تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


متعـــــــــــب بعروبتـــــــــــي

ثقافة
الاثنين 19-3-2012
أحمد بوبس

(أنا ياصديقة متعب بعروبتي) عنوان قصيدة رائعة لنزار قباني. عنوان يجعلك تتأمله ملياً. هل يمكن لنزار قباني أن يتعب بعروبته،

وهو الذي إذا حللنا دمه في مختبر فلن نجد فيه إلا دمشق العروبة. بالتأكيد نزار قباني لايقصد المعنى المباشر لعبارة (متعب بعروبتي)،‏

وإنما هي إشارة واضحة الدلالة إلى الوضع السيىء الذي وصلت إليه الأمة العربية عند كتابته القصيدة عام 1980. إنه يرثي حال الأمة العربية التي تحولت إلى قبائل وعشائر متقاتلة، وهو يرى الهزيمة تلو الهزيمة تلحق بأمته:‏‏

ياتونس الخضراء كأسي علقم‏‏

أعلى الهزيمة تشرب الأنخاب‏‏

نزار قباني في قصيدته هذه يصب جام غضبه على الحكام العرب، وعلى النفط العربي الذي جاء وبالا ونقمةً على الأمة العربية بدل أن يكون خيراً ونعمة. فالفقر حل مكان الغنى إلا عند حفنة قليلة من الحكام وأعوانهم ومحظياتهم:‏‏

في عصر زيت الكاز يطلب شاعر‏‏

ثوباً..... وترفـل بالحـريـر قـحاب‏‏

ولا ينسى نزار قباني أن يصب جام غضبه على أنور السادات الذي دشن عصر الانهيار العربي باتفاقية السلام مع اسرائيل (اتفاقية كامب ديفيد). هذه الاتفاقية التي أخرجت مصر من معركة المواجهة مع العدو الصهيوني، وهي التي كانت قائدة النضال العربي أيام الزعيم جمال عبد الناصر:‏‏

ماهذه مصر فإن صلاتها‏‏

عـبرية... وإمامها كـذاب‏‏

في كل ذلك لايمكن لنزار أن ينسى دمشق التي يسري ماؤها في شرايينه، ويتنفس من هوائها ويشم شذاها أينما كان بقاع العالم. ودمشق قلب العروبة النابض بل هي العروبة:‏‏

ودمشق تعطي للعروبة شكلها‏‏

وبأرضـها... تتشـكل الأحـقاب‏‏

نزار قباني كان في قصيدته (أنا ياصديقة متعب بعروبتي) ثورة متفجرة على الواقع العربي المخزي. ولكنه وسط هذه الثورة يجد أو يوجد فسحة لغزله الرقيق. فهو يبدأ القصيدة سائراً على منوال الشعراء العرب بافتتاح القصيدة بالغزل:‏‏

أين اللواتي حبهن عبادة‏‏

وغيابهن وقربهن عذاب‏‏

ويأس نزار قباني ليس مطلقاً ففي نفسه دائماً فسحة من التفاؤل في المستقبل في الأطفال الآتين. هذا مالمسناه في قصائد كثيرة مثل (هوامش على دفتر النكسة) وغيرها. وفي نهاية هذه القصيدة (أنا ياصديقة) يتفاءل أيضاً بنهضة عربية تشق التربة العربية المتصحرة ليزهرغد:‏‏

ولقد تطير من العقال حمامة‏‏

ومن العباءة تطلع الأعشاب‏‏

هذه القصيدة الرائعة ألقاها نزار قباني في مقر الجامعة العربية في تونس عام 1980، بمناسبة احتفال جامعة الدول العربية بمناسبة مرور خمسة وثلاثين عاماً على تأسيسها.‏‏

هذهِ الشامُ أم أنا المجنونُ؟‏‏

في هذه القصيدة, يشمخ «نزار قباني» على قلمه فتشمخ دمشق على القلم. دمشق التي جنَّ بها حدَّ وقوعهِ أسير عشقها, بل أسير التوق إلى ذكرياته معها, وبما ألهمه أن يحاكيها بعناقٍ دافئ البوح وقادر على قلبٍ الدهرِ بسطوةِ سطوعها الشعري..‏‏

شامُ يا شامُ يا أميرةَ حبّي‏‏

كيف ينسى غرامهُ المجنونُ؟‏‏

أوقدي النارَ فالحديثُ طويلٌ‏‏

وطويلٌ لمن نحبُّ الحنينُ‏‏

كتبَ اللهُ أن تكوني دمشقَ‏‏

بكِ يبدأ وينتهي التكوينُ‏‏

هذه هي دمشقُ الوطن, وما أدراك ما الوطن في ضمير القصيدة, بل ما دمشق, في ضمير الشاعر «نزار قباني».. إنها الهواء الذي أعانهُ على زفيرِ شعرٍ كان بحجمِ عشقه لها.. إنها شراشفُ الدفءِ ناصعة الأمومة وعبق الطفولة وأحلامها.. إنها الحب الذي عربش على قامته مثلما قافيته, ليضمه ومن ثمَّ يهمس بعدها:‏‏

كم قُتلنا في عشقنا وبُعثنا‏‏

بعدَ موتٍ وما علينا يمينُ‏‏

يا سريري ويا شراشفَ أمّي‏‏

يا عصافير, يا شذا, يا غصونُ‏‏

يا زواريب حارتي خبِّئيني‏‏

بين جفنيكِ فا لزمان حنينُ‏‏

هل دمشق كما يقولون كانت‏‏

حين في الليلِ فكَّر الياسمينُ؟‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية