تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أدب ما بعد القيامة نبشركم بمستقبل بدائي

ملحق ثقافي
26/1/2010
المؤلف:تشاد هارباش/ ترجمة: دلال ابراهيم:

في أدب ما بعد القيامة الحالي يتشابه المستقبل مع الماضي بصورة غريبة،‏‏

كما لو كان محكوماً على الإنسانية العودة إلى العهد ما قبل الصناعي. بدأ هذا النوع من الأدب مع رواية «الرجل الأخير» للكاتبة ماري شيلي، والصادرة عام «1826». في الرواية، يهلك الطاعون أعداد هائلة من البشرية ويتسبب في حالة حرب دائمة.‏‏

‏‏

وسيبقى الوباء العنصر المسبب للهلاك في خيال ما بعد القيامة، لغاية اختراع القنبلة الذرية. ولكن وخلال الفترة الممتدة ما بين اختراع الآلة البخارية عام 1784 وبداية الحرب الباردة، لم تكن الرؤى المخيمة على عالم الخيال العلمي هي رؤى عن نهاية العالم، وإنما هي رؤى، كما نلاحظ في رواية «نحن الآخرون - الأفضل في العالم أو 1984» عن حضارات تكنولوجية تتطور نحو نظام تحكم اجتماعي مطلق. ولم يكن يتخيل زامياتين وهوكسلي وأورويل أنه سيأتي يوم لا يتم فيه تصنيع الأحذية التي تسحق وجوه الناس وأن تحتل لها موقعاً يفوق الأسلوب القديم، وهو الحجارة.‏‏

ومع إلقاء القنبلة الذرية فوق مدينة هيروشيما، عادت من جديد لتحيا تلك الفكرة التي تتحدث عن مستقبل معدم ووحشي. وفي رواية «الضفة الأخيرة» للكاتب نيفيل شوت عام «1957» إلى رواية «فيسكادورو» عام «1985» تطورت فكرة مستقبل بدائي أكثر من الماضي، بالتوازي مع غد أكثر تطوراً على الصعيد التكنولوجي.‏‏

وترتكز معظم روايات الخيال العلمي على تخيل شكل من الحاضر المستفحل، من خلال الجمع بين مختلف التقنيات الموجودة والاستقراء من خلالهم «قارئMP3 في الدماغ”، لكي يشيروا عبر ذلك إلى الآثار البسيكولوجية والسياسية لهذا الحاضر. أما رواية ما بعد القيامة، فقد سارت عكس ذلك، حيث نحت قارئ MP3 وكل شيء آخر تقريباً، لتعمل على تحرير العنف الكامن داخل هذه التكنولوجيا، وفتح احتمالات إساءة استخدامها “وعدوها الطبيعة” بغية خلق عالم متغير، ميزته الأساسية، هي عدم القلق من التكنولوجيا. الأمر الذي ورط عالم من البشرية مجبولة بالآلام والبربرية. ولا يعزز هذا المستقبل الحاضر، بل إنه يتعارض معه.‏‏

ماذا سيحدث لو لم نكن نع يش في عالم مكتظ بالسكان ومشبع للتخمة بالتكنولوجيا، وحيث التنقل بالمشي يعتبر غريباً وشاذاً، وحيث الدولة هي الوحيدة المخولة استخدام العنف؟‏‏

‏‏

لفترة غير بعيدة، كان هذا العالم مجهولاً من قبل الأميركيين والأوروبيين. كانوا في القرن التاسع عشر يعيشون في ظل عصر ما قبل البترول، وكانوا ينتمون إلى التاريخ، كما صار ينتمي إليه أكثر فأكثر إنسان القرن العشرين، مع حصوله على النفط بأسعار رخيصة وقدرته على التنبؤ المناخي. والآن، وقد استنفدنا ما يقرب من نصف احتياطي النفط الموجود، لم يؤثر هذا الاستهلاك الكبير على توازن الكوكب، ويخشى أن يكون مستقبلنا مثل ماضينا، لا بترول فيه ولا تقانة موجودة، تقريباً، وحتى دون الكثير من الضمانات الاجتماعية المفيدة لنا. وهكذا أيضاً يخشى أن تصبح الرواية التي تدور حول المستقبل الكارثي البديل عن الرواية التاريخية.‏‏

في عام 2007 صدرت رواية Jamestown للكاتب ماتيو شارب، وتنطلق الرواية في بداية سردها للأحداث من صورة رجال مدججين بالسلاح يغادرون مانهاتن بواسطة حافلة بعد انهيار بناء كريسلر وخوض حرب مع بروكلين، من أجل السيطرة على المصادر الطبيعية، التي فقدها الطرفان على حد سواء. وخلفت الحرب والانهيار البيئي، خارج حدود المدينة، عالماً مفككاً، حيث أبيد نصفه. وينطلق هؤلاء الرجال في حملة بحث ضالة عن الوقود، لتنتهي بهم هذه الحملة إلى فيرجينيا، إلى مستعمرة غريبة، تسكنها قبيلة شرسة من “الهنود” تعيش في ظل نوع من الرفاهية، ويبدو عليها أنها متعددة الاثنيات والأعراق، وقد تبنت هذه القبيلة العادات الأميركية- الهندية، بغية المحافظة على بقائها واستمراريتها. والشخص الأكثر شعبية وجاذبية في هذه القبيلة، هي فتاة، اسمها “يوكاهوتناس” أما زعيم أفراد مانهاتن فكان يدعى جون سميث. المستقبل هو الماضي.‏‏

الناجون يصطادون الدجاج والأرانب‏‏

ينطلق الكتاب من خلال مبدأ مساواة الماضي مع المستقبل، دون الخروج من الحاضر. ومن العبث قراءة رواية Jamestown بغية معرفة كيف سيكون شكل غدنا، أو كيف كان شكل مستعمرة Jamestown عام 1607. وكذلك من العبث البحث فيها عن أي حدس عن هذا المستقبل، على نقيض رواية “ضجيج الخلف” للكاتب دون ديليلو “1985” ورواية “الأسماء” عام “1982” اللتان تبدوان، كما لو كانتا هواجس لاعتداءات 11 أيلول. ومع ذلك، فإن رواية Jamestown كانت صادقة في الاعتراف باستحالة إنجاز المهمة الموكلة إليها: وهي وصف مستقبل لن نعرف كنهه إلا بعد أن نعيش فيه.‏‏

في الواقع، إن الكاتب الوحيد الذي أخذ على عاتقه مهمة كتابة سيناريو غدنا الكارثي، هو الكاتب جيمس هوارد كنستلر، الذي كتب سبع روايات، أشهرها رواية “نهاية البترول: التحدي الحقيقي للقرن الواحد والعشرين” وهو كتاب يدور حول الذروة النفطية وعواقبها. في نهاية كتابه يستعرض كنستلر المناطق الأميركية واحدة تلو الأخرى، ويقيم مدى فرص بقائهم واستمراريتهم في الحياة بعد انتهاء العصر النفطي. ومن وجهة نظر الكاتب، يعتبر الانطلاق من الجنوب الأميركي لبدء حياة جديدة سيئاً، نظراً لأن المرء لا يمكنه فيه التنقل عبر سيارة، وحينها لن يكون هناك سيارات، ناهيك عن التوترات العرقية ووجود سكان مدججين بالسلاح. وكذلك الحال بالنسبة لمنطقة الجنوب الغربي، فهذه ستكون تعاني من النقص في مياه الشرب والري، كما ولا يوجد فيها طاقة رخيصة الثمن من أجل تشغيل أجهزة تكييف الهواء. ويعتبر كنستلر، أن المدن الصغيرة في شمال شرق وشمال والغرب الأوسط، لديها فرص أكبر للمحافظة على مجتمع مقبول نوعاً ما وصالح للعيش ولو أنه سيضطر لأن يرزح في ظل حرارة شديدة ناجمة عن الاحتباس الحراري. وهنا سيمتلك السكان أراضي صالحة للزراعة، ولا زالوا يحتفظون في ذاكرتهم بكيفية العمل بها، وأيضاً يحتفظون ببقايا بنى تحتية، يعود تاريخها إلى ما قبل العصر النفطي. ونظراً لكونها بعيدة عن المراكز الحضرية الكبرى والتي من المؤكد أنها سوف تنهار، يرى كنستلر، وفق تحليله، أن هذه المدن ستكون بمنأى عن الجحافل الحضرية، والتي سوف تشتبك مع بعضها البعض، حال نضوب مضخات الوقود.‏‏

وفي رواية “عالم مصنوع يدوياً” يحول كنستلر هذا السيناريو إلى رواية. ولكن، نحن الآن في حضرة عام 2040 على وجه التقريب، حيث أصبح العالم بسبب الشح في الموارد البترولية في حالة فوضى مستفحلة، والقنابل النووية أصابت واشنطن ولوس أنجلوس، وربما غيرها من المدن، ومن الصعب أن نعرفهم، بسبب عدم وجود شبكة انترنيت أو تلفزيون أو هاتف أو صحف كذلك، بالإضافة إلى أن الحكومة الأميركية ليس لديها سلطة فعالة. وبسبب عدم وجود آلات إنتاج أدوية، ينتشر مختلف أنواع الأنفلونزا وأمراض أخرى ويُهلك ملايين الأشخاص وربما مليارات البشر بسببها.‏‏

ما يهم كنستلر هنا، هو المجتمع الذي سيتم بناؤه بعد الكارثة أكثر من الرعب المخيم فوق هذا العالم. ولهذا يضع أحداث روايته في المكان الأكثر مثالية، والذي هو عبارة عن مدينة صغيرة، تقع في شمال ولاية نيويورك تدعى اتحاد غروف، التي تستطيع أن تؤسس لأسلوب حياة مؤقت، عقب نجاتها من الضربة الموجعة للصدمة النفطية، وترتكز هذه الحياة الجديدة على نموذج ما قبل الكهرباء. ولأن نصف السكان قد هلكوا، فإن الباقين، الناجين ينصرفون إلى زراعة بساتينهم والصيد وتربية الدجاج والأرانب. باختصار، ووفقاً لكنستلر، إن تكنولوجيا الغد، هي تكنولوجيا هنري ديفيد ثورو.‏‏

اللغة تنتقل عبر الأجيال ويحتفظ بها‏‏

الذروة النفطية يمكن أن تكون أو لا تكون الأسوأ ضمن مجموعة همومنا على المدى القصير، كما وأن عالم 2040 يمكن أو لا يمكن أن يشبه ما وصفه كنستلر في كتابه. بيد إن رواية “عالم مصنوع يدوياً” تصور لنا ما يمكن أن يكون عليه غدنا، كغد معقول، وهو مزيج من نيو إنغلاند، خلال القرن التاسع عشر “في التقنيات الزراعية، والتنظيمات الاجتماعية” ومنطقة أقصى الغرب، والذي ينتمي إلى نفس العصر “في فقدان الأمن والفوضى”. والأكثر ترويعاً هنا، ليس القنابل الذرية ولا الأوبئة، وإنما الخوف من المياه الملوثة وفكرة اقتلاع سن من دون تخدير، وإمكانية أن تقتل في أي لحظة على يد مختل يعلم أنه سيفلت من العقاب، بسبب عدم وجود سجون. وقد شكل المستقبل المنهجي والمعقد اجتماعياً، على حد سواء سرداً تاريخياً جيداً لكنستلر، ويمكننا أن نقرأه فنشعر بالرعب والرهبة التي شعر بها الأميركيون قبل عصر النفط رخيص الثمن أو ربما بعده.‏‏

ونظراً لأن رواية ما بعد القيامة تنظر إلى الخلف، فهي تسقط بكل سهولة في الخطوات الرئيسية للرواية التاريخية. وتبرز لنا رواية Jamestown الشرك الأول بشكل جزئي، أي الخطورة المزيفة التي يضفيها الكاتب على موضوعه. وهكذا فإن الكاتب يعلن عن جديته من خلال تطرقه لموضوع المحرقة أو هيروشيما أو حروب الانفصال الأميركية أو اعتداءات 11 أيلول. أما معالجة هذا الموضوع فيمكن أن تكون جدية أو لا تكون ولكن يكون الموضوع قد فرض نفسه. وحالياً يمكن للعديد من الروايات أن تنحوا نفس المنحى في تطرقها للمستقبل، أي أنها تسعى إلى استهداف الخطر، ليس عن طريق الرجوع إلى أحداث الماضي، بل ذكر أزمات المستقبل.‏‏

والعقبة الأخرى تتعلق بالسجل المعجمي. إذ وبدلاً من التعامل مع اللغة الحالية، غالباً ما يلجأ أدباء الرواية التاريخية إلى لغة وبناء جمل عفا عنها الزمن، وهي تنتمي إلى لغة أعوام السبعينات أو عام 1830. وهذا الجانب يعتبر طرازاً أدبياً قديماً. ويحدث أن يقع أدباء رواية ما بعد القيامة في هذا الشرك. وعلى هذا النحو فإن الشخصيات والراوي لدى كنستلر يعبرون بلغة ريفية خاصة بلغة المعارضة لرواية التربة خلال أعوام العشرينات. ويكمن الخطر هنا كذلك في الحنين إلى ماضي ومستقبل أكثر بساطة. أي بمعنى أن كنستلر كان على حق، فنحن لا يمكننا أن نتكلم عن مستقبل مدمُر بيئياً وعن عصر ينتمي إلى ما بعد النفط كما نتكلم اليوم. ولكن إن كان، في بعض الأماكن، قد أعادوا تشكيل الحياة على طراز مجتمعات زراعية صغيرة في القرن التاسع عشر، فإننا سوف نبنيه ونحن نحتفظ بذكرى مشوشة عن مطلع القرن الحادي والعشرين. في الواقع، إن اللغة التي نتكلم بها اليوم يمكن أن تكون هي الأكثر قابلية للاستمرار والدوام، لأن اللغة لا تحتاج إلى آلة لكي تنتقل وتُحفظ. وإنما سوف تُضاف تعابير جديدة إلى قاموسنا مستوحاة من مفاهيم جديدة. والسؤال : كيف سيكون شكل لغتنا المستقبلية ؟ في مطلق الأحوال لن تشبه لغة المعارضة لدى ستاينبك، أو لغة اكزاليبور.‏‏

وضمن روايات ما بعد القيامة الحالية ترد رواية “الطريق” في سلم الشهرة، للكاتب كورماك مكارثي الصادرة عام “2006” لا أحد في الرواية يتكلم، وعندما يتكلم أحد ما، فهذا لكي يقول “موافق” وهو متجهم الوجه. وحتى الآن ينهل مكارثي من الماضي الأميركي لكي يعثر فيه عن عوالم قبلية متعطشة للدماء. وفي رواية الطريق نعثر لأول مرة عن العنصر المناهض للحداثة في صيرورة المستقبل الأميركي. ومن الصعب إدراك سبب هذا التغيير، ولكن نظن أن أحداث 11 أيلول هي وراء هذا التغيير. إن القيامة في رواية الطريق هي حرب نووية شاملة.‏‏

أفسح الفجور اللفظي في رواية ميريديان الدم “1985” المكان للنثر الضنين للبطل لدى همنغواي، والذي يعرف دوماً ماذا يفعل بيديه. بطل رواية الطريق هو من النوع البشري القادر على الإمساك بعشرات السنين عقب الحريق، وهذا ما فعله. في بداية الرواية، لا أثر لكائنات حية غير بشرية، حيث هلك جميعها، ورماد الشتاء النووي يحجب قرص الشمس، زوجة البطل انتحرت، أما ابنه فقد أصبح أشقر وضعيفاً، ونغفر له افتقاده لحس الدعابة بسبب تضوره من الجوع. لم يتعرف على عالم آخر سوى عالم مدمر وملوث. الرجل وابنه يمشون باتجاه الجنوب إلى البحر، ليس لأن ثمة شيء سيجدونه هناك “فالبحر قد مات أيضاً” وإنما لأنهم بحاجة إلى وجهة يتجهون صوبها، والرحلة البحرية الطويلة، هي في ظاهر الأمر عنصر ضروري لمكونات رواية ما بعد القيامة الجديدة. والناجون الآخرون في رواية الطريق، حافظوا على بقائهم من خلال انتمائهم لعصابات أكلة لحوم البشر، ولكن الوالد وابنه، ومن مبدأ أخلاقي ابتعدوا عن أكل لحوم البشر. وأسطورتهم في القوة هي أنهم يحملون سلاحاً، ولكنهم يفتقدون لأي خيال. الأب وابنه يعثرون على بضعة نقاط زيت محرك يوقدون بها قنديلهم، إنهم آخر نماذج الإنسان النفطي، وتبقى رواية الطريق أكثر ألفة لنا بما تحمله من صور ودلالات.‏‏

