|
معاً على الطريق أعيادنا سترجع.. وسيعود الذين سافروا ذات ليل طويل من أجل أن يبزغ الفجر على البلاد الحزينة.. قد تتأسى الأمهات الصابرات.. وقد يصنعن كعك عيد الأم..ولكن قد يبرد الكعك ولا يعود الأحبة.. فصبراً أيتها الأمهات، أنتن تناضلن أيضاً وتجاهدن في سبيل الوطن.. لكن كيف سنعتذر من دموعكن وانتظاركن القاهر الحزين.. فالأبناء الأبطال سافروا.. وقد يطول السفر.. لا تخبئن لهم الكعك ولا الثياب الصوفية..ولا تبكين كثيراً.. فدموع الأمهات تجرح الشهداء..ازرعن لهم الورد واحتفظن بأرقام هواتفهم (كما قال الباحث السوري شادي أحمد) قد يتصلون ذات يوم ويسألون عن الوطن. .................. أعيادنا التي أطلق عليها الهمج والرعاع الرصاص ستظل أعيادنا السورية..أعياد الخصب والأبجدية الأولى.. نحن الذين نزرع الورد والأعياد والحضارة..وهم يزرعون القتل والتخلف والفتنة.. وأمهاتنا السوريات هن الأرض.. وهن البلاد الأبية.. وهذا المجد والورد لهن.. ولهن ثياب أبطال مضمخة بدماء طاهرة..ولهن الرايات والعيد... فبأي حزن تدق يا عيد؟ ............... كثيرات هن الأمهات اللواتي سيغلقن الباب في وجه العيد.. يا عيد الأمهات لا تزعل.... فلا تزال الدماء تجري، ولا تزال الغيمة السوداء تحوم فوق البيوت القابعة في الحزن.. ولا نزال لا نصدق أنّ هذا دمنا الذي يغمر الزمن والذاكرة.. وأنّ هذا وطننا الذي تمتد إلى جنباته يد الخيانة والغدر.. ......................... أما أمي التي غابت منذ سنين فهي لا تزال تزرع الحقول النائية في الأفق البعيد ولا تلتفت إلى صوتي.. مع ذلك كل يوم أخبرها عن الشهداء وعن الدماء التي تجري في الأنهار، وعن العشب الذي يشرب دمنا وعن العربان الذين يأكلون لحمنا نيئاً..ولكن أمي لا تصدق.. ولا تقنع أن العاصي ينزّ دماً.. وما صدقت أني لا أقدر أن أزور قبرها وأضع عليه الورد، فالورد للشهداء..الورد لهم والمجد لهم..قد يعودون يوماً ويسألون ماذا حلّ بالبلاد التي رووها بدمهم؟ ............................. أعيادنا..؟ كأننا نسينا الأعياد، ولكن ما نسينا سارية وساري والياس وخالد وعلي وخضر وياسر ومحمد.. و .. آلاف الأسماء وآلاف الأمهات المفجوعات في العيد.. والعيد يعني فلذة كبد تدق الباب.. وأم تفتح.. فينفتح باب الحياة وباب الفرح.. ولكن بترولهم سلبنا أولادنا. وكراسيهم المنخورة سرقت أعيادنا، أما عقولهم الغبية فصدقت أنهم خالدون طالما هم يشربون دمنا.. هؤلاء هم إخواننا العربان.. يسيرون في المخطط الغربي.. وينحنون لشايلوك العصر الجديد.. فيأمرهم بذبح الأمهات أمام أبنائهن.. واغتصاب البنات أمام آبائهن. ليكتبوا بدم الأطفال الرضع المشطورين (من هنا مرّ المج). ومن هناك جاء المخطط.. ومن هاتيك الصحاري.. جاء التخلف والغدر والبارود. وهنا بكت الأمهات.. فكان ورد القبر وردهن، ورصاص العربان كانت هديتهن.. مع ذلك.. يصرّ الأعراب أن يبكوا علينا إلى الحد الذي يملؤون فيه صدورنا بالرصاص. ............................. ولكن.. ستعود أعيادنا..ولن تضلّ الطريق طويلاً فنحن السوريين نعرف كيف نداوي جراحنا ونتعالى على الفتن، ونعرف كيف نقدس الأم وكيف نمجّد ابنها الشهيد ونعرف كيف نحافظ على وحدتنا وإخوتنا ونبني وطننا..فليكن عيد الأم هذا العام عيد المحبة والعطاء والبدء..عيد المرأة التي ضحت وعيد الوطن الذي سنعيده إلى أمانه ومجده وروعته.. صحيح أن صوت الرصاص ما زال يخردق الهدوء. ويشوش علينا الرؤيا.. وصحيح أن الجراح لا تزال تنزف.. ولكن هذه سورية.. يجب أن تعود البلاد الجميلة إلى تألقها..وإلى عنفوانها كي تبتسم الأمهات الحزينات، ولكي تعرف الأعياد كيف تعود إلينا وكيف تدق أبوابنا من جديد، لعل الذين غابوا يسألون عن حال البلد والأهل فنقول لهم: دمكم لم يذهب هدراً.. دمكم أعاد لنا الأعياد والبلاد، فالمجد لكم..والمجد للأم في عيدها.. المجد لسورية الحبيبة الحزينة. |
|