تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هوامشه.. على دفتر النكسة

ثقافة
الاثنين 19-3-2012
فاتن دعبول

لم تكن المرأة والعشق والجمال هاجس شاعرنا الكبير نزار قباني وحسب، كما كان يتهم دائما، بل نراه يخرج إلينا بحلة جديدة يلتزم فيها قضايا أمته العربية وهمومها، وقلما نجد مدينة عربية لم يكتب فيها شعراً جميلاً،

لكن نكسة حزيران والهزيمة العربية الكبيرة، التي عاشها العرب، شكلت لديه صدمة كبيرة، ونقطة تحول في موقفه الشعري من شعر قضية المرأة إلى الشعر السياسي، ومن شاعر غزل إلى شاعر ثائر، تلك النكسة جعلته يقدم قصائد تنتقد الحكام العرب بشكل كبير، ويبالغ في وصف الهزيمة وتأنيب الضمير العربي، وهذا نابع بالطبع من قسوة الأحداث وشدة الصدمة، وهذا ما نجده بشكل واضح في قصيدته «هوامش على دفتر النكسة» حيث امتزج فيها الفكر مع العاطفة مع الغضب، لأنه أراد أن يكون الشعر سلاحاً في حد ذاته يقول:‏

يا وطني الحزين‏

حولتني بلحظة..‏

من شاعر يكتب شعر الحب والحنين‏

لشاعر يكتب بالسكين‏

أن ما نحسه‏

أكبر من أوراقنا‏

لا بد أن نخجل من أشعارنا...‏

كان نزار قباني شاهداً على كثير من الأحداث التي حلت بالوطن العربي، فهو يعترف بالهزيمة في نكسة 1967 لأننا لم نكن جاهزين للحرب، ولأننا لم نعد العدة، فالحرب تحتاج إلى عزيمة وإصرار، لا أن ندافع عن حقوقنا بالهتافات والصراخ يقول:‏

إذا خسرنا الحرب.. لا غرابة‏

لأننا ندخلها‏

بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابه‏

بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة‏

لأننا ندخلها‏

بمنطق الطبلة والربابة‏

وقد أحزنه الانفصال والتخلي عن الوحدة، وربما هذا ما أضعف العرب وقادهم إلى الهزيمة:‏

لو أننا لم ندفن الوحدة في التراب‏

لو لم نمزق جسمها الطري بالحراب‏

لو بقيت في داخل العيون والأهداب‏

لما استباحت لحمنا الكلاب...‏

ويغضب الشاعر من جيله الذي ألف السكوت على الهوان فتمنى أن يكون هناك جيل في المستقبل يستطيع أن يغير أحداث التاريخ ويحول ذل الهزيمة إلى نصر أكيد:‏

نريد جيلاً غاضباً‏

نريد جيلاً يفتح الآفاق‏

وينكش التاريخ من جذوره‏

وينكش الفكر من الأعماق‏

لا يغفر الأخطاء، لا يسامح‏

لا ينحني، لا يعرف النفاق‏

نريد جيلاً..رائداً..عملاق‏

ولكن رغم كل ما ورد في شعره من تأنيب للعرب الذين تقاعسوا عن رد العدوان، إلا أن الأمل كان حاضراً في قصائده يقول:‏

يا أيها الأطفال‏

من المحيط للخليج، أنتم سنابل الآمال‏

وأنتم الجيل الذي سيكسر الأغلال‏

ويقتل الأفيون في رؤوسنا..‏

ويقتل الخيال..‏

يا أيها الأطفال‏

يا مطر الربيع، يا سنابل الآمال‏

أنتم بذور الخصب في حياتنا العقيمة‏

وأنتم الجيل الذي سيهزم الهزيمة‏

هذه القصيدة، وغيرها العديد، استطاع شاعرنا من خلالها أن يعبر عن وجدان كل مواطن عربي يبحث عن الحرية، ويتوق إلى الانعتاق من ذل الضعف والهزيمة إلى النصر والتفوق على الأعداء...‏

فاستطاع بحق أن يكون شاهداً على عصره بكل ما يتميز به حب لوطنه ولقضيته، ولانتمائه لعروبته فكان بحق الشاعر الثائر الذي جعل من دمه مداداً لكلماته..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية