|
أسواق إضافة لترويج سلع كمالية قد لا يحتاجها كأدوات الرياضة والمساج والتجميل والتنحيف والغريب أن فضائيات بأكملها باتت متخصصة للتسويق لسلع وخدمات تدعى أنها عالمية ولها مندوبون في كل بلد .. وإذا كانت الدعايات والإعلانات المضللة هي المسؤولة بشكل مباشر عن ضياع المستهلك وقلقه فإن بعض وسائل الإعلام التي تعتمد الإثارة مسؤولة أيضا وبدرجات متفاوتة..وتحتل بعض مواقع الانترنيت الإخبارية بشكل خاص الموقع الأول في التضليل و بشكل مباشر من خلال المبالغة بأخبار غلاء الأسعار وحالات الغش والجشع التي تلصق بها أسواقنا ومنتجاتنا المحلية إضافة للسلع الرديئة أو منتهية الصلاحية التي تدخل البلاد بطرق مختلفة . سلع سامة ومسرطنة وتصور هذه الوسائل البضائع في الأسواق بأنها رديئة جدا وأشبه بالنفايات وبعضها يصل إلى مرحلة السمية والتسبب بالأمراض المسرطنة وأغلبها منتهية الصلاحية أو مقلدة وحتى السلع المعمرة والكهربائية وغير الغذائية هي ستوكات لدول العالم الراقي (؟) .. وتصور هذه الوسائل المواطن بأنه الخروف الضحية والمسكين المغلوب على أمره ولا حول ولا قوة له .. وبات اليوم وبعد انفتاح الأسواق على مصراعيها لا يعرف ماذا يأكل أو يشرب أو يلبس ولا يعرف أين يشتري وكيف يعيش . .والحياة باتت مفروضة عليه وكل الحلقات من حوله تكالبت عليه كوحش كاسر يستنزف صحته وجيبه .. ولو كان مثل هذا التصور صحيحا فإن سيارات الإسعاف لن تهدأ بنقل حالات التسمم والمستشفيات بدورها ستغص بالعشرات بل بالمئات من الضحايا.. ولو كان ذلك صحيحا لما نصحت بعض وكالات السفر الشهيرة مواطنيها بعدم اصطحاب أي سلعة معهم إلى سورية التي تتوفر بها كل السلع والخدمات بأنواع ممتازة واسعار رخيصة .. فأي واقع إذاً تتحدث عنه بعض وسائل الإعلام المحلية التي تبحث عن الإثارة بأي ثمن كان لتبيع سلعها الرخيصة ولتجذب القارئ والمتابع ؟؟ قد تظهر في محل أو أكثر بعض المواد الغذائية منتهية الصلاحية وقد يحجز مستودع به كميات متنوعة من المواد الفاسدة والمهربة وهذا أمر طبيعي جدا في كل دول العالم بما فيها الدول الصناعية المتقدمة .. وحتى أنواع كثيرة من المخالفات قد تكون مقبولة وليس لها أي خطورة على الصحة وعلى سبيل المثال الألبان والأجبان المخالفة بنسبة الدسم وفقا للمواصفات القياسية فالأمر طبيعي أن يحصل أحيانا كثيرة لأن نسبة الدسم قد تنخفض أو تزداد وهذا يتعلق بمادة الحليب وطبيعة الرعي للخراف والأبقار فالأعلاف المركزة تعطي نسبة دسم عالية والمراعي الطبيعية تعطي نسبة دسم منخفضة وقد تكون أفضل صحيا ولاسيما بالنسبة للكولسترول والسمنة للمواطنين . وهنا نؤكد أن السلع والمواد الغذائية في السوق السوري من أفضل النوعيات وخصوصا أن نسبتها الكبيرة إنتاج محلي وطبيعي مئة بالمئة وهناك حالات قليلة ونادرة ولا تشكل سوى نسبة ضئيلة من المخالفات وتتابعها الجهات الحكومية التي تريد ألا تظهر في المرات القادمة أو ألا تزداد ويرتدع الغشاشون والجشعون لو أرادوا الاستمرار بهذا السلوك .. المبالغة بالأسعار والمشكلة الأخرى بتضليل المستهلك تتعلق بالمبالغة بالأسعار بقصد أو عن غير قصد فمدينة دمشق أسعارها هي الأعلى بين المحافظات السورية وهذا أمر طبيعي لأن دخول ورواتب الناس فيها أعلى من باقي المدن ومع ذلك توجد أسعار مناسبة في معظم الأسواق الشعبية التي يعتمد عليها سكان دمشق بنسبة 90 % والباقي يشترون من محال متفرقة قرب سكنهم أو عملهم .. ولو نظرنا إلى سوق مخيم فلسطين مثلا لوجدناه يغطي حاجات ليس سكان المخيم وحسب بل عدة أحياء كالميدان والزاهرة وسوق الدحاديل يغطي حاجات سكان صحنايا ونهر عيشة والمسافرين عبر اتستراد درعا وسوق باب سريجة ايضا يغذي عشرات الأحياء كونه يتوسط المدينة وامتداده ضخم وفيه تنوع بالكميات والنوعيات تلبي حاجات مختلف شرائح المجتمع . أما المبالغة بالأسعار فتأتي من خلال أسواق الشعلان وأبو رمانة وهذه لها زبائنها من موظفي السفارات والبعثات الدبلوماسية أو الأثرياء الذين يعيشون بتلك الأحياء أو خارجها ولهذه الأسواق مصادر خاصة ضمن سوق الهال ( وبعض الفلاحين المختصين بالنوعيات الممتازة ) التي لها سعر مرتفع وجودة عالية.. ولذلك فإن الاعتماد على تسعيرة هذه الأسواق المرتفعة