيين أنه انتهك الحدود الأخلاقية بانضمامه إلى مجلس إدارة شركة أوكرانية، بينما كان والده نائباً للرئيس باراك أوباما ومن الطبيعي عندما يكون ترامب بريئاً من وجهة نظر مجلس الشيوخ سيكون جوبايدن متهما وحاملاً لفضيحة من عيار تجاوز القوانين خلال انتخاباته العام المقبل. فاذا كانت فرص جو بايدن الانتخابية في خطر فلن تكون فرص من تبقى من الخصوم بخير أمام ترامب خاصة أنه يسعى لتشويه صورتهم هذا ان لم تكن مشوهة أساسا فتخيلوا أن النجم الساطع بين المرشحين الديمقراطيين بوتجيج وهو عمدة بلدة صغيرة متزوج من رجل!! وتشير الاستطلاعات إلى أن بوتجيج سيواجه تحدياً شديد الصعوبة في الانتخابات الرئاسية بسبب هذا الزواج المثلي، فبحسب استطلاع أجرته شركة Morning Consult ومجلة Politico أواخر شهر تشرين الأول، إنه فيما يقول نصف الناخبين المسجلين في الولايات المتحدة أنهم مستعدون لرئيس مثلي الجنس، إلا أن 40% منهم فقط يعتقدون أن أميركا تتقبل ذلك. أما المرشحة السيناتورة إليزابيث وارِن، التي ظهرت بصورة جيدة وهي تحمل مشروعها الكبير «الرعاية الصحية للجميع» فلا يحبذها الديمقراطيون والمستقلون فهم يتهمونها بالليبرالية وانها ستكون أداة الجمهوريين لتصوير الحزب الديمقراطي على أنه حزب اشتركي و اُنتقد اقتراحها المعدل «الرعاية الصحية للجميع»، وهي خطة انتقالية مدتها سنتان، انتقاداً حاداً ووُصفت بأنها مخادعة ومنافقة. وفي الوقت نفسه، يبدو بيرني ساندرز بصورة هزلية عن محاولة ترشحه عام 2016، ومن المؤكد أنه لن يحصل على ترشيح الحزب.. بالتالي فإن فرص ترامب تبقى أكبر من فرص خصومه الديمقراطيين في الانتخابات رغم أن الأميركيين لا يحبون هذا الرئيس الذي وصف بالمتهور والأحمق والكاذب مرات عدة ووصل الحد الى اطلاق الالعاب والمجسمات الكاريكاتيرية عنه الا أن استطلاع أجرته كل من صحيفة New York Times وكلية Siena يقول إن ترامب، رغم انخفاض معدلات شعبيته بصفة عامة، لا يزال قوياً في ست ولايات رئيسية متأرجحة فاز بها عام 2016. وإليزابيث وارِن أسوأ حالاً في مواجهة ترامب في تلك الولايات من بايدن أو حتى ساندرز. يقول خبير الانتخابات في صحيفة New York Times، نيت كوهن، الذي أشرف على الاستطلاع، إن الأرقام الجديدة تشير إلى أن ترامب ربما يتمتع بأفضلية في المجمع الانتخابي عام 2020، أكبر من تلك التي تمتع بها عام 2016. وبعبارة أخرى، قد يخسر الرئيس التصويت الشعبي هذه المرة بهامش أوسع ويُعاد انتخابه رغم ذلك. فمن المعروف أنه وفقاً للنظام الانتخابي الأميركي لا يستلزم للمرشح الفائز نيل أغلبية أصوات الناخبين، بل المهم هو الفوز في المجمع الانتخابي الذي تمثل فيه الولايات ويكون للولاية عدد أصوات في المجمع يعادل عدد ممثليها في الكونغرس. كل هذه الاسباب تضع انتخابات الديمقراطيين على المحك أمام فرص ترامب ما قد يدفعهم لتغيير المرشحين وهذا أحد الأسباب التي جعل مايكل بلومبرغ، عمدة نيويورك السابق، رغم الهجوم الذي يتعرض له، يفكر بدخول الانتخابات بعد إطلاقه حملة إعلانية