|
شباب ولكن نحرص في هذه الوقفات مع أبنائنا الشباب أن نضيء على سلوكهم الجيد وعلى الجوانب المضيئة في حياة معظمهم و نتفق معهم في مسائل كثيرة تأخذ شكل الاحتجاج، فلا نقبل أن يتحدث عن النزاهة مَن لا يملك منها شيئاً، تماماً مثل مدّعي الإخلاص للوطن و هو أكبر متاجر بمواجعه، كما لا نقبل أن يحدّثنا أحدٌ عن مضار التدخين على سبيل المثال وهو يلتهم السيجارة تلو الأخرى، ولا نقبل أن يمطرنا أحدٌ بنصائحه وهو لا يعرف معنى الألفاظ التي يستخدمها في توجيه هذه النصائح، ونعجب معهم من استمرار البرامج التي تتسلّق على الدين وتدّعي أنها تهدف لخلق جيل مؤمن يعرف حقوقه و واجباته، و ما إن ينتهي معدّ البرنامج أو مقدّمه من البرنامج حتى يذهب إلى الجناح الخاص الذي استُأجر له ليجد في انتظاره عدد من بنات الهوى أو حفنة من دولارات ملوّثة . و نتساءل معهم: هل يعتقدون أنه يمكن التأثير على شبابنا عاطفياً و تعطيل عقولهم بهذه السهولة ؟ كنّا نخاف من هذا الأمر في بداية الأزمة، و خاصة عندما تركّز العزف على الوتر الطائفي و لكن الوعي حصّن القسم الأكبر من شبابنا و جعلنا نطمئن للمستقبل أكثر و نغلق ثقباً حاول المتآمرون أن يفتحوه في جدار الوطن.. في موضوع الوطن و الالتزامات الوطنية يلتقي الأهل والأبناء في معظم الأحيان، و في هذه المسألة بالتحديد لا نحتاج إلى توجيه الأبناء لأنهم أدركوا تلقائياً أن لا شيء يأتي قبل الوطن ولا شيء يتقدّم الوطن ووفق هذه القناعة بنوا أفكارهم ووجهوا سلوكياتهم التي تعزّزت بدعم الأهل و رضاهم، بينما قد نعجز كأهل عن إقناع أحد أبنائنا بضرورة أن يدرس الطبّ بدل الهندسة أو العكس، و معنى هذا أن الأفق الأرحب والأوسع هو الوطن، هذا الأفق الذي تغيب تحته الكثير من تفاصيل الاختلاف وتنصهر فيه الكثير من تفاصيل التنوّع ليعلو فقط اسم سورية الأبية ولترتفع الإشارة إلى قوة جيشها وتماسك شعبها واستعداد الجميع فيها للموت في سبيلها.. وفي موضوع الوطن الأصغر « الأسرة « ومن خلال نماذج واضحة للجميع أفرز وعي شبابنا الكثير من الإيجابيات التي لم تكن لتحضر لولا تاثّرهم بما يتعرّض له وطنهم، لدينا ولديكم أبناء في سنّ الشباب ونتذكّر كما تتذكرون كيف أن مصروفهم اليومي كان يزعج جيوبنا ويضعنا في مواقف حرجة أمامهم، لكن عندما أنشب الغلاء أنيابه في هذه الجيوب وتراجعت القيمة الشرائية لليرة السورية وحضر الاحتكار والاستغلال وأصبح ربّ الأسرة، وخاصة من الموظفين عاجزاً عن تدبّر أموره والوفاء بكامل احتياجات بيته ما الذي تغيّر في هؤلاء الشباب؟ أعرف عشرة منهم على الأقل من أبناء جيراني وأقاربي أو معارفي سارعوا إلى الإنتاج ولو من خلال تجميع الخبز اليابس و بيعه، فالمهمّ عندهم و وفق قناعتهم أن يكونوا منتجين ومساعدين لأهاليهم ومخففين عن هؤلاء الأهالي بعض متاعب الحياة؛ لأن وضع بلدهم حرّك فيهم مشاعر مختلفة و رأوا أن مثل هذه المساهمة في تدبير شؤون الأسرة يعزّز صمود هذه الأسرة، و بالتالي يعزّز صمود الوطن، و رأينا قسماً آخر منهم و قد عادوا بأفكارهم إلى « المطمورة « وبين الحين والآخر يفرغون محتواها الذي يساعد ولو على تبديل أسطوانة غاز لأسرتهم . لا تستغربوا أن نأتي على مثل هذه الأفعال البسيطة من حيث الشكل لكنها - وفق قناعتنا على الأقلّ - تؤسس لفكر مختلف و لسلوك مغاير بالنسبة لأولادنا، فأي جناح و حتى يكون قادراً على التحليق بطيره بحاجة حتى لأصغر الزغب الموجود عليه.. دققوا الملاحظة بكل من هم حولكم، تذكّروا كيف كان هذا الشباب يتصرّف في موقف معيّن وكيف يتصرّف الآن في موقف مشابه فلا بدّ أنكم ستلمسون هذا التحوّل بوضوح ودون عناء.. كنّا نشكو كثيراً من تجمّع المراهقين أمام مداخل المدارس والفوضى التي كانوا يسببونها، و خاصة عندما يستقلون الدراجات النارية و» يشفّطون « بها، صحيح أن الظاهرة لم تختفِ تماماً لكنها قلّت كثيراً و الوعي سبب رئيسي في هذا إضافة لعوامل أخرى تداخلت مع هذا الوعي فكان هذا السلوك .. إن كنتَ مؤمناً فاضرب عصاك في الصخر فقد يستجيب الله لك ويخرج لك من قلب الصخر نبع رقراق، هذه القناعة لا يمكن إنكارها أو نفيها لدى أهالينا و لدى الكثيرين منّا، و على ضوئها يعيش القسم الأكبر من السوريين مؤمنين بالله وبوطنهم و أن أي فعل إيجابي مهما كان صغيراً من حيث حضوره فإنه سيُحدث تأثيره في مجريات الحرب الدائرة على الأرض السورية ويساهم بحسمها لمصلحة هذا الشعب، و فتّش في ضمائر الجميع فقد لا تجد إلا قلّة قليلة جداً من شبابنا الذين يؤدون خدمة العلم على سبيل المثال تشكو أو تعبّر عن سئمها ومللها أما النسبة الغالبة منهم فقولهم واحد وهو: لن نترك السلاح ولن نتأخّر عن تقديم الروح ما دام هناك إرهابي واحد على الأرض السورية.. بمثل هذا الجيل الواعي والمدرك لخطورة الظرف الذي يمرّ به بلده تُبنى الحضارات وتتجدد الحياة وتكبر الأوطان، ومن وطن خيّر كسورية تتسامق قامات لا تنحني إلا لله.. |
|