بطبيعتها كمقياس لأسعار دمشق هو أمر خاطئ تماما إذ من غير المعقول أن تعتمده بعض وسائل الإعلام لتخيف به الناس دون أن يعبر عن السعر الحقيقي الذي هو بمتناول الجميع في الأحياء الشعبية كما أسلفنا .. والجانب الأخر هو أن الدولة لا تستطيع تحديد أسعار الخضار والفواكه ولا تنظيم أسواقها وهناك عدة محاولات لنقل أسواق الميدان بوابة والمخيم والشريبشات إلى مواقع مناسبة دون أي نتيجة وبالتالي فإن جميع الأسواق الشعبية تكونت بعفوية. أما الأسعار فيصعب التحكم بها لعشرات الأسباب ففي السوق الشعبي يشتري البائع صنفا واحدا بكميات كبيرة بالأطنان ويكتفي بربح أقل ليكون سعره الأقل والأسعار داخل السوق تتشكل ثلاث مرات على الأقل المرة الأولى صباحا عندما يتم البيع لأول مرة والثانية بعد الظهر عندما تكون البضاعة قد بيع معظمها والثالثة في نهاية اليوم تكون آخرها ومعرضة للذبول ولا تحتمل البقاء ليوم تالي ..ويتلف ما تبقى أو يرمى بالمهملات ..بينما بالأحياء البعيدة فمن الطبيعي أن تكون الأسعار مرتفعة نظرا لقلة الزبائن ولكميات التلف التي يتحمل مسؤوليتها إضافة لأجور النقل اليومية.. عناوين طنانة.. ولو بحثنا عن الرأي العام للمستهلكين لوجدناه يتكون بصورة رئيسية مما يتابعه من أخبار وإعلانات وغالبا ما يعتقد المستهلك أن مواقع الانترنت والصحف حتى الإعلانية منها أوالمختصة بالحوادث هي المصدر الرسمي وما يكتب بها هو الحقيقة فالعناوين الطنانة يأخذها على حالها وعلى محمل الجد دون أن يقرا الموضوع بتفاصيله وما يخلص إليه وأحيانا يكتفي برؤية الصور والكاريكاتير لينسج قصصا من مخيلته عن واقع الأسواق وما فيها من مآسٍ : آلاف معلبات الأغذية رائحتها كريهة ولحوم مهربة بالأطنان وأسماك فاسدة منتهية الصلاحية وتمور مليئة بالديدان وعبوات مياه شرب غير مطابقة للمواصفات.. والمستهلك هنا لا يقدر نسبة الكميات المصادرة الضئيلة جدا والتي قد يكون السبب في عدم صلاحيتها هو سوء التخزين والنقل وأغلبها غير مقصودة ..والأخطر من ذلك انه يشكك بعمل أجهزة الرقابة الحكومية ويحملها مسؤولية التقاعس رغم أنها هي من يكتشف مثل هذه الحالات وتحاسب مرتكبيها أشد الحساب وتتلف الكميات المصادرة وتحيل المخالفين للقضاء إضافة للإجراءات الإدارية بإغلاق المحال المخالفة .. ولو نظرنا إلى عشرات الضبوط التموينية وسحب عينات عشوائية من الأسواق يوميا فإنها لم تأت من فراغ ولهذا لابد من الاطمئنان بان الجهات الرسمية تأخذ إجراءاتها بشكل اعتيادي بكل ما يخص المستهلك من مآكل ومشرب وأي خدمات أخرى .. ولكن ذلك لا يمنع أبدا من أن يكون المستهلك واعيا لأنماط استهلاكه وحسن اختياره للسوق المناسب والسلعة التي تلبي حاجته دون الانسياق وراء إعلانات مغرية وأسعار بخسة .. الوعي الاستهلاكي أخيرا..نشير إلى أهمية الوعي الاستهلاكي وهو مسؤولية المجتمع بأسره من المدرسة والأسرة ومرورا بجمعيات حماية المستهلك وانتهاء بوسائل الإعلام التي تتحمل المسؤولية الأكبر خصوصا مع وجود الفضائيات التي تشجع على أنماط استهلاكية معينة تشجعها وتخلقها بين الناس سواء ضمن إمكانياتهم أم فوقها ، وجيل الشباب تحديدا يتألم ويعيش مسحوقا تحت ظل هذه الوسائل الجذابة، إضافة لوجود طبقة الأغنياء الجدد في المجتمع السوري التي ليس لها تقاليد متوارثة إنما يتبعون مظاهر تفاخرية ويضطر الفقراء لتقليدها على حساب القيم التي تلفظ أنفاسها الأخيرة.. وبالتالي .. فان أدوات الإعلام وتحديدا الإعلان تحرض على الاستهلاك النافع والضار من جهة ويتناقض ذلك مع الإمكانيات المادية من جهة ثانية ليخلق الإحباط عند المستهلك .. والمشكلة هنا أن الإعلان يستطيع إقناعنا بأن الكثير من الحاجات باتت ضرورية، فالجوال والكمبيوتر وأحيانا السيارة كلها لم تعد كماليات .. ولهذا من الصعب أن نقف بوجه الانفجار الإعلاني أو الإعلامي لكن يمكن تنظيم الإعلام المحلي وتطويره بنوعيات برامجية جيدة ليخلق الوعي المطلوب إلى جانب الحراك الثقافي والاجتماعي لنخلق الوعي لدى المثقفين والفنانين ليكونوا قدوة وبإقناع الأغنياء بالتراجع عن مظاهر البذخ التي لا مبرر لها ومساعدة المحتاجين عوضا عن ذلك ولاسيما طلاب العلم المتفوقين من الفقراء والطبقات الميسورة.. |
|