بقيمة 30 مليون دولار. وحتى وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة الديمقراطية لعام 2016 هيلاري كلينتون صرحت أن «الكثير من الناس» يضغطون عليها للتفكير في الترشح. قد يكون ترامب متهما ومدانا وقام بما يستوجب عزله كرئيس للولايات المتحدة الأميركية لكن الأكيد ان هذا الرئيس محظوظ بخصومه كما تقول الأوساط السياسية الأميركية، وقد يكون تعليق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على عملية عزله في مجلس النواب مؤشرا آخر على أن هذا العزل قد لا يكتمل في مجلس الشيوخ فبوتين قال بعد عدة ساعات من خبر المحاكمة في مجلس النواب: «إن إجراءات عزل دونالد ترامب تستند إلى أسس «مختلقة»، مضيفا أنه لا يعتقد «أنها تنذر بقرب نهاية حكم الرئيس الأميركي»، وصرح بوتين «لا يزال يتعين أن يمر عبر مجلس الشيوخ حيث يتمتع الجمهوريون بالأغلبية، وأضاف: «من غير المرجح أن يزيحوا ممثل حزبهم من منصبه، على أسس مختلقة تماما». الواضح أن الرئيس الروسي لاينظر الى خبر عزل ترامب على أنه محاكمة لرئيس بل يجده استمرارا للخلافات الداخلية التي تجري داخل الدولة العميقة في واشنطن وبين الأحزاب الرئيسية فقد وصف بوتين الإجراءات في الكونغرس الأميركي بأنها «ببساطة استمرار لنزاع سياسي داخلي» بين الديمقراطيين والجمهوريين. ولم يوفر الرئيس الروسي سؤال الصحفي الذي سأله عن عزل ترامب في الحديث عن الاتهامات التي وجهها الديمقراطيون سابقا للروسيا بتدخلها في الانتخابات الرئاسية حيث أشار بوتين علانية إلى أنه يعتقد أن هذه فقط حجة يستخدمها الديمقراطيون لعزل ترامب بعد فشلهم في توريطه في مزاعم بأن موسكو تدخلت في انتخابات الرئاسة التي جاءت به إلى السلطة في 2016. وتابع بوتين: «الديمقراطيون يتهمون ترامب بالتآمر مع روسيا، وظهر أن ذلك ليس له وجود، ولا يمكن أن يكون أساسا لعزله».واختتم حديثه بالقول:»بعد ذلك اختلقوا ممارسته نوعا من الضغط على أوكرانيا». حديث الرئيس الروسي عن عزل نظيره الأميركي وحجج الديمقراطيين قد يكون نوعا من رد الاعتبار الى موسكو التي وجهت لها تهم التدخل وقد تكون فرصة للرئيس بوتين في التعليق على هذا الموضوع الذي شغل الصحافة الغربية واستخدم من قبلها للهجوم على روسيا. ماذا يعني العزل في الدستور الأميركي؟ عبارة «العزل» هي توجيه اتهامات في الكونغرس قد تشكل أسسا لإحالة الرئيس إلى المحاكمة. وينص الدستور الأميركي على أن الرئيس «قد يعزل من المنصب في حالة اتهامه بالخيانة، أو الرشوة، أو غيرها من الجرائم والتهم الخطيرة»، وينبغي أن تبدأ الإجراءات من مجلس النواب، ولا تحتاج إلا إلى أغلبية بسيطة لتمريرها، أما محاكمة الرئيس فيجب أن تتم في مجلس الشيوخ، وفي هذه الحالة، سيكون من الضروري الحصول على أصوات ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ من أجل تمرير قرار عزل الرئيس، وهو أمر لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. من هم الرؤساء الذين واجهوا إجراءات الاتهام والمحاكمة؟ لم يواجه هذه الإجراءات إلا رئيسان أميركيان في تاريخ الولايات المتحدة، بالرغم من التهديدات التي أطلقت في مناسبات عدة. ففي السنوات الأخيرة، واجه بيل كلينتون - الرئيس الـ42 للولايات المتحدة - إمكانية عزله بتهم الكذب أمام هيئة محلفين كبرى، وعرقلة مجرى العدالة، وذلك بعد كذبه حول طبيعة العلاقة التي ربطته بمونيكا لوينسكي، وطلبه منها أن تكذب حول الموضوع بعد ذلك. وكان مجلس النواب قد صوت بأغلبية 228 مقابل 206 لتوجيه التهمة الأولى إلى كلينتون، و221 لـ 212 فيما يخص التهمة الثانية. ولكن الشعبية التي كان يتمتع بها كلينتون في كانون الأول 1998 كانت كبيرة وبلغت آنذاك 72 في المئة. وعندما أحيلت القضية إلى مجلس الشيوخ في عام 1999، لم تحظ بتأييد ثلثي الأعضاء لتمريرها وجاء في تحليل لبي بي سي نشر وقتها أن «أعضاء المجلس، في سعيهم الحثيث والدؤوب للتخلص من الرئيس، لم يفكروا إن كان من الممكن إثبات التهم الموجهة إليه دون أدنى شك». الحالة الثانية لم تتعلق بريتشارد نيكسون، كما قد يتوقع كثيرون فقد نجا نيكسون بنفسه عندما عرف أن التيار يسير ضده، فاستقال من منصبه، لكن الرئيس الأميركي الوحيد الآخر الذي واجه إجراءات الاتهام والمحاكمة كان هو أندرو جونسون، الذي تولى منصب الرئاسة في عام 1865، وكان الرئيس الـ17 للولايات المتحدة. وكان مجلس النواب قد اتهم الرئيس جونسون وطالب بعزله في عام 1868 وجاء التصويت بعد محاكمته في مجلس الشيوخ بعد مضي 11 يوما فقط، عقب تنحيته وزير الدفاع أدوين ستانتون بسبب عدم اتفاق الأخير مع سياساته. ولم تغفل الصحافة الأميركية أوجه الشبه بين تنحية ستانتون في عام 1868، وقرار الرئيس ترامب بطرد رئيس مكتب التحقيقات الاتحادي، جيمس كومي، الذي لم يتفق مع الكثير من سياساته، ولكن جونسون نجا من العزل بفارق قليل جدا من الأصوات، بخلاف الوضع مع كلينتون، إذ فشلت محاولة عزله بصوت واحد بفضل تصويت الجمهوريين وسيكون دونالد ترامب رابع رئيس أميركي يواجه تحقيقا رسميا بعزله، وذلك على خلفية إعلان رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي عن التحقيق مع ترامب في فضيحة أوكرانيا حيث دعت إلى إجراء تحقيق رسمي من أجل بدء إجراءات عزل دونالد ترامب، وهو ما سيجعله رابع رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يواجه مثل هذا التحقيق الاستثنائي. الآثار السلبية لعزل الرئيس الأميركي إجراءات عزل الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في العام 1998 صاحبتها نتائج عكسية على الجمهوريين، الذين رأوا شعبية كلينتون ترتفع بينما تكبدوا خسائر فادحة في الانتخابات. أما في حالة الرئيس دونالد ترامب فإن تحفظات رئيسة مجلس النواب بيلوسي عدة مرات بعد انطلاق التحقيقات كانت متجذرة في المخاوف من أن إجراءات الإقالة ستعمل على تشتيت صفوف الديمقراطيين، وهو ما قد يساهم في إعادة انتخاب ترامب لولاية رئاسية ثانية، وقد أشارت استطلاعات إلى أن 38.5 في المئة من الأميركيين يفضلون مساءلة ترامب بينما يرفضها 55.7 في المئة. |
|