إن نهاية العالم لدى مكارثي هو كناية أيضاً عن نهاية الرواية. وإن كانت هذه الرواية هي الأفضل في سلسلة روايات ما بعد القيامة الحديثة، فذلك يعود إلى أن افتقارها للأدوات السردية وجد صداه في النظرة إلى عالم معدم كلياً. ويلخص لنا مكارثي المستقبل حيث نهاية الطبيعة يعني نهاية الفن والشخصيات والحوار والسياسة وتعقيدات العلاقات الاجتماعية، أي باختصار كل ما يجعل الرواية ممكنة وضرورية.‏‏

لماذا البحث عن تخيل هذا العالم المدمر المرعب ؟‏‏

جرى التنبؤ بنهاية الرواية منذ زمن بعيد، وهذه النهاية يأتي تفسيرها حسب شكلين : ثمة نهاية شكلية للرواية، أي فقرها بسبب نقص النهج أو مواضيع جديدة، وثمة نهاية تقنية للرواية، أي أن ثقافتنا المرتكزة على الصورة والتفاعل يقضي فينا على القدرة على القراءة المتأنية. وهي تذكرنا بأن نهاية الرواية يمكن أن تحدث بشكل آخر. تنهض صناعة الكتاب على تقنيات صناعية حديثة، إذ أن المادة الأولية لها هي من الخشب الذي يحول إلى عجينة، ومن ثم يتم نقله براً أو جواً إلى المكتبات، أما الكتب غير المباعة فيتم إعادة إرسالها براً ضمن حاويات قبل أن ترسل إلى محلات باعة تجار التصفيات.‏‏

تضاهي صناعة الكتاب النشاطات الاقتصادية الأخرى، في جميع نواحيها، بل تعتبر صناعة عالمية. فهي استهلاكية وناهبة، كما ويسيطر عليها، دوماً عدداً محدوداً من تجمع الاحتكارات. وفي إمكان أي كاتب نشر كتابه على صفحات الويب، ولكن ليعلم ويأخذ في حسبانه التكاليف البيئية المستحقة عن إنتاج كل حاسوب وليعلم أيضاً أن أحداً لن يقرأ ما كتبه.‏‏

يزداد استهلاكنا للطبيعة بوتائر متسارعة، في الآن ذاته نحن مدركين لأبعاد ونتائج هذا الاستهلاك الجائر، وإن الخطر المخيم الذي تحدث عنه كنستلر وشارب ومكارثي لن يذهب بعيداً. حيث وخلال السنين القليلة المقبلة سوف نقرأ روايات تجري فصولها في مستقبل كارثي ومتدهور ومتضائل، كما وسوف نقرأ في العديد من الروايات أحداث غريبة، حيث الكرز يزهر ضمن ظروف غامضة خلال شهر كانون الأول، وحيث الشخصيات تدون أن الوقت يفتقر للتنظيم.‏‏

تكمن المشكلة في رواية ما بعد القيامة في تمييزها الوهمي بين ما نفعله وما سنفعله يوماً ما. إن الرواية لا يمكنها الاعتماد سوى على اللحظة الراهنة، وفي وصفها للكوارث ليس ثمة ما هو غريب أو افتراضي.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية