تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ماذا تكشف رسائل الكتَّاب إلى أبنائهم؟!

عن الفيغارو
ثقافة
الأربعاء 27-1-2010
ترجمة سهيلة حمامة

هل يقوم الكتَّاب بدورهم الأبوي حيال أطفالهم مثل غيرهم من الآباء؟

نعم بالتأكيد ذلك ما كشفته رسائل كل من راسين يتوفيل غويتيه ، كلوديل، فيتز جيرالد، فرويد وغيرهم إلى أطفالهم.‏

هؤلاء المشاهير الذين أتحفوا العالم بنتاجهم الرفيع، وتميزوا بعمق نظرتهم إلى الحياة ، مفعمون بالحنان، والشعور بالقلق والتجرد، والحيرة وحتى الارتباك مثل أي أب أمام أطفاله ولاسيما عند بلوغهم الرشد، وتحررهم من القصص التي كدسها لهم آباؤهم حول أسرتهم لكن رسائل هؤلاء المفعمة بالعاطفة لا تخلو من ذكر خيبات أملهم حيال أبنائهم.‏

ذلك هو حال اندريه بروتون مع ابنته أوب في رسائله العديدة لها والتي نشرت للمرة بترويسة مركز المعلومات السوريالية فيها بكشف بروتون عن ألم يعتصره جراء انقسام بين طبعه السلطوي وعقيدته في أن الرغبة هي «القسوة الوحيدة التي يجب على الإنسان أن يدركها» ابنته المدلله والمحبوبة ،أوب أوقعته في حيرة واضطراب حيث عاين أخطاءها الفادحة والسيئة حتى بعد التحاقها بأحد المعاهد العريقة فبادر إلى توبيخها قائلاً:«لن أدع العاطفة لدي تتغلب على العقل» حاثاً إياها على الاجتهاد وأكثر لتحسين كتابتها، لا مزاح مطلقاً عنده، فساحرته الصغيرة ملزمة أن تكرس نفسها لكل ما يرقى بالروح والنفس وتبادل الزيارات مع صديقاتها والاهتمام أكثر بالمتاحف، والكف قدر الإمكان عن ارتياد دور السينما للتسلية والمواظبة على كتابة رسائل إلى جدها.‏

ها هو فرانسوا مورياك يرفع معنويات ابنته كلير، القلقة جداً بشأن إخفاقها التام في المدرسة، مؤكداً لها في الوقت نفسه أن الطريقة التربوية المثلى تتجلى في قراءة الأدباء الجيدين والإصغاء إلى الموسيقا الراقية، كما يشجعها على الاجتهاد والتعليم وقذفها بنصيحة من هنا ونصيحة من هناك، ليتنبه أن بالغ في ذلك فيبادر كما زملاؤه مع أطفالهم، إلى الاعتذار منها لكنه مضطر لانتشال طفلته من اللامبالاة.‏

وإذا قرأنا رسالة يتوفيل غويتيه إلى ابنته جوديت نعثر على توصياته العشر لتصبح صغيرته فتاة ماهرة ثم يستدرك الأمر ويقدم اعتذاره لها بسبب غلظة نصائحه، مشيراً لها إلى أن إلحاحه إنما يأتي من رغبته في أن يرى فكر طفلته يتفتح مثل برعم الزهرة.‏

أه لو يعرف الأبناء أن نصائح آبائهم (الثقيلة) ما هي إلا تعبير عن حبهم الكبير لهم!‏

لكن اللورد البريطاني شتينر فيلد- يختلف عن زملائه ، فمع ابنه فيليب، ينتقي كلمات رشيقة وأسلوباً جذاباً، يقيناً منه أن النصيحة الفجة تأتي حتماً بنتيجة عكسية فلكي يحذر ابنه من الفساد، كان يومئ إليه كصديق أن الطريقة المثلى للتمتع بالملذات تكون في عدم الإفراط بها، كانت كلماته قليلة لأنه يرى أن اللغو لا يجدي نفعاً من الطفل ، بل كلمات موجزة ورشيقة هي الأفضل.‏

ومقابل هذا الأسلوب الرشيق في النصح، يطل علينا فرويد رائد التحليل النفسي، بغلظة نصيحته الموجزة جداً والتي تفتقر إلى الحدس الذي يبعث على الضحك حيث يقول لابنته ما تيلد الحزينة والبائسة لكونها قبيحة الشكل «بما أنك شابه، فلا مبرر مطلقاً لأن تكوني كئيبة» ويذيل رسالته بعبارة «والدك الحبيب» ويذهلنا سكوت فيتزجيرالد بقلة لباقته عندما يدع جنونه ينساب لا شعورياً على الورق ملزماً ابنته سكوتي متابعة دراسة الهندسة التحليلة والحساب التفاضلي «ابنتي الغالية ، عليك القيام بشيء صعب لكي تثبتي جدارتك نحوي».‏

لكن ماذا عن أولئك الأدباء النزيهين الذين يتحدثون مع أبنائهم كما لو كانوا راشدين بالفعل؟‏

إنه مورياك الذي يكتب بجرأة إلى ابنه ذي الـ 16 ربيعاً مشيراً إليه عن حقيقة الوجود «ولدي الحبيب، الحياة صعبة وشاقة ومأساوية، ورغم ذلك تبدو رائعة وجميلة جداً حتى بفشلها وإخفاقاتها المتلاحقة» وأكثر الرسائل بهجة للنفس، رسالة كلوديل إلى ابنته رين ذي الـ 18 ربيعاً في عام 1928 وتتسم بالحرارة والرقة، وتفيض بالثقة والرقي ومتعة الحياة ابنتي الحبيبة، عليك دوماً بالصلاة والابتهال إلى الله عز وجل، كرسي عشر دقائق في اليوم للتأمل بوجهه وعظمته، فتتكون لديك عادة جميلة تمنحك على الدوام الرضا والشعور بالسعادة الحقيقية.‏

تلك عينة من رسائل لأشهر كتاب ذلك العصر ونأمل بالعثور على المزيد منها رسائل شيقة تضم في حناياها رغبات محرريها المغطاة بالهشيم في أن يحققوا رغباتهم التي حرموا منها في أبنائهم ومهما يكن فهذه الرسائل امتداد طبيعي لعمل أدبي رفيع .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية