|
ملحق ثقافي كان الكاتب يحتاج سنة كاملة لينسخ أية مسودة على جلد خروف أو ماعز معدٍ بشكل خاص ثم يزين بالفضة أو الذهب. في منتصف القرن الخامس عشر، أنجز جوهانز غوتنبيرك إنجازاً عظيماً بتطوير وسائل جديدة للطباعة بشكل متحرك. أما اليوم فقد أصبح باستطاعة أيِّ قارئ أن يحصل على أي كتاب حتى ولو كان غيرَ متوفرٍ في السوق، وذلك باستخدام طابعةِ كتبٍ باستطاعتها طبع وتسليم كتاب بكامل مواصفاته من حيث المحتوى والتجليد والإخراج بدقائق معدودة.
بعضهم سماها الصراف الفوري للكتب، وبعضهم شبهها بجهاز بيع المشروبات السريع. المهم أن الاسم لا يمت إلى القهوة بصلة، فقط يعني السرعة في الإنجاز، حيث بإمكانها إخراج كتاب من ثلاثمئة 300 صفحة بغلاف عادي ملون بأربعة ألوان في ثلاث دقائق فقط بكلفة 3 دولارات أو أقل، ولا يزيد سعر الآلة عن خمسينَ ألفَ 50000 دولار، ولا تشغل مساحةَ أكثرَ من المساحة التي يشغلها مبردان لبيع المثلجات، لكن بإمكانها أن تحول أية مكتبة مطالعة إلى دارِ نشرٍ صغيرة. والنتيجة هي تطبيق لمبدأ «الطباعة حسب الطلب» ولكن من دون تدخل الناشر ومن دون الحاجة إلى مساحة معمل. تحت الطلب الشركة صاحبة الاختراع هي: شركة الكتاب فور الطلب «On Demand Book Co «ODB، وهي مملوكة من قبل المهندس مخترع الآلة جيف مارش Jeff Marsh ومن أحد الناشرين الذين توقعوا حدوث هذا التقدم جيسون إبستين، الذي كان يحاضر منذ 1999 بموضوع صعوبات النشر وتوقعاته بحدوث شيء مماثل، والشريك الثالث داين نيلر Dane Neller . استحقت هذه الآلة لقب أحسن مخترعات عام 2007. ويؤمن نظام تشغيلها «EspresNet» وصول مستحقات الناشر والمؤلف بقطعها مباشرة لحسابهم. كيف تعمل طابعة الكتاب الفورية؟ يستقبل الحاسوب الذي يدير الطابعة الكتاب بشكل ملف PDF ويقوم البرنامج الخاص بها بطباعة الصفحات على الوجهين وبنفس الوقت يهتم البرنامج الثاني بطباعة الغلاف بأربعة ألوان ليكون جاهزاً للف الأوراق التي طويت وألصقت بعناية وإتقان ثم يجري تقطيع الأطراف الثلاثة بحيث يخرج كتابٌ بغلاف عادي خلال دقائق. وتستعمل الطابعة أوراق الرسائل العادية بمقاس A4 أو A3، وحبراً عادياً وسائلاً للصق، وبإمكانها استقبال نسخة الكتاب الرقمية بسرعة وصول البريد الإلكتروني. ومن فضول القول إن عملية الوصول مباشرة للمستهلك تلغي تكاليف الشحن والمخازن ومرتجعات الكتب غير المباعة، وكذلك قلة الحاجة إلى العمالة، وتتماشى مع تلبية الطلب العالمي لملايين قوائم الطلبيات القديمة. هذه الظاهرة قد تخفض سعر الكتاب للمستهلك والمكتبات في المستقبل، كما تتيح عائداتٍ أكثرَ وأرباحاً أعلى للمؤلف والناشرين. بليك وميلفيل وديكنز أول طابعةِ كتابِ فورية ظهرت في 21 حزيران 2007 في المكتبة العامة للعلوم والصناعة والتجارة لمدينة نيويورك. وقد سُمح آنذاك لجميع الزائرين بتجرِبة الطابعة لطباعة الكتب ذات المُلكية المَشاعية مثل: مغامرات توم سوير لمارك توين، موبي ديك لهرمان ميلفيل، كورال عيد الميلاد لشارلز ديكنز، أغاني البراءة لوليام بليك. وعناوينَ مصنفةً في قائمة حقوق النشر مثل كتاب الأعمال التجارية لجيسون ستاين، والذنب الطويل لكريس أندرسون، ويجري التزود بمثل هذه الكتب من “تحالف المحتوى المفتوح OCA Open Content Alliance” «منظمة غير ربحية تحتوي في ذلك الوقت على أكثر من 200000 عنوان». كذلك عرضت هذه الطابعة في الوقت نفسه في مخزن لبيع الكتب في البنك الدولي في مدينة واشنطن، وأيضاً في مكتبة الاسكندرية في مصر. وجميع هذه الأماكن كانت تستعملها للاختبار فقط. توالى ظهور هذه الآلة في الولايات المتحدة ووصلت في نهاية عام 2007 إلى عدة مكتبات عامة بدءاً من نيوأورلينز وصولاً إلى سان فرانسيسكو، كما وصلت إلى كل من مكتبتي جامعة ألبيرتا وجامعة مشيجان. أما في أوروبا، فقد كانت لندن السباقة إذ وصلت إليها الآلة في أيلول 2008 لصالح شركة جديدة في السوق تطبع النسخ المفردة لخدمة الناشرين والمؤلفين. وقد تبنتها حديثاً مكتبات “بلاكويل” المعروفة في كل فروعها ببريطانيا. ما هي منافذ الحصول على العناوين الآن طابعة الكتاب الفورية EBM تستطيع طباعة أكثرَ من مليوني مؤلَّف من المُلْكية العامة ومن المصنفة ضمن حقوق النشر. وقد حلّت شركة ODB “الكتاب فور الطلب” التي تُعنى بإيصال الكتاب مباشرة إلى المستهلك، محل الحلقة المركزية غير الكفؤة التي لم تتغير منذ ظهور مطبعة غوتنبرغ. إن شركة “الكتاب فور الطلب” لها تحالف مع شركة “المصدر البرقي السريع Lightning Source Inc LSI” التابعة لـ “مجموعة إنجرام للكتاب IBG : Ingram Book Group « «الشركة الأكبر عالمياً لتوزيع الكتب بالجملة». المليون الأول من العناوين تحتوي شركة «المصدر البرقي السريع» التي انتقلت بمحتوياتها إلى عصر الرقمية أكثر من مليون عنوان من أكثر من 6500 ناشر. إن شركة «الكتاب فور الطلب» لها الحق في استعمال كل إمكانيات هذه الشركة وطباعة محتوى المكتبة من العناوين، حتى التي هي بانتظار موافقة الناشر. المليون الثاني من العناوين بالإضافة إلى ما سبق، إن «طابعة الكتاب الفورية» لها حق الدخول إلى أكثر من مليون كتاب من كتب المُلْكية العامة من خلال «تحالف المحتوى المفتوح OCA» «جهد متضامن بين مايكروسوفت وياهو وأدوبي وأرشيف الانترنت لإنشاء قاعدة معلومات رقمية للكتب غير الخاضعة لحقوق النشر التي جرى مسحها ضوئياً بدقة عالية»، وأيضاً عناوينَ من سجلات أخرى. ويتوقع لهذا المحتوى أن يزداد ازدياداً ملموساً كلما ازداد تبني نظام طابعة الكتاب الفورية من مخازن بيع الكتب ومكتبات المطالعة ومنافذ أخرى حول العالم. لماذا نحول الكتاب الرقمي إلى مطبوع بعد أن عرفنا كيف تعمل طابعة الكتاب الفورية وما هي أهدافها نتساءل لماذا تشتري جامعةٌ ما هذه المطبعة؟ تجيبنا إحدى المسؤولات في مكتبة جامعة مشيجان مولي كلينمان Kleinman Molly في مقابلة لها بتاريخ 19/2/2009: “نحن في مكتبة جامعة مشيجان نؤمن أن المستوى الرفيع مع الكلفة المعقولة هو جزء مهم في المستقبل الرقمي. إن طابعة الكتاب الفورية تساعد في ربط المستعملين لدينا مع المعلومات التي يريدونها، في الوقت الذي يرغبون وفي الشكل الذي يريدون. إن مكتبة جامعة مشيجان قد استثمرت استثماراً مهماً من خلال شراكتها مع غوغول ومن خلال جهودها الخاصة، في تحويل مقتنياتها المطبوعة إلى مجموعة رقمية. ومع كل هذا الجهد الجاري في الكتب المطبوعة إلى شكل رقمي، يمكن السؤال لماذا نستثمر في آلة تحول الكتاب الرقمي إلى شكل مطبوع؟ نحن نؤمن أن شكل الكتاب يختلف في علاقته بالاستعمال والمستعملين. في بعض الأحيان الكتاب الإلكتروني - الذي يمكن الوصول إليه في اي وقت وأي مكان مع سرعة البحث - هو ما نحتاجه. ولكن بنفس الوقت، الشكل المثالي للكتاب في نسخته المعدة بأناقة تساعد على تدعيم القراءة، ويساعد توفر الكتاب الفعلي في التذكير بممارسة القراءة كما بساعد على تنقل الكتاب من يد إلى أخرى”. ثم توضح المسؤولة: “أنهم في المكتبة الآن يستعملون هذه الطابعة لطباعة الكتب المفضلة من مجموعتهم الرقمية تحت بند “جاهز للبيع on sale” التي تبقى لديهم منها نسخة معروضة، أما بقية المجموعة الرقمية التي ليس لديهم منها نموذج فيمكن للأفراد الاتصال إلكترونياً مع المكتبة لتأمين نسخة مطبوعة أيضاً بوقت قصير.” وتتابع: “لديهم في المكتبة عدة خدمات من الممكن توفيرها بواسطة طابعة الكتاب الفورية مثل إعادة طباعة أي كتاب حر من الملكية الفكرية من مجموعات المكتبة أو من مصادر أخرى مثل أرشيف الإنترنت الخاص بالمكتبة والكتب المخصصة لصفوف الدراسة ومنشورات المؤتمرات والاجتماعات إلخ..” تجارب في التحول الرقمي إن تجربة جامعة مشيجان متعددة الوجوه، فهي من الثلاثة الأوائل في العالم الذين فتحوا موجوداتهم للفضاء الكوني الافتراضي «المكتبة العامة في سان فرانسيسكو، افتتحت موجودتها عام 1996. المكتبة الخاصة للفاتيكان في روما التي فتحت كتالوجها لروائع مجموعتها من المخطوطات والكتب. ثم جاء مركز الإعلام الجديد في جامعة مشيجان». وبعدها توالت الجامعات والمكتبات العامة في فتح محتوياتها إلى الفضاء الافتراضي الكوني قبل نهاية القرن الماضي ومع بداية القرن الحالي. وأتمت مكتبة جامعة مشيجان مشروعها الخاص بحيث أصبحت موجوداتها متاحة لكل المتصفحين في الفضاء الألكتروني خلال عام 2008. الحاجة إلى التحول الرقمي للكتاب ختاماً يجب أن نتذكر أن الإفادة من هذا الاختراع الفائق مشروطةٌ بتوافر التحول الرقمي للكتاب، لذلك نتمنى أن تعمم تجرية مكتبة الإسكندرية الرقمية إلى الجهات المعنية في الوطن العربي. مع العلم أن مكتبة الاسكندرية لم تبدأ في استعمال هذه المطبعة جماهيرياً بانتظار حل قضايا المحافظة على حقوق النشر في الدول العربية. |
|