تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مصر.. إسلاميون وعسكر وديمقراطية!!

 بقلم: عمر عاشور
لوفيغارو
ترجمـــــــــــة
الاثنين 19-3-2012
ترجمة: سهيلة حمامة

« هؤلاء الذين يمثلون الغالبية العظمى في مجلس الشعب المصري هم بالطبع الأشخاص المناسبون جداً والمرحب بهم إذ لن تتوفر لهم الأهلية أو القدرة للتأثير على الشعب المصري وفرض أمور أو أجندات لا يرغب بها أو يقبل بطرحها» هكذا صرح الجنرال والعضو في المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية مختار المولى..

الإعلان إياه يشير إلى أن انتصار الإسلاميين في الانتخابات الأخيرة لم يمنحهم السلطة التنفيذية أو يخولهم حق تأسيس دستور جديد، لكن الجنرال سامي عنان رئيس هيئة الأركان والرئيس المساعد في المجلس الأعلى للقوات المسلحة/CSFA/ سارع بالرد قائلاً : إن هذا الإعلان لا يمثل بالضرورة وجهات نظر المجلس العسكري، والسؤال المطروح هو: بعد سنة من خلع الرئيس المصري حسني مبارك عقب الثورة المصرية في ساحة التحرير، من ذا الذي سيقود دفة السياسة في البلاد؟‏

إن فوز الإخوان المسلمين والأحزاب السلفية الذين فازوا معاً بـ70٪ من المقاعد البرلمانية سوف يمنحهم بالطبع نفوذاً قوياً خلال المرحلة الانتقالية وتأسيس الدستور.. لكن هذا الفوز لن ينحصر بهم فقط فهناك« التحريريون» والجنرلات ولهم كلمتهم وموقفهم أيضاً.. الاحتجاجات العنيفة في ساحة التحرير لم تفض إلى حدوث تغيير اجتماعي وسياسي فقط بل إنها راحت تمارس ضغوطاً مكثفة على جنرالات مصر العسكريين لتأييد الديمقراطية ومناصرتها، وفي الوقت الذي يقود الجيش المصري الأقوى من ضمن الممثلين والفاعلين الثلاثة في مفاصل الدولة، البلاد دوماً بصعوبة بالغة، ثمة أيضاً عدد قليل جداً من المراقبين يتوقعون انخراط الجيش في العملية الديمقراطية وهؤلاء لا يريدون بالطبع نظاماً عسكرياً مباشراً والأهم من ذلك، فإنهم يرغبون في الاستفادة من التجربة الحالية للجيش الجزائري وشرعية الجيش التركي.. الأمر الذي يتطلب برلماناً ذا سلطات محدودة وتمثيلاً ضعيفاً تابعاً للجيش، وحقوقاً دستورية تشرع تدخل الجيش في المجال السياسي .. كما ويطلب هؤلاء المناصرون للديمقراطية حداً أدنى من التصويت على القضايا السياسية المهمة، واستقلالية ميزانية الجيش والامبراطورية الاقتصادية الواسعة وكذلك فرض حصانة شرعية على الملاحقين بتهمة الفساد أو القمع مع ضرورة توفير حقوق دستورية لضمان تنفيذ هذه الإجراءات ...‏

وعليه ينبغي أن يجري البرلمان المصري الجديد والجمعية التأسيسية مفاوضات مع المجلس العسكري الأعلى/CSFA/ ولكن مع حتمية أن ترافق عملية التحول الديمقراطي هذه مراقبة مدنية من قبل قوات من الجيش وضباط أمن.. هذه المطالب العسكرية من شأنها أن تجعل عملية التحول الديمقراطي عقيمة دون نفع!! التصويت على القضايا السياسية المهمة سوف ينسحب كذلك على قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية.. الغالبية الإسلامية في البرلمان يعدون ب« صنع» سلام مع إسرائيل وسوف تزداد الضغوطات على الأرجح بهذا الاتجاه..‏

الحصانة القضائية هي الأخرى تمثل قضية مثيرة للقلق :« المشير الطنطاوي ينبغي أن يكون الآن في السجن» هكذا صاح أحد الناخبين في اليوم الثاني من انعقاد المجلس النيابي.. الضغوطات الأميركية أثرت أيضاً في قرار المجلس العسكري سعد الدين ابراهيم الذي حث إدارة أوباما على دعم ومساندة ثورة يونيو2011 أفاد بأن « المؤسسات العسكرية المصرية تتلقى أكثر من 1.3 مليار دولار من الولايات المتحدة، وهذه المؤسسات هي الأخرى حساسة جداً للمطالب الأميركية وشروطها».‏

بيد أن معظم القرارات والمواقف المؤيدة للديمقراطية داخل المجلس العسكري إنما أثمرت بفعل الضغوطات الاحتجاجية العنيفة في ساحة التحرير: مثل خلع الرئيس مبارك ومحاكمته وتقديم موعد الانتخابات الرئاسية بدلاً من الانتظار حتى عام 2013 ثمة عاملان آخران ساهما في زيادة تأثير القرارات تلك وهما: الوضع الراهن الموروث من زمن مبارك وتلاحم الجيش المصري. ولا ننسى بالطبع بعض الاستثناءات حيث تمكن أعضاء كثر في المجلس العسكري من الاستفادة القصوى من مرحلة نظام حسني مبارك وهم مازالوا يجدون في الحفاظ عليه قدر الإمكان..‏

أشار لي أحد القادة المصريين السابقين« أن منظر ومشهد بعض الضباط المصريين بلباسهم الموحد وهم يتظاهرون في ساحة التحرير مع توجههم للتحدث إلى قناة الجزيرة القطرية قد أثارت بالفعل قلق المشير طنطاوي» ثمة طريقة أخرى لتعزيز لحمة الجيش المصري تقوم على خلق « عفاريت أو شياطين» وهو درس قديم تم تعلمه من فترة« الحروب القذرة» التي مورست في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي. مصر الديمقراطية ليست رؤية واضحة في خضم تنافس الإسلاميين والسلفيين في كل مكان من الشرق الأوسط لاستلام السلطة وإن بالقوة ، فقبل عام من الآن لم يكن سعيد القطاني، قائد حركة الإخوان المسلمين ليحلم بأن يكون الناطق الرسمي للبرلمان ومثله أيضاً الأعضاء في الحزب اليساري والليبرالي الذي يحوزون اليوم على 20٪ من مقاعد البرلمان.‏

وإن استطاعت سنة 2011 أن توفر لنا فرصة لخلع الرئيس حسني مبارك ولتزيد ثقتنا بأنفسنا، فبإمكان هيئة البرلمان والحالة هذه مع ما يلازمها من ضغوط التحريريين الثوار وإرغام الجنرالات المصرية لقبول عملية انتقال السلطة إلى حكومة مدنية في العام الجاري مع التحفظ أو الاحتفاظ ببعض المجالات الخاصة بتأسيس الجيش..‏

ربما تبقى مصر محصورة أو مجمدة في طريق الديمقراطية الضيق والطويل ، ولكن بالتأكيد ما من عودة أو خطوة إلى الوراء على الإطلاق ولعل مئات الآلاف من المحتجين الذين اتجهوا مؤخراً للاحتفال بعيد الثورة المصرية يشكلون الضمان لمصر الديمقراطية وليست الإسلامية...‏

كاتب ومدير معهد الدراسات الإسلامية في جامعة أكستير‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية