تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ســـــريرك الأخضــــر.. أرجوحــــة الحـــــزن

ثقافـــــــة
الاثنين 19-3-2012
ديب علي حسن

عذراً نزار.. سريريك الأخضر.. صار بلون الدم.. بياض الياسمين أحمر قانٍ، أعراب النفط وعبيد الدولار.. خرجوا من تحت عباءة الذئاب.. كشروا عن أنيابهم... دمشق الجرجير والحبق وزهر اللوز والتفاح..تذبح بسيوفهم التي لم تشهر لكرامة، ولا لثأر..

وحوش كاسرة اغتالت الشعر والأدب والجمال.. دمشق مهدك وسريرك وحبك.. دمشق نسغك ولونك وملاذك اليوم حزينة، حزينة لكنها لن تنكسر، لن ينحني ياسمينها.. أشلاء شهدائها ستبعث ألف ربيع، وزقاق مصنع الحلويات حيث كانت السكاكر تملأ يديك سيبقى، يحمل عبق التاريخ والحضارة...‏‏‏

نزار من رحم دمشق ولدت، وإليها عدت، ولها أبدعت، وهي التي أهدتك شارعاً كما تقول، هو أجمل الشوارع وأجمل مكان، دمشق، مهرجان الماء والياسمين.. تستحضرك اليوم كما كل يوم، تستحضر رؤاك: المهرولون، متى يعلنون وفاة العرب، يا تونس الخضراء، لاتسافر بجواز سفر عربي، وتعلن «الترصيع بالذهب على سيف دمشق» معلقة على جدار قاسيون.. دمشق سريرك الأخضر سيبقى توءم الدهر وصنو المجد..‏‏‏

دمشــــق تهدينــــــــي شـــــــارعاً.. وهــــو أجمـــــل بيـــــت أمتلكـــــــــه علـــــى تــــــراب الجنــــــة‏‏

قبل عام من رحيله، أهدته دمشق شارعاً، سمي باسمه، وكانت ردة فعل الشاعر هذه المقالة الجميلة:‏‏

السكنى في الجنة... ‏‏‏

والسكنى في دمشق... ‏شيء واحد... ‏‏‏

الأولى تجري من تحتها الأنهار... ‏‏‏

والثانية تجري من تحتها القصائد والأشعار... ‏‏‏

وأخيراً شرّفتني المدينة التي خرجت من رحم ياسمينها، وسقتني من ماء ينابيعها...ووسدتني على ريش حمائمها.. وأطعمتني فتافيت الذهب، وفتافيت الشعر.. وفتافيت الصبابة.. ‏‏‏

وعلمتني أبجدية الكلام الجميل.. والطيران الجميل.. ‏والتحليق الجميل على أكتاف الدمشقيات. ‏‏‏

وأخيراً وجدت بيتي في الجنة... ‏‏‏

وجدته على هذه الخريطة الخرافية للعبقرية الشامية السورية، التي أقدمها لكم.. ‏‏‏

وجدته متكئاً على صدر جبل قاسيون ‏حيث يسكن الصفصاف، والمشمش، والخوخ. ‏‏‏

وأعرق الشعراء من عبد الملك بن مروان حتى اليوم.. ‏‏‏

خريطة العبقرية الشعرية الشامية ‏تنحدر من اعالي جبل قاسيون حتى سفوح نهر بردى، حيث كانت اقامة كبار الشعراء العرب أذكر منهم: ‏الخليفة عبد الملك بن مروان، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والشاعر خليل مردم بيك، والجاحظ، والشاعر محمد البزم، ومحمد كرد علي، والأمير شكيب أرسلان. ‏‏‏

أحد شوارع دمشق، يتسمى باسم نزار قباني، ‏ الشاعر الذي طلع من تراب دمشق، وكان جزءاً من تاريخها الشعري والثقافي، ونقل بياض ياسمينها وعبق تفاحها، وأزهار مشمشها ‏إلى كل زاوية من زوايا الكرة الأرضية... ‏‏‏

فيا أيها الواقفون أمام الشارع الجميل الذي يحمل اسمي ‏في (حي أبي رمانه) تذكروا.. ‏‏‏

أنني كنت يوماً ولداً من أولاد هذا الشارع، لعبت فوق حجارته، وقطفت من أشجاره.. وبللت أصابعي بماء نوافيره.. ‏‏‏

تذكروا انه كان أبي وامي ووطني وقصائدي التي طارت ‏كحمام الشام من المحيط الى الخليج... ‏‏‏

الرسم الجميل يرسمه الرسامون الدمشقيون، والورد الجميل، يزرعه مزارعون دمشقيون، والقومية العربية.. تصنعها السيوف الدمشقية.‏‏

نزار قباني‏‏

لندن، قبيل عام ونيف من وفاته‏‏

d.hasan09@gmail.com ‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية