تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الخليفة العباسي المأمون جرّ قناة من هذا النهر إلى معسكر قرب الربوة

كتب
الأربعاء 27-1-2010
فيصل خرتش

يبدأ الكتاب بالتعريف بقرية « منين» فهي بلدة في القلمون ، يبلغ عدد سكانها حوالي 20 ألفاً ، تشتهر بزراعة الجوز والتين والعنب ، ويمارس سكانها الزراعة ، بالإضافة إلى بعض الأعمال التجارية والصناعية البسيطة مثل الخياطة والتطريز ، وهي تقع في منطقة منخفضة ،

ترتفع عن البحر حوالي 1150 – 1200 م ، تحيط بها من كتل جبلية : مار تقلا من الشمال الشرقي والعين من الشمال الغربي وبرتا من الجنوب الشرقي وحقول العدس من الجنوب وبكارة من الغرب. يتدفق ماء النبع « عين منين « من مغارة في الصخور الكلسية في أسفل جبل العين ، وكان يشكل نهراً تجري مياهه نحو الجنوب ضمن وادي عميق ، ذكر أن الخليفة العباسي المأمون جرّ قناة من هذا النهر إلى معسكرّ في دير بران قرب الربوة .‏

وأصل كلمة « منين » سريانية ، وتعني سوس الحبوب ، وهي مسكونة منذ العصر الحجري الحديث مروراً بالعصور القديمة وعصر الحديد ، وازدهرت في العصرين الروماني والبيزنطي ، إذ كان فيها على سفح جبل « مار تقلا » مجمع ديني ضخم ، يضم عدة معابد ومنشآت أخرى على سطح الجبل وسفوحه، وكان في البلدة كنيسة بني مكانها الجامع القديم وحمام قديم يحتاج إلى ترميم ، كما تضم الجبال المحيطة بالبلدة عدداً كبيراً من المدافن المحفورة في الصخر.‏

يرقى أقدم سكن في موقع جبل مار تقلا في « منين » إلى العصر الحجري الحديث (الألف السابع قبل الميلاد ) وهذا ما أثبتته بعض المسوح الأثرية التي شملت عدداً من الكهوف المنتشرة في محيط الموقع والتي سكنها الإنسان ، وقد عثر فيها على عدد من الأدوات الصوانية تعود إلى هذا العصر . وعثر على بعض اللقى التي تعود إلى العصر الحديدي فيها ( بعض الدمى الطينية ورأس دمية طينية لثور ، وإناء طقسي دائري ، وأجزاء الجرار طينية خشنة ، وكسر فخارية لأوان ) . ثم اتسعت القرية القائمة في موقع « منين » أكثر خلال العصر الهلنستي ( 3 – 1 ق. م. ) ، وقد عثر على عدد من البيوت السكنية بنيت من الحجارة والطين ونحت جزء منها في الصخر ، أما كثافة الفخار فقد كانت أكبر ولكن نسبته ما زالت أقلّ . كما عثر على أختام وبعض النقود البرونزية ولقى أخرى متنوعة .‏

بقيت الثقافة الآرامية سائدة في العصر الروماني ، وانتشرت الثقافتان الإغريقية والرومانية إلى جانبها ، وعبدت الأرباب الرومانية التي اتحدّت مع الآلهة المحلية وأهمها : الإله جوبيتر . وفي هذا العصر ، ازدهرت « منين » واتسعت مساحة البلد بشكل كبير لتصل إلى المنحدر الجنوبي لجبل « مار تقلا » وحتى قاع الوادي تقريباً ، وانتشرت المدافن تحت أجزاء كبيرة من البلدة الحالية ، وبني الكثير من المنشآت في موقع جبل « مار تقلا » وحتى قاع الوادي تقريباً ، في حين أثبتت المسوح الأثرية وجود عدد من المواقع الأثرية تتوضع على عدد من التلال وقمم الجبال المحيطة . وعلى قمة جبل « مار تقلا » أعيد استخدام الكثير من البيوت القديمة ونزعت حجارتها لإنشاء أبنية حديثة ، ومن المنشآت التي نحتت بالكامل في الصخر معابد كرّست للآلهة الرومانية في السفح الغربي من الجبل . إنّ الشكل السائد لمعابد « منين » هو درج يؤدي إلى باحة مغطاة برواق ، يستند على أعمدة أمامية ، ومنه يتم الدخول إلى المصلى. وتوجد عدة معابد في المنطقة منها: المعبد الشمالي والمعبد الجنوبي والمعبد الغربي وساحة المجمع الديني . وقد عثر على الكثير من الأواني الفخارية العائدة لهذا العصر ، من بينها : جرار مختلفة الأغراض والأحجام ، وأباريق وصحاف وكؤوس وأسرجة وغيرها . كما وجدت طبعتا ختم دائري صغير الحجم على فوهة جرّة كبيرة الحجم ذات لون بني مائل للزهري ، ومن أهم لقى الموقع من هذا العصر رأس تمثال من الحجر الكلسي القاسي يمثل الإلهة أفروديت ، إضافة لبعض الدمى والحلي والنقود البرونزية والفضية . تحوّل الموقع إلى دير في العصر البيزنطي ، منحت إعادة استخدام الأبنية التي كانت قائمة في العصر الروماني ، كما تمت الاستفادة من الكثير من العناصر المعمارية القديمة فأعيد استخدامها من جديد. حتى إن التماثيل التي بطلت الحاجة إليها استخدمت كحجارة عادية ضمن بعض الجدران ، وقد تمّ العثور على تمثال أفروديت في أساس جدران أحد الأبنية .‏

ويبقى الفخار الذي يعكس مدى إشغال الموقع وكثافة السكن فيه ، والكسر التي جمعت فيه تعود لجرار مختلفة الحجم والغرض ، بينها جرار كبيرة للتخزين وجرار للطبخ وأخرى لنقل المواد الغذائية ، إضافة للجرار ذات الاستخدام الدائم ، وهناك القدور والصحاف والزبادي والسلطانيات والأباريق والكؤوس ، وتمثال معدني لنسر يبسط جناحيه في وضعية الهبوط ، ونقود مختلفة صنع قسم منها من النحاس وقسم آخر من البرونز ، تحمل صور عدد من الأباطرة البيزنطيين على أحد الوجهين ومشاهد أخرى على الوجه الثاني .‏

وبعد عام 646 م. ، تاريخ معركة اليرموك ، أصبحت دمشق عاصمة لجند الشام ، وكانت « منين » من القرى التابعة لها ، وسُكن الموقع خلال بعض مراحل التاريخ العربي الإسلامي ، في القاعات الجاهزة المنحوتة وبعض البيوت الواقعة في أعلى موقع القمة، كما قاموا بتشييد بعض الأبنية البسيطة ، ويبدو أن القرية أخذت بالانتقال نحو السفح الأدنى من جبل مار تقلا ليهجر الموقع من سكانه بشكل كامل خلال العصر العثماني .‏

من أهم ما يشير لهذه المراحل من التاريخ الإسلامي في الموقع (الفخار والنقود البرونزية) ، وكانت كمية الفخار الأيوبي والمملوكي هي الأكثر ، بينما توزعت القلّة القليلة الباقية من الفخار على العصور الأموي والعباسي والعثماني . وعثر على نقد برونزي رقيق واضح المعالم من النقود الساسانية التي ظلت مستخدمة عند بداية العصر الإسلامي قبل تعريب النقد، وكذلك عثر على نقود برونزية يونانية ، وعثر على كمية كبيرة من الكسر الزجاجية في الموقع وهي أجزاء من الأكواب والكؤوس والأباريق والقوارير والأواني المختلفة الأنواع والأحجام ، ولكن أغلب هذا الزجاج يعود للعصرين الروماني والبيزنطي ، وجزء منه يعود للعصر الإسلامي .‏

معابد منين - محمود حمود ، إبراهيم عميري - دار روافد للثقافة والفنون – دمشق 2003 - عدد الصفحات 144 صفحة، قطع متوسط‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية