تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ذاكرة أدبية.. «الحكيم»..«أوفدت حماري ليشيّع المحتل.. بما يناسب المقام»

ثقافة
الاربعاء 20-4-2016
هفاف ميهوب

في طائرةٍ حربية حلّق إلى «دمشق» مع مجموعة من الطيارين المصريين الذي ارتدوا ملابسَ رسمية كانت بلون السّماء التي أحاطت بهم وبه.. حلّق مُوفداً من «أخبار اليوم» الجريدة التي كان يعمل بها، والتي أوفدهُ رئيس تحريرها،

‏‏

لمشاركة الشعب السوري أفراح انتصاره بجلاءِ آخر جندي فرنسي عن وطنه.‏

إنه «توفيق الحكيم» الأديب الذي ما أن حطّت الطائرة التي أقلّتهُ وكان يحيط بها سربٌ من طائرات القتال المصرية. ما أن حطّت في مطار المزة، حتى وجد بانتظاره «سعد الله الجابري» رئيس الوزراء آنذاك، والذي بادره السؤال: «أين حماركَ يا توفيق؟».. فردَّ عليه فوراً: «أوفدتهُ ليشيّع المحتل الراحل بما يناسب المقام».‏

حصل ذلك، بين مجموعة وفود الدول العربية التي احتشدت من كلِّ صوبٍ لتشهد وتشارك في هذا اليوم الاستثنائي. اليوم الذي كانت فيه الأيادي تتصافح والأجساد تتعانق بفرحٍ أدهش «الحكيم» الذي ذهب أخيراً إلى الفندق ليرتاح من عناء اليومِ والسفر، والذي تساءل في صباح اليوم التالي حيث الاحتفال المُنتظر: «ماهذا النشاط الذي هبط عليَّ فجأة؟!.. لقد استيقظتُ في الصباح وتناولت فطوري، وارتديت ملابسي، ثم سألت عن الساعة فقيلَ لي أنها لم تبلغ السادسة، فلم أرَ بداً من الخروج إلى المدينة. أستنشقُ الهواء وأنعم بأشعة الشَّمس الأولى. ولكن.. يا للعجب!».‏

هذا ماتساءل عنه «الحكيم» الذي أدهشه ما رآه ولم يكن يتوقعه. أدهشه أن يرى المدينة كلها قد استيقظت قبله وقد ارتدت حلّة من الأزهار المشرقة التي وضعت في الأصص وأمام البيوت والحوانيت.. أدهشه أيضاً: «رايات الدول العربية التي نُشرت خفاقة في كلِّ مكان، والناس الذين هم في ثياب العيد، قد تراصّوا في الشرفات والطرقات وفوق الروابي والأعالي وأسطح البيوت، وأنغام الموسيقا تعزفها فرق الجنود أو جماعات الكشافة التي تنتقل من شارعٍ إلى شارعٍ، وأناشيد البنينِ والبنات، يهتف بها التلاميذُ والتلميذات».‏

إنه ماشهدَ عليه «الحكيم» الذي نتمنى أن يشهد أيضاً، وفي هذه الظروف التي تعيشها سوريتنا اليوم، على ما شهد عليه يوم الجلاء.. نتمنى أن يشهد كيف يدحر جنودنا البواسل كل يوم، جحافل الأشرار ممن لابد أن يحتفل شعبنا الصامد، بيوم خلاصهِ من وبائهم القاتل.‏

نعم، هذا ما نتمنى أن يشهد عليه ليس «الحكيم» فقط، وإنما كل أديبٍ عربيٍّ شهد ماشهدناه فرفضهُ ووصفهُ مثلما رفضناهُ ووصفناه. تماماً، كما رفض «الحكيم» وجود المستعمر الفرنسي الذي شهد على إجرامه، ووصفَ احتفالات شعبنا بيومِ جلائهِ. اليوم، الذي كان في السابع من نيسان، من عام 1946، والذي شهدَ فيه على ماقال عنه: «تلك أمّة مجاهدة جريحة، لاتدري ماذا تصنع من الفرح وقد طُرِح عنها نيرُ الظلام وشُلّتْ يد الاستعباد.. هاهي تتجه بجموعها إلى قلعة المزة، حيث تدوّي الشوارع بأبواق الميكرفون الذي أنصت الشعب لصوت الرئيس الذي خرج منه صائحاً: «إننا نطوي اليوم صفحة النضال في سبيل استقلالنا، لنفتح صفحة السعي لإسعاد الأمة ورقيّها.. إن مثلنا الأعلى الذي نتطلّع إليه، تجرّد أبناء هذه الأمة من الهوى والترفع عن الصغائر، وإيثار المصلحة العامة على الخاصة، ولن نسمح لأيّ تيارٍ رجعي، أن يُعطّل نشاطنا أو يعيدنا إلى الوراء».‏

نكتفي بهذا القدر مما اخترناه من وصفِ لما شهدَ عليه الأديب المصري «توفيق الحكيم» في يوم احتفائنا بجلاءِ المستعمر الظالم عن أرضنا.. نكتفي لنقول: «بإذن الوطن، سيكون احتفالنا بجلاءِ آخر إرهابي عن سوريتنا، أشد فرحاً وأملاً وابتهاجاً، مما كان عليه في ذلك اليوم.. سيكون، اليوم الذي ترتدُّ فيه الحياة إلينا وإلى وطننا، والذي نقف فيه إجلالاً لأرواح قديسي هذا الزمان من حُماتنا الشهداء.. نقف ونخاطبهم: هاهي الدماء التي بذلتموها قد اعشوشبت في أرضكم- أرضنا. اعشوشبت إلى أن شمخت الكرامة فينا.. نعاهدكم، بأن يبقى وطننا حيّاً ماحيينا، وأن تبقى تضحياتكم، نبراساً ينيرُ سوريتنا ما بقيت متوشحة بالحياة والكبرياء.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية