|
كتب أوَّلاً وآخراً كل إبداع هوَ إمَّا وصفٌ لغوي أو تصوير فني كان النصُّ روائياً أو شعرياً؛ وصفٌ وتصوير فيه شيء من تحليل للنشاط الإدراكي لتجربة جمالية سواءً كان الكاتب حنا مينه أو محمد الماغوط, أو هؤلاء الشعراء الأربعة الذين فاز منهما اثنان بجائزة ملتقى قصيدة النثر في القاهرة وهما الشاعران السوريان خوشمان قادو عن ديوانه «انظر إليها كم أنت مرهق» وجوان تتر عن ديوانه «هواء ثقيل» , ومن ثمَّ الإشادة بشاعرين سوريين آخرين هما محمد دحنون عن ديوانه «تراتيل على حافة الخراب» وعماد الدين موسى عن ديوانه «حياتي زورق مثقوب». هذا التصوير أو الوصف عندما يصدر عن عقلٍ جمالي وليس عن عقل قبيح مسكونٍ بالعداء لكل مبدعٍ إلا نفسه هو مايبقى وما يخلد, لأنَّه مولود من فيض الإثارة النفسية والعاطفية لموهوبين افتتنوا أو مايزالون يفتتنون بالحرية, مايزالون ملعونين, مايزالون مطلوبين ليكونوا قرابين, ليكونوا ضحايا عبقريتهم. رائعٌ أن نسمع في هذا الزمن السوري أنَّ شعراً جميلاً يطرد رواية قبيحة, وأنَّ قصيدة النثر السورية على يد هؤلاء الشعراء وغيرهم ستتحوَّل إلى كنزٍ للأفكار الإنسانية العقلانية المجنونة بالحرية. فمن زمان وزمان لم نقرا قصيدة نثر سورية مكتوبة بهذا التناغم الشديد وفرط الحساسية تجاه مشاعرنا التي تحرقها الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية. صحيح أنَّ عندنا شعراء كتبوا قصيدة النثر من مثل محمد الماغوط وحامد بدر خان ونزيه أبو عفش وعادل محمود وبندر عبد الحميد ومنذر مصري ورياض الصالح الحسين ومحمد فؤاد , لكن ليس صحيحاً أن تتوقَّف القصيدة عندهم, ومن ثمَّ يسرقها حفارو القبور الذين ينتظرون موتاهم ليسرقوا من جثثهم مايسرقون. لقد مضى زمن طويل لم تتنفَّس رئتانا من الشعر بعد أن سممَّها العرضحلجية والرواويون, فنرى أرواحنا وقد صارت تتكلَّم وتتكلَّم وتواجه رأساً لرأس مغتصبيها وسجَّانيها, وتقف ضدَّهم وضدَّ تجميد اللحظة الشعرية والروائية والموسيقية والفلسفية, وضدَّ وقف تدفق الزمن بجعل اللحظة هذهِ لحظةً أزلية نسبياً, فتعفينا من الموت في الحياة. |
|